آخر سكان سراقب يودّعون منازلهم مع اقتراب قوات النظام السوري

TT

آخر سكان سراقب يودّعون منازلهم مع اقتراب قوات النظام السوري

ودّع وائل شيخ خالد بحزن شديد حارته الغارقة في الدمار، قبل أن يستعدّ لمغادرة مدينته سراقب، التي باتت شبه خالية مع اقتراب قوات النظام السوري منها، ذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من سراقب في ريف إدلب. ويقول الرجل (38 عاماً) بينما ينفث دخان سيجارته عالياً وهو يجلس فوق الركام «عدت لآخذ بعض الأغراض وأرى حارتي لآخر مرة، لأنني ربما قد لا أتمكن من رؤيتها مجدداً» بعدما نزح مع زوجته وأطفالهما الأربعة قبل عشرة أيام. ويضيف بحسرة: «ليتني لم أعد وأراها بهذه الحال، إنه لمشهد يفطر القلب».
على غرار بلدات وقرى عدّة في محيطها، فرغت مدينة سراقب من سكانها على وقع تقدم قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي وسيطرتها منتصف الأسبوع على مدينة معرة النعمان، ثاني كبرى مدن إدلب، في إطار تصعيد مستمر في المنطقة. وباتت قوات النظام السبت على بعد نحو خمسة كيلومترات من سراقب، بعد تراجعها ليلاً إثر معارك عنيفة ضد الفصائل المقاتلة.
وبدت شوارع المدينة الجمعة مقفرة، أبنية متصدّعة وأخرى مدمّرة بالكامل جراء الغارات، كما هو المشهد في العديد من المدن التي طالها التصعيد في محافظة إدلب ومحيطها، حيث يقيم ثلاثة ملايين نسمة. وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على أكثر من نصف مساحة إدلب، حيث تتواجد فصائل أخرى معارضة أقل نفوذاً. في سوق مقفر، إلا من حيوانات شاردة تجوب بعض الأزقة، تبدو صناديق الفواكه والخضار فارغة بينما الواجهات مقفلة. ولا يبدد الصمت الذي يسود إلا دوي نوافذ وأبواب تصفقها الرياح بين حين وآخر.
وقبل أن يهمّ بمغادرة المكان الذي نشأ فيه، يقول وائل: «هذه حارتي، أعرفها بالشبر. تدمّرت ولم يبق شيء منها»، ثم يضيف: «إنها مأساة حقيقية ونحن المدنيون ندفع الثمن ولا أحد يشعر بنا». على وقع التصعيد العسكري لقوات النظام بدعم روسي، أحصت الأمم المتحدة نزوح 388 ألف شخص منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) خصوصاً من معرة النعمان وريفها باتجاه مناطق أكثر أمناً في شمال إدلب قريبة من الحدود التركية. وحذرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى مراراً من كارثة إنسانية في حال استمرار المعارك. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الجمعة إن «الوضع في شمال غربي سوريا بات لا يطاق بالنسبة إلى المدنيين».
قبل أشهر، شكلت سراقب ملجأ لعائلات نازحة من بلدات طالها التصعيد، وتجاوز عدد سكانها 110 آلاف نسمة وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أن تتحوّل اليوم لمدينة خالية.
وتعبيراً عن مأساة النزوح هذه، رسم عزيز الأسمر، وهو رسام غرافيتي من بلدة بنّش القريبة، على أحد جدران سراقب الخميس قلباً طلاه باللون الأحمر، وقربه سيدة مع طفلين، يلوح أحدهما بيده بينما تمسك الطفلة بلعبتها. وذيّل اللوحة بتعليق «أخذت قلبي معي وجذوره في سراقب».
يصرّ المتطوع في الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل) عبدو بكري على مساعدة الرسام في إتمام جداريته. ويوضح أنه «لا يمكن لبشري أن يصف شعورك وأنت تترك بلدك وأهلك وناسك».
وبينما يبدي ثقته المطلقة من أنه «لا يمكن للباطل أن ينتصر»، يقول عبدو بتأثر «كفانا عتمة، لقد حرقوا أنفاسنا واستخدموا كل الصواريخ والأسلحة، كل أنواع القوة حتى وصلوا» إلى محيط المدينة. وبعد أن يُجهش بالبكاء، متكئاً على دراجته النارية التي حمّل خزانة بلاستيكية عليها فيها ثياب أطفاله، يغادر عبدو المدينة تحت زخات مطر خفيفة. في أحد أزقة المدينة، انهمك رجل في الخمسينات من عمره في التحدث إلى أقربائه مباشرة عبر خدمة الفيديو على هاتفه النقّال. وبينما كان يظهر لهم الأبنية والشوارع، ارتفع صوته وهو يشرح لهم قائلاً «انظروا سراقب ما زالت معنا. أنا فيها وأجول في شوارعها».
في مكان ليس ببعيد، وداخل غرفة يتخذونها مقراً لهم في المدينة، تجلس مجموعة من المقاتلين المنضوين في صفوف فصيل سوري معارض، مدججين بأسلحتهم، حول مدفأة. يحتسون أكواب الشاي ويتبادلون أطراف الحديث خلال استراحة قبل انطلاقهم إلى الجبهة.
ويقول أحدهم ويعرّف عن نفسه باسم أبو طراد لوكالة الصحافة الفرنسية بينما يلفّ كوفية حمراء وبيضاء حول عنقه «إنها حرب قذرة (...) أمم الدنيا كلها اجتمعت ضد الشعب المسكين».
ويتحدّر أبو طراد من سراقب التي قتل المئات من شبانها خلال قتالهم ضد قوات النظام، منذ اندلاع الحرب قبل نحو تسع سنوات والتي يقول إنها «شردتنا، فرّقت الأخ عن أخيه والطفل عن أمه والزوجة عن زوجها».
ويوضح المقاتل الشاب وهو أب لثلاثة أطفال أنه بقي ورفاقه في المدينة «لندافع عن أرضنا» بعدما حملوا، على غرار كثيرين قبل سنوات، السلاح «دفاعاً عن أرضنا وشرفنا وعرضنا».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.