بعد ساعات طويلة من المساءلة والمداولات، حسم أغلبية المشرعين أمرهم في قضية الاستماع إلى شهود وبدا وكأن الكفة تميل تدريجياً لصالح تبرئة الرئيس الأميركي. وقد ورد أبرز موقف يشرح قرار المترددين من الجمهوريين على لسان السيناتور الجمهوري لامار ألكسندر الذي كان يُعدّ من الأصوات المتأرجحة التي يعول عليها الديمقراطيون. ألكسندر قال بعد انتهاء جلسات المساءلة الماراثونية: «ليس هناك حاجة للمزيد من الأدلة لإثبات أمر تم إثباته من قبل وتصرف لا يستحق خلع رئيس من منصبه». وتابع ألكسندر الذي وصف تصرف ترمب بغير اللائق أن «الدستور الأميركي لا يعطي مجلس الشيوخ صلاحية خلع الرئيس من منصبه ومنعه من خوض الانتخابات بسبب تصرفات غير لائقة». وانتقد ألكسندر الديمقراطيين واصفاً إجراءات العزل بالحزبية والسطحية.
تصريح عكس موقفاً جمهورياً موحداً بالإجمال، وألقى الضوء على براعة زعيم الأغلبية ميتش ماكونيل في رص الصف الجمهوري بعدما وصف بـ«قنبلة بولتون». ماكونيل الذّي قلما يبتسم، لوحظ على وجهه طيف ابتسامة لدى مغادرته مجلس الشيوخ مساء الخميس وقال للصحافيين: «استعدوا ليوم الجمعة فهو يوم مهم جداً»، وهو رّكز في استراتيجيته على إقناع الجمهوريين بأن موضوع استدعاء شهود سوف يؤجل القرار المحسوم أصلاً وهو تبرئة الرئيس. فحتى تسريبات بولتون لا تُشكّل مادة قابلة لخلع رئيس أميركي، على حد قول الجمهوريين وفريق دفاع ترمب، والاستماع إلى مستشار الأمن القومي لن يغير من هذا الواقع بل سيطيل من فترة المحاكمة ويؤثر سلباً على عمل الكونغرس وبالتالي على الانتخابات التشريعية المقبلة. هذه هي النقاط التي طرحها ماكونيل على حزبه وتمكن من خلالها من تحطيم المساعي الديمقراطية بجذب أصوات جمهورية كافية لصالحهم. وهذا ما فسّره جون كورنين، أحد القيادات الجمهورية في مجلس الشيوخ: «أعتقد أن الأشخاص هنا بدأوا يفهمون أن القضية لا تنحصر في شاهد واحد فقط وقد تستغرق شهوراً لحسمها».
وفي ظل هذه الضغوطات، جلّ ما تمكن الديمقراطيون من الحصول عليه هو دعم جمهوريين اثنين: ميت رومني منافس ترمب السابق في الانتخابات، وسوزان كولينز السيناتورة المعتدلة. لكن هذين الصوتين لن يتمكنا من تغيير المعادلة، فأفضل سيناريو يواجه الديمقراطيين حتى الساعة هو سيناريو التعادل، وحتى في حال حصول قضية استدعاء شهود على 50 صوتاً يدعمها مقابل 50 يعارضها، فهذا يعني أن التصويت سيكون لصالح عدم استدعاء شهود. وقد عوّل البعض على تصويت كبير قضاة المحكمة العليا جون روبرتس لحسم القضية في حال التعادل، لكن على ما يبدو فإنه لا رغبة لروبرتس بالتدخل لصالح طرف ضد آخر في قرار تاريخي من هذا النوع. فشل قضية استدعاء شهود يعني بالتالي أن المجلس سيصوت لتبرئة الرئيس الأميركي من التهمتين الموجهتين ضده: استغلال منصبه لمآرب سياسية وعرقلة عمل الكونغرس. تصويت قد يحاول الديمقراطيون تأجيله من خلال فرض إجراءات بروتوكولية، وحتى ساعة كتابة هذا التقرير، لم يعلن الديمقراطيون عن استراتيجيتهم في هذا الخصوص. وفي حال قرروا عرقلة عملية التصويت فهذا قد يعني تأجيل التصويت النهائي إلى يوم السبت أو الأحد. وفي سيناريو يجسّد خوف الجمهوريين الأكبر، قد يتمكن زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر من فرض صلاحياته وتأجيل عمليات التصويت للأسبوع المقبل، الأمر الذي سيتزامن مع بدء الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا ومع خطاب حال الاتحاد في الرابع من فبراير (شباط). وقد تحدّث الديمقراطيون عن استراتيجياتهم المختلفة، وقال سيناتور ديمقراطي طلب عدم الكشف عن اسمه: «نحن نفكر بخيارات كثيرة، وما إذا كنا نستطيع تغيير قواعد التصويت وما هي التعديلات التي سنقدمها. نحن لن نسمح لليلة الجمعة بأن تكون ليلة هادئة». وقال السيناتور كريس مرفي: «نحن ننظر في كل الإجراءات البرلمانية وسوف نفرض سلسلة من عمليات التصويت التي ستظهر الموقف الجمهوري بوضوح».
