منظمة حقوقية توثق 171 حالة اغتيال واختطاف خلال الاحتجاجات العراقية

غداة إدانة 16 دولة أوروبية وغربية استعمال العنف المفرط ضد المتظاهرين

اشتباكات بين المحتجين وقوات أمنية في بغداد أمس (أ.ب)
اشتباكات بين المحتجين وقوات أمنية في بغداد أمس (أ.ب)
TT

منظمة حقوقية توثق 171 حالة اغتيال واختطاف خلال الاحتجاجات العراقية

اشتباكات بين المحتجين وقوات أمنية في بغداد أمس (أ.ب)
اشتباكات بين المحتجين وقوات أمنية في بغداد أمس (أ.ب)

تبدو حكومة رئيس تصريف الأعمال المستقيل عادل عبد المهدي في واد، وجماعات الحراك والمنظمات الحقوقية المحلية والعالمية وحتى المجتمع الدولي، في واد آخر، من حيث الزاوية التي ينظر كل منهما إلى طريقة التعامل التي انتهجتها القوى الأمنية الخاضعة لقيادة عبد المهدي مع المحتجين والمتظاهرين وأعداد الضحايا من القتلى والمختطفين والمصابين التي وقعت بين صفوفهم. وبينما أصرّ عبد المهدي في حديثه الثلاثاء الماضي أمام مجلس وزرائه، على أن حكومته تتعامل مع المتظاهرين بطريقة «أبوية» وتلتزم قواعد الاشتباك معهم، سخرت جماعات الحراك من ذلك ووصفته بـ«الكذب والتضليل».
بيد أن سهام النقد والتشكيك الموجهة للحكومة ورئيسها، لا تقتصر على جماعات الحراك فحسب، وتتعداها لتشمل طيفاً واسعاً من المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية؛ نظراً لأرقام الضحايا المرتفعة بين صفوف المحتجين التي قدمتها المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والتي ناهزت 26 ألف حالة، تراوحت بين القتل والجرح والإعاقة والخطف والاغتيال. وفي آخر إحصائية عن أعداد من تعرضوا لعمليات اغتيال واختطاف واعتداء من المتظاهرين والصحافيين في غضون الأسابيع والأشهر الماضية، أعلنت مفوضية حقوق الإنسان المستقلة عن توثيق 171 حالة اختطاف واغتيال واعتداء على صحافيين، رافقت المظاهرات.
وقال عضو المفوضية الحقوقية فاضل الغراوي في بيان أصدره أمس إن «محاولات الاغتيال والاختطاف والتعدي على المتظاهرين تعد انتهاكاً صارخاً لحق الإنسان في الحياة والأمان وتقييداً لحرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي، وأن المفوضية وثقت 49 حالة ومحاولة اغتيال و72 محاولة اختطاف طالت متظاهرين وناشطين ومدونين منذ اليوم الأول للمظاهرات». وأضاف الغراوي أن «المفوضية من خلال فرقها الرصدية وثقت 50 حالة للتعدي على الصحافيين بالضرب والتهديد واستنشاق الغازات المسيلة للدموع ومهاجمة العديد من القنوات الفضائية وتكسير المعدات ومنع الإعلاميين من أخذ دورهم في تغطية المظاهرات».
وكانت وزارة الداخلية أغلقت أول من أمس مكتب قناة «دجلة» الفضائية الناشطة في تغطية الفعاليات الاحتجاجية، وفي اليوم نفسه، اغتال ملثمون أستاذ الإعلام في الجامعة المستنصرية محمد القريشي الداعم للاحتجاجات. ودعا الغراوي «الحكومة والقوات الأمنية إلى اتخاذ إجراءات فاعلة لحماية المتظاهرين والصحافيين والمحافظة على حياتهم وملاحقة الجهات المجهولة التي تحاول تكميم الأفواه وتقديمهم للعدالة وتعزيز ممارسة حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي لجميع الجهات بعيداً عن أي أخطار تهدد حياة المتظاهرين والناشطين والصحافيين».
وجاءت إحصاءات المفوضية الحقوقية الجديدة غداة قيام 16 دولة أوروبية وغربية، ضمنها بريطانيا والولايات المتحدة، بإدانة استمرار أعمال العنف في العراق ومطالبة الحكومة العراقية باحترام حق الاحتجاج والكشف عن المتورطين في قتل المتظاهرين. وأدان بيان مشترك، صدر أول من أمس، عن سفراء كل من كندا، وكرواتيا، والجمهورية التشيكية، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، وهنغاريا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وبولندا، ورومانيا، وإسبانيا، والسويد، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، «الاستخدام المفرط والمميت للقوة من قبل قوات الأمن العراقية والفصائل المسلحة ضد المتظاهرين السلميين منذ 24 من الشهر الحالي، بضمنهم متظاهرو بغداد والناصرية والبصرة».
وأضاف البيان أنه «رغم الضمانات التي قدمتها الحكومة، فإن قوات الأمن والفصائل المسلحة تواصل استخدام الذخيرة الحية في هذه المواقع، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المدنيين، في حين يتعرض بعض المحتجين إلى الترويع والاختطاف». ودعا سفراء الدول «الحكومة (العراقية) إلى احترام حريات التجمع والحق في الاحتجاج السلمي كما هو منصوص عليه في الدستور العراقي، والمتظاهرين إلى الحفاظ على الطبيعة السلمية للحركة الاحتجاجية». وأضاف البيان أن السفراء يدعون الحكومة إلى ضمان إجراء تحقيقات ومساءلة موثوقة فيما يتعلق بأكثر من 500 حالة وفاة وآلاف الجرحى من المحتجين منذ 1 أكتوبر (تشرين الأول).
وأثار مؤخراً التصاعد المستمر في أعداد الضحايا بين المتظاهرين والمعتصمين وعدم التحرك الحكومي الجاد لوقف ذلك، أحاديث كثيرة عن «النهاية غير السارة» التي تنتظر عبد المهدي وحكومته. وبات الحديث شائعا داخل الأوساط الاحتجاجية والحقوقية عن إمكانية تقديم السلطات الرسمية إلى محاكمة عادلة، فيما يتحدث حقوقيون وناشطون عن حملة واسعة لجمع الأدلة الثبوتية التي يمكن أن تدين السلطات العراقية أمام المحاكم الدولية.
وفي هذا الاتجاه يؤكد الناشط زيدون عماد أن «وفداً مؤلفاً من 16 ناشطاً التقى رئيس الجمهورية برهم صالح أول من أمس، وكانت من بين أبرز مطالب الوفد فتح تحقيق عاجل في جرائم الإبادة التي حصلت ضد المتظاهرين». وقال زيدون لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس صالح كان متفهماً جداً لمطالب المحتجين، وكانت أول ثمار هذا اللقاء تحديد الرئيس مهلة الأول من فبراير (شباط) المقبل موعداً أخيراً أمام الكتل السياسية لتقديم مرشحها لرئاسة الوزراء». وأكد أن «الرئيس تعهد أمامهم بتكليف مرشح مقبول من ساحات التظاهر وضمان عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف أممي. كذلك تعهد بعدم توقيعه على قانون الانتخابات إلا بعد تعديله، ويكون الانتخاب عن طريق النظام البايومتري».
ميدانياً، التحق متظاهرو مدينة النجف بنظرائهم في ساحة التحرير ببغداد، وقاموا أمس برفع علم منظمة الأمم المتحدة وطالبوها بدعم وحماية المحتجين، كما تمسكوا بمهلة الأربعة أيام التي منحوها للحكومة قبل يومين لتحقيق مطالب المحتجين. واستمرت المظاهرات في غالبية المناطق العراقية المنتفضة، حيث جدد معتصمو مدينة الناصرية استمرارهم في الاعتصامات والإضرابات لحين التغيير الشامل، وقاموا بوضع لافتات بهذا المعنى على سرادق الاعتصام الجديدة التي بنوها بالطابوق بعد إقدام جماعات مسلحة على حرق خيامهم أول من أمس.
وتعاون متظاهرون أمس مع بلدية الناصرية وقاموا بحملة تنظيف لتقاطع «البهو» الذي شهد صدامات مع قوات الشغب، ووقفات احتجاجية حاشدة خلال الأيام القليلة الماضية. وفي محافظة البصرة، قام محتجون أمس بغلق البوابة الرئيسية لمبنى الشركة العامة لموانئ العراق في منطقة المعقل وسط البصرة، احتجاجا على عدم توفير فرص عمل للعاطلين.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.