تونس: رئيس الوزراء المكلف يكشف أولويات حكومته المقبلة

تعهد بإصلاحات اقتصادية ومكافحة الفساد

TT

تونس: رئيس الوزراء المكلف يكشف أولويات حكومته المقبلة

كشف إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة التونسية المكلف، أمس، عن «الحزام السياسي» المرشح لدعم حكومته في حال تقدمها لنيل ثقة البرلمان، مبرزا أن مشروعه «ليس تشكيل حكومة فحسب، بل تكوين حكومة تحظى بدعم حزام سياسي قوي، وقادرة على الفعل والتغيير».
وقدم الفخفاخ خلال مؤتمر صحافي، عقده أمس بقصر الضيافة بقرطاج، الأولويات التي ستعمل الحكومة المقبلة على تنفيذها، وفي مقدمتها إعادة الأمن للمواطنين والتحكم في الأسعار، وإنعاش الاقتصاد ومكافحة الفساد، عبر تركيز الحوكمة الرشيدة. إضافة إلى حل مشكل الحوض المنجمي (جنوب غربي)، الذي يشهد احتجاجات العاطلين عن العمل، ووضع استراتيجية واضحة للقطاع الفلاحي، ومخطط لدخول الثورة الرقمية بقوة، وتعبئة الموارد المالية لسنة 2020.
وأكد الفخفاخ أنه سينطلق خلال الأسبوع المقبل في تشكيل الحكومة، التي ستكون مصغرة بـ28 حقيبة وزارية، تكون ممثلة من مختلف الحساسيات والمشارب الفكرية والآيديولوجية، بما يجعلها «حكومة وحدة وطنية»، حسب تعبيره.
في غضون ذلك، أعاد الفخفاخ دعوته لحزبي «قلب تونس» و«الدستوري الحر» إلى الانضمام للمعارضة، التي قال إنه يريدها أن تكون «قوة وفاعلة»، نافيا أن يكون هذا الموقف «إقصاء» لهما من المشهد السياسي.
وأوضح الفخفاخ أنه بدأ بالفعل مشاورات تشكيل الحكومة من خلال عرض ملامح المسار الحكومي، ثم تحديد وثيقة التعاقد الحكومي، التي تفاعلت معها الأحزاب بصفة إيجابية، في انتظار الإعلان عن تركيبة الحكومة التي ستنفذ الأولويات التي ينتظرها التونسيون منذ شهور.
وبخصوص الإجراءات الحكومية التي ستحتل أولوية في حال نيله ثقة البرلمان، قال الفخفاخ إنها إجراءات تهدف إلى «تنقية المناخ السياسي، وتكريس حياد الإدارة، والنأي بالمرفق العمومي عن التوظيف السياسي، وتعزيز دور الدولة لتنفيذ مشاريع تنمية في المناطق الداخلية، ومكافحة شتى أنواع الفساد».
وفي الشأن الاقتصادي، كشف الفخفاخ عن مخطط على المدى المتوسط يغطي السنوات الخمس المقبلة بهدف تغيير المنوال الاقتصادي الحالي، وتوجيه جانب مهم من مشاريع التنمية إلى المناطق الفقيرة. مشيرا إلى أنه سيعمل على إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والوزارات، مع توجه نحو دمج بعض الوزارات، معتبرا أن هذه المسألة تتطلب بعض الوقت. كما شدد على ضرورة إصلاح قطاعات التعليم وقطاع الصحة، واعتبرها من أهم الملفات التي ستقوم حكومته بحلحلتها.
في السياق ذاته، أشار رئيس الحكومة المكلف إلى تفاعل عشرة أحزاب مع وثيقة التعاقد الحكومي، التي قدمها لها خلال الأسبوع الماضي، وهي مستوحاة من مشاريع الأحزاب السياسية ذاتها، والتي أعربت عن استعدادها للمشاركة في الحكومة المقبلة.
ومن المنتظر أن تصادق اليوم (السبت) قيادات هذه الأحزاب على وثيقة التعاقد المتعلقة بالبرنامج الحكومي، لينطلق الفخفاخ في إعداد تركيبة الحكومة، التي قد يعلن عن أهم ملامحها خلال المؤتمر لصحافي الثالث الذي سيعقده الجمعة المقبل.
ويرى مراقبون أن حكومة الفخفاخ التي سيقترحها على البرلمان ستبقى رهينة ما سيقدمه للأحزاب السياسية من «ترضيات» على مستوى الحقائب الوزارية، إذ إن حركة النهضة، الفائزة بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (52 مقعدا)، تتمسك بضرورة مراعاة التمثيل البرلماني عند تشكيل الحكومة، فيما لا يزال حزب «قلب تونس»، الممثل بـ38 مقعدا برلمانيا، والذي يحتل المرتبة الثانية، يطالب بضرورة إشراكه في الحكومة، وهو يلقى الدعم من حركة النهضة التي تخشى تراجع حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب عن دعم حكومة الفخفاخ في اللحظات الأخيرة.
وتسعى عدة أحزاب ممثلة في البرلمان، وأهمها التيار الديمقراطي، إلى تأكيد تموقعها الجيد في المشهد السياسي من خلال تمسكها ببعض الحقائب الوزارية دون غيرها، ومن بينها العدل والإصلاح الإداري. ومع التوافق الملحوظ حول التوجهات العامة للحكومة المقبلة، فإن عدة أطراف سياسية، وعلى رأسها حركة النهضة، أعلنت عن استعدادها لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في حال فشلت حكومة الفخفاخ في نيل ثقة البرلمان، وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه الرئيس قيس سعيد خلال مقابلة تلفزيونية، حيث أوضح أن الحكومة المقبلة ليست حكومة الرئيس، بل حكومة الأغلبية في البرلمان، وفي حال فشلها في الحصول على أغلبية الأصوات (109 أصوات من إجمالي 217) فإنه سيجد نفسه مضطرا لتطبيق الدستور، الذي يمكنه من حل البرلمان، وهو حل سيكون ملزما للجميع.
وبشأن تكليف الفخفاخ دون غيره من المرشحين لرئاسة الحكومة، قال سعيد إن أسباب اختياره واعتباره الأقرب للشخصية الأقدر تعود إلى مناقشته ملفات اقتصادية واجتماعية مع الفخفاخ قبل تكليفه.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.