توافق في مفاوضات سد النهضة... وتكتم حول التفاصيل

الاجتماعات بين تفاؤل التوصل لاتفاق أو تمديدها ليوم ثالث

TT

توافق في مفاوضات سد النهضة... وتكتم حول التفاصيل

في ظل حالة من التكتم، تواصلت أمس لليوم الثاني الجولة الثالثة من مفاوضات سد النهضة بواشنطن، بين مصر وإثيوبيا والسودان، لكن مصادر أشارت إلى وجود توافق بشأن مختلف النقاط العالقة، انتظاراً للتوقيع المبدئي على الاتفاق.
وبعد أن استمرت المناقشات حتى وقت متأخر في اليوم الأول، بدأت مبكرة في اليوم الثاني، وألمحت مصادر إلى احتمال أن يكون هناك يوم ثالث من هذه المفاوضات، بعد أن كانت مصادر قد توقعت احتمال التوقيع على الاتفاق المبدئي في ختام مناقشات أمس.
واختتم اليوم الأول من المناقشات بوزارة الخزانة الأميركية، بحضور وزراء الخارجية والري من الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، بالإضافة إلى ممثلي البنك الدولي ووزارة الخزانة، وذلك بعد بحث عدد من نقاط الخلاف التي تناولتها اجتماعات سابقة. وفي هذا السياق، ذكرت مصادر مطلعة على صلة بالمفاوضات لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك توافقاً على معظم النقاط العالقة بشأن سد النهضة، باستثناء تفاصيل صغيرة.
ويدور الخلاف بين الدول الثلاث حول طريقة ملء السد، خصوصاً في فترات الجفاف والجفاف الممتد، وتأمل إثيوبيا في أن يجعلها مشروع سد النهضة، الذي تكلف 8.‏4 مليار دولار، والذي يتم بناؤه منذ عام 2011 على النيل الأزرق، أكبر مصدر للطاقة في أفريقيا. لكن مصر تخشى من أن هذا المشروع، والذي تم إنهاء 70 في المائة منه، والمقرر أن يتم تشغيله بالكامل بحلول عام 2022، سوف يؤثر على حصتها من مياه النيل، الذي تحصل مصر منه على 85 في المائة من مواردها المائية.
واستضافت الولايات المتحدة، التي ترعى هذه المفاوضات، حتى الآن ثلاث جولات، أولها كان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ثم في منتصف يناير (كانون الثاني) الحالي، وكانت هذه هي الجولة الثالثة، وقد حرص الرئيس الأميركي دونالد ترمب على لقاء الوزراء المشاركين في كل من الجولتين السابقتين.
وحسب مراقبين، فإن إدارة ترمب ترى أن التوصل إلى اتفاق في واشنطن حول هذه القضية سيصب في مكاسب إدارته على صعيد السياسة الخارجية؛ نظراً للعلاقات الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة بهذه الدول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وكذلك مع رغبة ترمب في ضم هذا المكسب ضمن إنجازاته، وهو يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية هذا العام، في ظل وجود تحقيق المساءلة ضده في مجلس الشيوخ.
أوضح سيليشي بيكلي أوولاتشو، وزير المياه الإثيوبي، في تغريدة له على «تويتر»، أن بلاده ومصر والسودان تصر جميعاً على مواصلة العمل بشأن سد النهضة، مشيراً إلى أنها تركز هذه المرة على مراجعة الصياغة القانونية، وصولاً للاتفاق حول عملية ملء السد وتشغيله، وهي الجهود التي بدأت في الخرطوم في الأسبوع الماضي، وتستند هذه المسودة إلى النتائج التي تم التفاوض فنياً بشأنها.
وأضاف الوزير الإثيوبي، أن العناصر الأساسية للنتائج الفنية تتضمن المبادئ ومراحل الملء، والحفاظ على كميات من المياه، وتشغيل الخزان والجفاف وكيفية إدارته، إضافة إلى تبادل البيانات وآليات تنسيقها، مشيراً إلى وجود فرق من المحامين والخبراء في العاصمة الأميركية لهذا الغرض.
من جانبها، لفتت وزارة الخارجية الإثيوبية في تغريدة على «تويتر» إلى أن الهدف من زيارة وزير الخارجية جيدو أنارجاتشو ووزير الري سيليشي بيكلي، والمشاركة في هذه الجولة من الاجتماعات، «هو التوصل إلى اتفاق شامل حول ملء وتشغيل سد النهضة، وهو الاتفاق الذي يضم كلاً من وزيري الخارجية والري من مصر والسودان».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.