ومع وجود سيناريوهات كثيرة للتأجيل، لكن النتيجة ستكون ذاتها: الرئيس الأميركي سيبرأ من التهم الموجهة ضده ولن يتم خلعه من منصبه. أمر يتخوف منه الديمقراطيون وبعض الجمهوريين بشكل كبير، لأنه يعني أن ترمب سوف يعزز موقعه في الانتخابات الرئاسية، وقد يؤدي موضوع العزل إلى فوزه بولاية ثانية. وهذا ما تحدث عنه نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الذي قال إن تبرئة ترمب ستجعل من مهمة هزيمته في الانتخابات أصعب. لكن الديمقراطيين يأملون في الوقت نفسه أن تكون الحجج التي قدموها في سير عملية العزل مقنعة للناخب الأميركي، وأن ينعكس هذا على صناديق الاقتراع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ويسعى بعض الديمقراطيين إلى إرسال توجيهات مشفّرة لمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، يطرحون فيها فكرة إجرائه مقابلات تلفزيونية للحديث عن فضيحة أوكرانيا. وقد غرّد السيناتور الديمقراطي براين شاتز قائلاً: «أنا أصدر مذكرة استدعاء وهمية لبولتون، أوجهه من خلالها بالمثول في البرامج الحوارية يوم الأحد للحديث عن (صفقة المخدرات)، وذلك في إشارة إلى إفادات مسؤولين في الإدارة الأميركية أمام لجان الكونغرس، نقلوا فيها عن بولتون وصفه لموضوع أوكرانيا بـ«صفقة مخدرات».
تتزامن هذه التطورات مع زيارة قام بها ترمب لولاية أيوا التي ستشهد أول انتخابات تمهيدية في الولايات المتحدة يوم الاثنين. وانتقد هناك إجراءات عزله لكنه أعرب عن تفاؤله بالمرحلة المقبلة قائلاً: «نحن نفوز كثيراً، نحن نهزم كل الديمقراطيين». وكان مجلس الشيوخ اختتم يوم الخميس جلسات المحاكمة التي استغرقت أكثر من خمسين ساعة بين مرافعات الدفاع والادعاء وأسئلة المشرعين. وحاول فريق الادعاء جاهداً إقناع أعضاء مجلس الشيوخ بوجوب استدعاء شهود قبل التصويت لإنهاء المحاكمة، وركزوا في مرافعاتهم على التسريبات الأخيرة من كتاب بولتون. لكن فريق الدفاع كان بالمرصاد، ووبخ الديمقراطيين على محاولات لخلع رئيس أميركي من منصبه من دون وجود أي دليل يثبت استغلاله لمنصبه. وقال أعضاء فريق الدفاع إن ترمب جمّد المساعدات لأوكرانيا بسبب الفساد المستشري في البلاد. أمر انتقده الديمقراطيون الذين اتهموا ترمب باستغلال موضوع المساعدات لإجراء تحقيق مع منافسه بايدن والتأثير على نتيجة الانتخابات الأميركية. ومما لا شك فيه أن نهاية المحاكمة لا تعني نهاية الجهود الديمقراطية للتحقيق مع ترمب. وهذا ما تعهدت به رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي قالت: «لن تتم تبرئة ترمب. لا يمكن تبرئتك من دون محاكمة. ومحاكمة من دون شهود أو إثباتات هي ليست محاكمة حقيقية. هل يعرف الرئيس الفرق بين الخطأ والصواب؟ لا أعتقد ذلك».
اقتراب ساعة الحسم في محاكمة ترمب
الكفة ترجح لصالح تبرئة الرئيس الأميركي
اقتراب ساعة الحسم في محاكمة ترمب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة