هاني جمال... تشكيلي مصري يصنع تمثالاً نصفياً لفيروز

هاني جمال يضع اللمسات الأخيرة لمنحوتة فيروز
هاني جمال يضع اللمسات الأخيرة لمنحوتة فيروز
TT

هاني جمال... تشكيلي مصري يصنع تمثالاً نصفياً لفيروز

هاني جمال يضع اللمسات الأخيرة لمنحوتة فيروز
هاني جمال يضع اللمسات الأخيرة لمنحوتة فيروز

بعيداً عن الأخبار السياسية والاقتصادية انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان بمنحوتة لفيروز صنعها الفنان التشكيلي هاني جمال، الذي نشر على صفحته الخاصة عبر موقع «فيسبوك» صورة للمنحوتة أرفقها بتعليق «من مصر... سلام لفيروز... جارة القمر».
ويأتي هذا التمثال الجزئي لسفيرتنا إلى النجوم عربون الحب الذي يكنّه الفنان هاني لها، والتي تنتشر أغانيها عالمياً وتعدّ واحدة من رموز لبنان الوطنية. وتظهر فيروز في المنحوتة التي تمثل رأسها والجزء الأعلى من جسمها وقد زُين بتاج وتتدلى على جبينها خصلة من شعرها (الغرّة) المعروفة فيها.
«أردته أن يعبّر عن فيروز المطربة التي لن تتكرّر في عالمنا العربي والتي تربيت على صوتها وأغانيها كما أنّني جبلته بحفنات الحب التي أكنّها لها». يقول هاني جمال في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «فيروز بالنسبة لي ليست مجرد مطربة بل رمز وطني يستحق التكريم، وصوتها ينقلني مباشرة إلى لبنان الذي زرته مؤخراً. فأينما كنت عندما أشعر بالحنين إلى بلاد الأرز، يكفي أن أستمع لواحدة من أغانيها (جايبلي سلام) أو (سألوني الناس) لأعود وأتنشق عبير بيروت وسحرها».
هاني جمال المتخرج في معهد الفنون الجميلة في مصر، هو صاحب منحوتات عدة عبّر بها من الماضي إلى الزمن الحالي لمشاهير ونجوم أمثال محمد فوزي وأحمد زكي وصلاح جاهين والدكتور مجدي يعقوب والبطل الرياضي المصري محمد صلاح. يقول: «المنحوتة مصنوعة من الطين الأسواني الذي يرمز إلى بلادنا بامتياز والمعروف بليونته وسرعة التحامه، وهي المرحلة الأولى التي يتألف منها مشوار المنحوتة. وفي المرحلة المقبلة سأغطيها بمادة البرونز (خليط من النحاس والقصدير) لتأخذ منحى فنياً تشكيلياً يليق بالسيدة فيروز».
وعن كيفية تنفيذه هذه المنحوتة يقول جمال في سياق حديثه: «عشت حالة خاصة بالمنحوتة بعد أن اطّلعت على مئات الصور الفوتوغرافية لفيروز واستمعت إلى عدد من مسرحياتها المعروفة، وطيلة فترة تنفيذي للتّمثال كانت ترافقني أغانيها التي أعشقها. فكل ذلك يضعني في حالة أطلق عليها اسم (حالة فيروزية) فتغمرني من رأسي حتى أخمص قدميّ لتلامس روحي وتطلق العنان لأناملي كي تتحرك على إيقاعها، وتبث نبض فيروز فيها». ويبلغ حجم التمثال الجزئي الحجم الطبيعي لرأس الإنسان عادةً بمقاس يبلغ نحو 75 سنتيمتراً. وهو يصنعه آخذاً بعين الاعتبار كل النواحي التي يتألف منها من بروفايل و«وجه» وغيرها كي يبدو حقيقياً لمشاهده كيفما نظر إليه.
ويشير جمال إلى أنّه مزج في عيني منحوتة فيروز نظرات الحزن والتفاؤل والفرح وغيرها من المشاعر التي لاحظها على ملامحها في عدد من صورها. كما أنّه صوّر فمها بشفتين على وشك الغناء مفتوحتين إلى حد ضئيل، كي يشعر مشاهدها أنّها على أهبة الاستعداد للغناء. ويؤكد من ناحية ثانية أنّ أي تمثال يصنعه ينبع من محبة كبيرة يكنّها لصاحبه. «الهدف من إنجازي هذه التماثيل هو بحت فنّي، بعيد كل البعد عن الأهداف التجارية. ولكنّني في المقابل أصنع أخرى بناءً على طلبات خاصة تصل إليّ من أشخاص يرغبون في إهدائها إلى حبيب أو قريب فأنال أجري عنها»، يوضح جمال الفنان التشكيلي المصري الذي استغرقت هذه المنحوتة منه نحو شهر بأكمله. ولكن هل يفكر في إهداء فيروز هذا التمثال وهي المعروفة برفضها سابقاً أي عروض في هذا المجال؟ يرد: «إن ذروة سعادتي تكمن في طلب الشخصية الشهيرة مني الحصول على منحوتتها، فهو وسام أعلّقه على صدري. ولكنّي عادةً ما أحتفظ بالنّسخ الأصلية وأقدم للشّخص نسخة طبق الأصل عنها إذا ما رغب في ذلك، تماماً كما حصل مع بطل كرة القدم المصري العالمي محمد صلاح».
وعن الصعوبة الكبرى التي يواجهها خلال تنفيذه المنحوتة يقول جمال: إنّ «ما يهمني ليس الكاركتر أو الشبه ما بين الشّخصية الأصلية والمنحوتة، لا بل روح المنحوتة التي أبثّها فيها من خلال حالة أعيشها في أثناء عملية التنفيذ. فهي تطغى على العمل ليشعر ناظره أنّه حقيقي مائة في المائة، فيُخيّل إليه أنّه سينطق بين لحظة وأخرى كأنّه يحضر أمامه مباشرة».
والمعروف أنّ فيروز سبق ورفضت إقامة تماثيل لها في عدد من المتاحف في لبنان وبينها «متحف الشمع» في جبيل و«متحف باز» في بلدة دير القمر. وأكّد يومها صاحب «متحف باز»، أنّ فيروز كانت من بين الشّخصيات النادرة التي رفضت إقامة تمثال لها لأسباب لم توضحها. فهو يتضمن نحو ثمانين تمثالاً من الشمع لشخصيات تاريخية لبنانية، مثل: الأمير فخر الدين المعني، والشاعر الفرنسي لامارتين، إضافة إلى سياسيين لبنانيين راحلين أمثال كمال جنبلاط وكميل شمعون وعدد من الفنانين مثل ماجدة الرومي ورؤساء جمهورية كـإميل لحود والرّاحل إلياس الهراوي، ورئيس مجلس النّواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء الرّاحل رفيق الحريري وغيرهم. وتبلغ كلفة التمثال الواحد عشرين ألف دولار، ويتناوب على العمل فيه ولمدة تتجاوز خمسة أسابيع فريق عمل يعمل أيضاً في متحف الشمع الفرنسي.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».