مصري يحوّل لوحات المستشرقين إلى مجسمات فنية

الحياة اليومية والعمارة الإسلامية حاضرة بتفاصيلها

المهندس المصري محمد عبد الباري بجوار نماذجه المصغرة
المهندس المصري محمد عبد الباري بجوار نماذجه المصغرة
TT

مصري يحوّل لوحات المستشرقين إلى مجسمات فنية

المهندس المصري محمد عبد الباري بجوار نماذجه المصغرة
المهندس المصري محمد عبد الباري بجوار نماذجه المصغرة

تعد لوحات الرسامين المستشرقين بمثابة نافذة يُطل منها المتأمل لها على جوانب الحياة اليومية وطبيعة العادات والتفاصيل المعمارية في العالمين العربي والإسلامي في القرن التاسع عشر. ولا يزال تأثير هذه اللوحات مستمراً، حيث تلهم الفنانين المعاصرين لتقليدها أو استلهام موضوعاتها في أعمال أخرى. ومنها استلهم المصري محمد عبد الباري تصميم نماذجه المصغرة، حيث يعمل على تحويل لقطات من لوحات المستشرقين إلى هيئة مجسمات (ماكيتات)، يصنعها بأدق التفاصيل، وبتطويع الكثير من الخامات؛ ما يجعلها مجسمات غير تقليدية مقارنة بغيرها من الأعمال التي تبدعها أنامل أصحاب هواية تصميم النماذج المصغرة؛ لكونها مستمدة من التراث والتاريخ والآثار. يهوى عبد الباري الثلاثيني الأعمال اليدوية والرسم والنحت منذ وقت طويل، واحترف العمل بمجال المجسمات المعمارية في فترة الدراسة، ثم مع تخصصه وتدريسه مادة الماكيتات المعمارية لطلاب الهندسة، ومنذ سنوات عدة يعمل بهذا المجال، الذي يمارسه بصفته فناً وليس مجرد منتج تجاري.
يقول عبد الباري: «تاريخ العمارة هو جزء أساسي في دراسة الهندسة المعمارية؛ فالعمارة هي أم الفنون، وكما يترك التاريخ لنا أحداثاً تُحكى يترك لنا أيضاً معماراً يخلّد، ومن هنا تلاقى اهتمامي بالعمارة بحكم دراستي من جانب، مع حبي للتفاصيل والرسم والنحت من جانب آخر، لأترجم ذلك في صنع الكثير من المجسمات للمباني الأثرية في مصر، سواء إسلامية مثل مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعي وغيرهما من مساجد القاهرة، وكذلك بعض النماذج التي تجسد طرز العمارة الفرعونية والقوطية والرومانية».
ويتابع: «ثم جاء التطور في أشكال النماذج والمجسمات التاريخية التي أقوم بتصنيعها عندما خطرت لدي فكرة جديدة، وهي فكرة تحويل لوحة معروفة إلى مجسم، ووجدت ما أريد في لوحات الرسامين المستشرقين، فهذه اللوحات التي رسمت في القرن التاسع عشر جذبني إليها التفاصيل الفنية للرسومات مع تعدد موضوعاتها، لكن انصبّ تركيزي الأكبر على العناصر المعمارية وشكلها في تلك الفترة، خاصة تلك التي تتواجد في لوحات المستشرق النمساوي لودفيغ دويتش، الذي عاش في مصر خلال هذه الفترة، حيث تتسم لوحاته بحصر المشهد في مساحة صغيرة، لكن بتفاصيل كثيرة».
ويوضح أن تنفيذ المجسمات التاريخية أصعب من تنفيذ المجسمات المعمارية، خاصة فيما يتعلق بعنصر الزمن، ففي مجسمات المشروعات الحديثة تكون كل الألوان زاهية وجديدة، أما في المجسمات التاريخية فيتم إظهار تأثير الزمن عليها وهو الأصعب.
يعتمد عبد الباري على الكثير من الخامات التي يقوم بتطويعها لتنفيذ مجسماته التاريخية، يقول: «الخامة الأساسية التي اعتمد عليها هي البلاستيك، ويأتي بعدها الخشب والصلصال والقماش، واختيار البلاستيك تحديداً لأنه عنصر أساسي في تصنيع المجسمات بشكل عام، واعتدنا على استخدامه وتطويعه للوصول للشكل المطلوب».
قبل أسابيع قليلة شارك عبد الباري في الدورة الثالثة من «معرض فنون النماذج المصغرة»، الذي نظمه «النادي المصري لفناني الماكيتات والنماذج المصغرة» بمشاركة 40 عارضاً وفناناً، وهي الخطوة التي يراها تجربة مهمة في الترويج لأعماله، حيث لفتت أعماله غير التقليدية نظر الزائرين للمعرض، الذين أثنوا على فكرة المجسمات التاريخية، ولا سيما مجسم لمشهد لوحة «بائعة البرتقال»، للفنان لودفيغ دويتش التي رسمت في القاهرة عام 1881. ويؤكد صاحب المُجسمات، أن الإشادة بأعماله تعد دافعاً له للاستمرار في تجسيد المزيد من اللوحات لرسامين مختلفين، لافتاً إلى أن المعرض حفزه أيضاً في أعماله القادمة لزيارة الموقع التي رسمت منه اللوحة على أرض الواقع، مثل منطقة «(عَطفة الحمام» بالغورية التي رسم لودفيغ منها لوحة «بائعة البرتقال»؛ وذلك ليصل إلى أعلى مستوى من التفاصيل في أعماله، وألا تقتصر فقط على اللوحات. وبحكم خبراته؛ يرى عبد الباري أن فن المجسمات على وجه الخصوص غير منتشر بصورة كبيرة في مصر والوطن العربي، فالاهتمام الأكبر ينصب على المشروعات المعمارية الحديثة وذلك لزيادة الطلب عليها، لافتاً إلى أنه يقوم بتطوير أعماله من خلال تنفيذ وتصميم أشكال مختلفة، مؤكداً أنه لم يصنع ما يطمح فيه بعد في مجال المجسمات التاريخية.



حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
TT

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

سادت حالة من الحزن في الوسطين الفني والرسمي المصري، إثر الإعلان عن وفاة الفنان نبيل الحلفاوي، ظهر الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

وكان الحلفاوي قد نُقل إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات، الثلاثاء الماضي، إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة، وهو ما أشعل حالة من الدّعم والتضامن معه، عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

ونعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الفنان الراحل، وقال في بيان: «كان الفقيد قامة فنية شامخة؛ إذ قدّم عبر سنوات إبداعه الطويلة أعمالاً فنية جادة، وساهم في تجسيد بطولات وطنية عظيمة، وتخليد شخوص مصرية حقيقية خالصة، وتظلّ أعماله ماثلة في وجدان المُشاهد المصري والعربي».

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

وعبّر عددٌ من الفنانين والمشاهير عن صدمتهم من رحيل الحلفاوي. منهم الفنانة بشرى: «سنفتقدك جداً أيها المحترم المثقف الأستاذ»، مضيفة في منشور عبر «إنستغرام»: «هتوحشنا مواقفك اللي هتفضل محفورة في الذاكرة والتاريخ، الوداع لرجل نادرٍ في هذا الزمان».

وكتبت الفنانة حنان مطاوع: «رحل واحدٌ من أحب وأغلى الناس على قلبي، ربنا يرحمه ويصبّر قلب خالد ووليد وكل محبيه»، مرفقة التعليق بصورة تجمعها به عبر صفحتها على «إنستغرام».

الراحل مع أحفاده (حسابه على «إكس»)

وعدّ الناقد الفني طارق الشناوي الفنان الراحل بأنه «استعاد حضوره المكثف لدى الأجيال الجديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد أن يتصدّر الترند في الكرة والسياسة والفن»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحلفاوي رغم موهبته اللافتة المدهشة وتربيته الفنية الرّاسخة من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يُحقّق نجوميةَ الصف الأول أو البطل المطلق».

وعبر منصة «إكس»، علّق الإعلامي اللبناني نيشان قائلاً: «وداعاً للقدير نبيل الحلفاوي. أثرى الشاشة برقِي ودمَغ في قلوبنا. فقدنا قامة فنية مصرية عربية عظيمة».

ووصف الناقد الفني محمد عبد الرحمن الفنان الراحل بأنه «صاحب بصمة خاصة، عنوانها (السهل الممتنع) عبر أدوار أيقونية عدّة، خصوصاً على مستوى المسلسلات التلفزيونية التي برع في كثير منها»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السينما خسرت الحلفاوي ولم تستفِد من موهبته الفذّة إلا في أعمال قليلة، أبرزها فيلم (الطريق إلى إيلات)».

حنان مطاوع مع الحلفاوي (حسابها على «إنستغرام»)

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب الشعبي عام 1947، وفور تخرجه في كلية التجارة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1970، ومن ثَمّ اتجه لاحقاً إلى التلفزيون، وقدّم أول أعماله من خلال المسلسل الديني الشهير «لا إله إلا الله» عام 1980.

ومن أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد» التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة والجدية المخيفة، بجانب مسلسل «غوايش» و«الزيني بركات» 1995، و«زيزينيا» 1997، و«دهشة» 2014، و«ونوس» 2016.

مع الراحل سعد أردش (حسابه على «إكس»)

وتُعدّ تجربته في فيلم «الطريق إلى إيلات» إنتاج 1994 الأشهر في مسيرته السينمائية، التي جسّد فيها دور قبطانٍ بحريّ في الجيش المصري «العقيد محمود» إبان «حرب الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل.

وبسبب شهرة هذا الدور، أطلق عليه كثيرون لقب «قبطان تويتر» نظراً لنشاطه المكثف عبر موقع «إكس»، الذي عوّض غيابه عن الأضواء في السنوات الأخيرة، وتميّز فيه بدفاعه المستميت عن النادي الأهلي المصري، حتى إن البعض أطلق عليه «كبير مشجعي الأهلاوية».

نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

ووفق الناقد محمود عبد الشكور، فإن «مسيرة الحلفاوي اتّسمت بالجمع بين الموهبة والثقافة، مع دقة الاختيارات، وعدم اللهاث وراءَ أي دور لمجرد وجوده، وهو ما جعله يتميّز في الأدوار الوطنية وأدوار الشّر على حد سواء»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لم يَنل ما يستحق على مستوى التكريم الرسمي، لكن رصيده من المحبة في قلوب الملايين من جميع الأجيال ومن المحيط إلى الخليج هو التعويض الأجمل عن التكريم الرسمي»، وفق تعبيره.