لا يزال لقاء رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك والإسلامي المنشق غازي صلاح الدين العتباني، المستشار السابق للرئيس المعزول عمر البشير، يشغل الساحة السياسية السودانية ويقسمها.
وفي حين رحب إسلاميون باللقاء، انتقده معارضون للنظام السابق بشدة واعتبروه «صفعة لمبادئ ثورة ديسمبر» التي دعت إلى القطيعة مع قادة انقلاب «الإنقاذ»من الإسلاميين، بغض النظر عن مواقفهم الحالية.
وغازي العتباني من القادة التاريخيين للإسلاميين السودانيين. وشارك في أعمال وعمليات «الجبهة الإسلامية»منذ سبعينات القرن الماضي، واشتهر بدوره في ما عرف بعملية «دار الهاتف» العسكرية التي نفذتها قوى «الجبهة الوطنية» المعارضة ضد نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري.
وإلى جانب لقائه رئيس الوزراء، نشر العتباني على صفحته على موقع «فيسبوك» صوراً لاجتماع بينه وبين مبعوث الرئيس الأميركي إلى السودان دونالد بوث نهاية الشهر الماضي. ولم تكشف السفارة الأميركية في الخرطوم عن تفاصيل الاجتماع وما تم تداوله، ومثلها لم يفعل العتباني الذي اكتفى بنشر الصورة مع تعليق مقتضب نصه: «لقاء رئيس الجبهة الوطنية للتغيير ورئيس حركة الإصلاح الآن الدكتور غازي صلاح الدين العتباني بالمبعوث الأميركي السفير دونالد بوث».
وشارك العتباني في التخطيط لانقلاب «الإنقاذ» 30 يونيو (حزيران) 1989 بقيادة عرّاب الإسلاميين حسن الترابي، وتولى العديد من المناصب التنفيذية الرفيعه في الدولة، إلى جانب توليه لأمانة الحزب الحاكم المنحل «المؤتمر الوطني»، قبل أن يخوض صراعات كبيرة مع البشير على رغبته في تعديل الدستور بما يتيح له الترشح لدورة رئاسية جديدة بنهاية ولايته، وحول القمع الذي مارسته سلطات الأمن ضد المحتجين في انتفاضة سبتمبر (أيلول) 2013، ما أدى إلى فصله من الحزب ولحق به عدد من مناصريه.
وكوّن العتباني عشية فصله من الحزب الحاكم وقتها حركة «الإصلاح الآن» لمعارضة النظام، لكنه لم يلبث أن شارك في الحوار الوطني المعروف بحوار «الوثبة» الذي دعا إليه البشير، وبناء عليه شارك حزبه في المجلس الوطني (البرلمان).
وأثناء ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019، أعلن العتباني وحزبه الانسحاب من البرلمان والمجالس التشريعية الولائية، وبجانبه أكثر من 20 حزباً كونوا ما أطلقوا عليه «الجبهة الوطنية للتغيير»، وطالبوا بتغيير النظام.
وتتكون «الجبهة الوطنية للتغيير»التي لا يزال العتباني يتزعمها من مجموعات وشخصيات إسلامية مثيرة للجدل، مثل محمد علي الجزولي الذي اضطر إلى نفي اتهامات له بالانتماء إلى تنظيم «داعش»، وخال الرئيس المعزول الطيب مصطفى الذي ظل في موقعه في البرلمان رئيساً للجنة الإعلام.
ولم تقبل قوى «إعلان الحرية والتغيير» قادة أحزاب «الجبهة الوطنية للتغيير» بين قوى الثورة، واعتبرتها «امتداداً للنظام المعزول»، برغم مشاركة عدد من أنصارها في الثورة. ورغم رأي «الحرية والتغيير» الواضح في العتباني والتحالف السياسي الذي يمثله، فإن رئيس الوزراء عقد لقاء سرياً معه لم تكشف النقاب عنه إلاّ تصريحات منسوبة للعتباني، بأن اللقاء كان «نتيجة لرغبة مشتركة بين الطرفين، وتناول التحديات التي تواجه البلاد وتقريب وجهات النظر، للوصول إلى تحقيق نهضة البلاد باعتباره مشروعاً وطنياً متفق عليه».
أما مكتب حمدوك فقد ظل صامتاً ولم يعلق على تصريحات العتباني بشأن اللقاء ودواعيه. وأثار الاجتماع رفضاً واسعاً بين قوى «الحرية والتغيير» التي تمثل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، مثلما استهجنه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، باعتباره «خرقاً لنهج الثورة».
ووصف «تجمع المهنيين السودانيين» اللقاء بأنه «صدمة كبيرة». وقال المتحدث باسم التجمع إسماعيل التاج في تغريدة إن «لقاء غازي صلاح الدين رئيس الجبهة الوطنية للتغيير، ورئيس الوزراء بمكتبه، صدمة كبيرة، ويفتقر للحساسية السياسية، ولا يخدم مسيرة الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي».
ودعا التجمع الذي قاد التظاهرات التي أطاحت حكم البشير، رئيس الوزراء إلى تقديم «توضيحات سريعة لا غموض فيها» بشأن اللقاء، فيما أعلنت قيادات في «الحرية والتغيير» رفضها للاجتماع، واعتبرته «محاولة لتسوية سياسية بين الإسلاميين والحكومة الانتقالية».
«صدمة» في السودان من اجتماع حمدوك بمستشار البشير
«صدمة» في السودان من اجتماع حمدوك بمستشار البشير
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة