سنوات السينما

إليوت غولد في «الوداع الطويل»
إليوت غولد في «الوداع الطويل»
TT

سنوات السينما

إليوت غولد في «الوداع الطويل»
إليوت غولد في «الوداع الطويل»

‪The Long Goodbye‬ ‪(‬1973‪)‬
(ممتاز)
مع فيليب مارلو مرة ثانية
‫الحديث عن رواية رايموند تشاندلر «وداعاً يا حبي» (Farewll My Lovely) قبل أسابيع قليلة يفتح شهية الحديث عن رواية أخرى له تم تحويلها إلى فيلم أميركي آخر هو «الوداع الطويل». ‬
عوض روبرت ميتشوم في دور التحري فيليب مارلو، جاء المخرج روبرت ألتمان بالممثل إليوت غولد للمهمة، مدركاً أن غولد لن يقدّم الشخصية على نحو تقليدي. روبرت ألتمان كان يكره التقليد ويحب إثارة الشغب في كل ما يحاول طرحه من مواضيع. لم يرصد النماذج البطولية في أفلامه ليقدّمها على هذا النحو بل لينال منها. كل ذلك ضمن رؤية نقدية داكنة كحال فيلمه «ماش» عن أطباء المؤسسة العسكرية و«ماكاب ومسز ميلر» عن بدايات النشأة الرأسمالية لأميركا: «اللاعب» حول المؤسسة السينمائية الهوليوودية و«جاهز للبس» عن صناعة الأزياء وما يدور خلف كواليسها. ولديه كذلك «بافالو بِل والهنود» المناوئة للصورة الكلاسيكية للبطل في الغرب الأميركي.
لا يخرج «الوداع الطويل» عن هذا المنهج. معالجة المخرج للتحري الخاص لا تشبه معالجة أي فيلم آخر من النوع ذاته. لقد شحن بطله بنظرة فردية معادية للمألوف. مارلو هنا شره التدخين، مثقل العينين، يدمدم لنفسه، ساخر في ردود أفعاله وساذج في أفكاره إلى حد أنه لن يستوعب ما يحدث معه إلا من بعد أن يجد نفسه متورطاً. بكلمات مختصرة: هو سمكة خارج مياهها.
القصّة التي وضعها تشاندلر متشابكة: تبدأ بمارلو يساعد رجلاً لا يعرفه على الهرب ليكتشف لاحقاً أن الرجل ترك وراءه زوجة مقتولة. البوليس يتّهم مارلو بالتعاون مع الهارب (جيم باوتون). ما ينقذ مارلو عثور البوليس على جثّة لينكوس مقتولاً. كل هذا من دون أن ندري أن لهذا الخيط علاقة بخيط ثان يبدأ بالتبلور حين يستلم تشاندلر قضية اختفاء كاتب تنتظر دار النشر مخطوطته. يبحث مارلو عن الكاتب (سترلينغ هايدن) ويجده على شفير الانتحار. هذا مدخل الروائي تشاندلر لدفع بطله صوب قضية تدور في دوّامة من الفساد الاجتماعي تقع خلالها عدّة جرائم قتل ويواجه خلالها أحداثاً مختلفة. في النهاية لا نرى مارلو واثقا من أنه وصل بالفعل إلى نهاية الخيط. واللقطة الأخيرة من الفيلم تعبّر عن هذا اللاوصول: مارلو- غولد يمشي بلا نهاية كما لو أن كل ما مرّ به لم يبدأ بعد.
ألتمان ليس محتاراً أو تائهاً وسط النقلات والحذف والتغييرات. إنه متمكّن، كعادته، من معالجته. لا يفوته استخدام العناصر الشخصية بين الرجل وزوجته ليربطها بالعالم الذي يعيشان فيه. فالكاتب روجر يقول لمارلو إنه يعاني من فقدان القدرة على الكتابة ويربطها بفقدان القدرة على ممارسة الحب. في الحالتين، لدى الكاتب، عجز يجعله غارقا في الشرب لكي ينسى. بالنسبة إلى ألتمان هذا عجز مزدوج للحياة الاجتماعية للمدينة التي فقدت الإبداع وفقدت الحب معاً.
في أحد مشاهد الفيلم يقول مارلو لروجر مؤنباً: «لقد فهمت قصدك تماماً. أنت لا تحب الاتجاه الذي يمشي فيه العالم ما يجعلك تستخدم السُلطة التي لديك للانعزال في زاوية خاصة تعيش فيها قرب الطريقة التي تتذكر أن الناس عاشوا عليها قبل خمسين سنة. لديك مائة مليون دولار وكل ما جلبته لك هو ألم في العنق».
‫كتب تشاندلر في روايته: «في تلك الشوارع المنحطة هناك رجل واحد ليس منحطاً. ليس ملطّخاً وليس جباناً». كان تشاندلر بذلك يصف حالة بطله لكن بالنسبة لألتمان هذا ليس صحيحاً وعليه يقدم على رسم صورة داكنة لمارلو ولمحيطه تختلف عن الصورة الداكنة التي في كتابات تشاندلر لكنها تلتقي معها في الهدف. لهذه الغاية لم يشأ تقديم صورة نوستالجية لرواية التحري الخاص في الأربعينات الهادرة، بل نقله إلى الزمن المعاصر للفيلم ليفحص الحياة الحاضرة عن كثب.‬



شاشة الناقد: الذكاء الاصطناعي

«ذكاء إصطناعي» (وورنر)
«ذكاء إصطناعي» (وورنر)
TT

شاشة الناقد: الذكاء الاصطناعي

«ذكاء إصطناعي» (وورنر)
«ذكاء إصطناعي» (وورنر)

A.I. ARTIFICIAL INTELLIGENCE ★★★⭐︎

* إخراج: ستيفن سبيلبرغ

* الولايات المتحدة | 2001 | استعادة

انتُخب قبل أيام «ذكاء اصطناعي» بوصفه أحد أفضل 100 فيلم في التاريخ، وذلك على موقع (Indiwire) المعروف. سبق له أن ورد في قائمة مجلة «Sight and Sound» قبل 4 سنوات، وهي بدورها من أهم وأشهر من بقي من مجلات السينما الورقية في العالم.

في عام 2001 ذُهل النقاد بهذا الفيلم المصنّف، بلا تردّد، بالخيال العلمي. كانت إحدى المرات الأولى التي يسمع معظم الناس بها كلمة «ذكاء اصطناعي» والمخرج سبيلبرغ أحسن اختيار العنوان والفيلم بوصفه مشروعاً ورثه عن ستانلي كوبريك (The Shining وEyes Wide Shut) الذي - من بعد سنوات عديدة من العمل عليه اقترحه على سبيلبرغ ومدّه بالتصاميم التي وضعها والمعالجات التي كتبها.

كان طبيعياً أن يصبّ المشروع المقتبس عن رواية «Supertoys Last All Summer Long» القصيرة وضعها برايان ألديس سنة 1969 في بحيرة كوبريك، وما اشتغل عليه في فيلمه الشهير «2001: أويسا الفضاء» (1968) حول خطر التكنولوجيا متمثلاً بالكمبيوتر المتقدم على الإنسان وقدراته الذهنية. وضع السيناريو والتصاميم الفنية ورسم كل شيء تمهيداً لتحقيقه لولا انشغاله في الوقت نفسه بما أصبح لاحقاً فيلمه الأخير «عينان مغلقتان واسعاً» (1999). الذي يتعامل فيه حول الرجل (توم كروز) الباحث عن هويّته بين الخيال والواقع.

إذ أقدم سبيلبرغ على تحقيق الفيلم بنى السيناريو الذي كتبه بنفسه على حكاية الولد المصنوع في المختبرات ديڤيد (هايلي جووَل أوزموند، مُذهل)، في إيجاز شديد لفيلم يتجاوز الساعتين. هو روبوت فريد من نوعه صُنع ليحب. يُباع لعائلة تفتقد ابنها الطبيعي مارتن الذي يرقد في المستشفى. تتبناه ويتعلّق ديڤيد بحب أمّه بالتبني، لكن خروج مارتن من المستشفى يدفع العائلة للتخلي عن ديڤيد وتركه وحيداً في عالم موحش يهرب منه إلى أعماق البحر بحثاً عن الجنية الزرقاء التي ستحوّله إلى إنسان حقيقي ليعود إلى «أمّه» آدمياً. بعد ألفي سنة تكتشفه مخلوقات فضائية هبطت الأرض وتحقق له حلمه.

سَعيُ ديڤيد للتحوّل إلى بشر حقيقي مستوحى من حكاية «بينوكيو» التي قرأتها له أمه (فرنسيس أوكونور). في نهاية رواية كارلو كولودي (1883) يتحوّل بينوكيو من ولد - خشب إلى بشر من لحم ودم، وهذا ما يبقى في بال ديڤيد وهو يسعى لتقليد مارتن في كل شيء استجداءً لحب أمّه. لكن هذه كانت وافقت على طلب زوجها بالتخلي عنه مكرهة، مدركة أن البيت لن يتَّسع لولدين وعليها اختيار ابنها الطبيعي وليس الصناعي.

تقود الأم سيارتها إلى غابة خطرة وتترك ديڤيد هناك رغم توسلاته. كلاهما يبكي لكنها ستُقدم على ما قرّرته تاركة ديڤيد لمصيره المجهول. تزداد رغبة الصبي في الارتقاء من آلي إلى حيّ ومن ثم تتحقق بعد ألفي سنة بقي خلالها هامداً لا يموت بفضل مساعدة تلك المخلوقات على الإتيان بشخص الأم المتوفاة.

عدا تأثير بينوكيو هناك كل ما يخطر على بال المُشاهد المزوّد ثقافياً من عقدة أوديب إلى موضوع الطفولة الباحثة عن مصيرها إلى موضوع البحار.

عقدة أوديب مقترحة في الـ45 دقيقة الأولى من خلال تعلّق ديڤيد بأمه. نُفورُ والده (بالتبني) منه تدريجياً، ثم شعور ديڤيد بالغيرة من مارتن الذي يُجيد فعل كل شيء على نحو أفضل.

أما موضوع الطفولة الباحثة فنجده مزروعاً (بعناية) في أفلام عدة لسبيلبرغ. هو في «هوك» (Hook) في 1991، و«إنديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة» (Indiana Jones and the Last Crosade) في 1989. كما في «إي تي، خارج الأرضي» (E.T. The Extr-Terrestrial في 1982). المثال الواضح كذلك نراه في «إمبراطورية الشمس» (Empire of the Sun) في 1987 الذي يبحث فيه فتى صغير عن والديه بعدما غزا الجيش الياباني الصين وانفصل عنهما.

البحار هي أيضاً من بين ما يتكرر في بعض أفلام سبيلبرغ محفوفة برموز الخطر والموت. في «ذكاء اصطناعي» يتجلّى ذلك بلجوء ديڤيد إلى البحر والبقاء في قاعه. يوعز المشهد بمشاهد أخرى وردت في «Jaws» سنة 1975 (الأطفال في خطر) والأهم في «دائماً» (Always) في 1989 من خلال مشهد سقوط طائرة في البحر وعدم قدرة قبطانها على الخروج منها. وهناك مشهد غرق سفينة في «أميستاد» (Amistad) تحمل عبيداً من أفريقيا (1997) ومقتلهم جميعاً.

كل هذا يرد في «ذكاء اصطناعي» من خلال حكاية تموج ما بين مؤثرات خاصّة رائدة (في ذلك الحين) وعواطف عاتية ومرتفعة تؤمّها مشاهد مطوّلة في بيت العائلة، ثم أخرى طويلة أيضاً عند نهاية الفيلم.

في حين تلعب المؤثرات كل ما هو مطلوب منها في فيلم من الخيال العلمي، مثل حال هذا الفيلم، لا تؤدي المشاهد العاطفية إلا أدواراً مرحلية. مشهد الفراق الصعب عندما تتخلّى الأم عن ديڤيد رغم توسلاته يصيب عاطفة المشاهدين بسبب توقيته كما بسبب تأييد المُشاهدين لديڤيد. لكن ما يلي من مغامرات في كنف ميدان لجماهير حاشدة يتم فيه التضحية بمن يُقبض عليهم من روبوتس وميكانيكيين آخرين لا علاقة فعلية له بما يقع، وسيبقى تحوّلاً مرحلياً من الحكاية الأم (ورموزها المذكورة آنفاً) إلى صنو المغامرات. يخدم ذلك الفصل تفعيل التشويق وحس المغامرة لكنه يودي بالمضمون العميق للحكاية إلى قاع.

مشاهدتي الأولى للفيلم (في يوليو/ حزيران، 2001 التي تبعها لقائي مع ستيفن سبيلبرغ) أذهلتني. الآن أشعر أن الفيلم كان رائداً وجيّدَ التنفيذ لكن «العاطفية» التي تشوب العديد من أعمال المخرج تدخلت طويلاً وأنتجت في النهاية مشاهد لا ضرورة لها.

* عروض: منصّة Apple‪+‬

«في ظلال بيروت» (ARTE)

في الصالات

* In the Shadow of Beirut ★★★ - فيلم تسجيلي حُقّق قبل عامين يرى النور حالياً ويدور حول أم لبنانية وابنتها تعيشان في مخيم صبرا. الفتاة مريضة والأم لا تستطيع معالجتها.

* Better Man (لم يُشاهد بعد) - سيرة حياة المغني البريطاني روبي ويليامز الذي قرّر الظهور كقرد على المسرح لأسباب نفسية وحقق نجاحاً.

* September 5 ★★ - عودة إلى أحداث أولمبياد ميونيخ 1972 إنما من زاوية تغطية الإعلام الأميركي لها. مضج ومتكلّف ويفتقر إلى موقف.

* Wolf Man ★ - فيلم رعب عن رجل يَرِث منزلاً يأوي إليه ثم تنتابه حالات مفزعة. يبدأ واعداً وينحدر بعد ذلك سريعاً.