كتب السيرة الذاتية والمترجمات الأكثر مبيعاً في معرض القاهرة

ناشرون يشيدون بالإقبال الجماهيري الذي تخطى حاجز المليون

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

كتب السيرة الذاتية والمترجمات الأكثر مبيعاً في معرض القاهرة

جانب من المعرض
جانب من المعرض

لا يزال معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يستمر حتى 4 فبراير (شباط) المقبل، يشكل الظاهرة الثقافية الأكبر والأهم على أجندة الفعاليات الثقافية بمصر. وقد اتخذت الدورة الجديدة (51)، «مصر أفريقيا... ثقافة التنوع» شعاراً لها، والسنغال ضيف شرف والمفكر الراحل جمال حمدان شخصية المعرض، الذي يحتفي بإعادة إصدار مؤلفاته وعلى رأسها موسوعته الشهيرة «شخصية مصر».
برز ثقل المعرض هذا العام بمزيد من دور النشر المشاركة، 900 ناشر من 38 دولة. أول ملاحظة خلال زيارة المعرض في أسبوعه الأول هو كثافة عدد الزوار عن العام الماضي مع سهولة ويسر التنقل بين صالات المعرض الأربع، وتنظيم أجنحة العرض فضلاً عن وجود صالة مخصصة للنشاط الثقافي والعروض الفنية والسينمائية.
يقول الناشر محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، عضو اللجنة العليا التنظيمية للمعرض، لـ«الشرق الأوسط»: «حرصنا هذا العام على تلافي السلبيات وزيادة المواصلات وتقليص مساحات الأجنحة لضمان مشاركة أكبر عدد من الناشرين. هذا العام يؤكد المعرض أنه يليق باسم مصر ومكانتها والأمر المبهج حقاً هو إقبال الأطفال والشباب على المعرض. وحرص اتحاد الناشرين، من جهة أخرى، على عقد ندوة عن الملكية الفكرية للتوعية بأهميتها وفضح أساليب المزورين وما يمثلونه من تهديد لصناعة النشر، كما بدأنا خطوات عملية لمواجهة القرصنة الإلكترونية بالتعاون مع «غوغل».
أما جناح السنغال ضيف الشرف فكان منصة عرض لأبرز الكتب الأدبية والشعرية باللغتين العربية والفرنسية، منها كتاب: «سفينة السعادة» تأليف عبد الرحمن الأندلسي، و«الجوهر النفيس في عقد نثر الأخضر والرئيس». كما حظي المعرض بزيارة وزير ثقافة السنغال مع وزيرة الثقافة المصرية والذي أكد على أهمية التبادل الثقافي بين الدولتين.
وعن حضور السنغال ضيف الشرف في الفعاليات، يقول د. شوكت المصري، المشرف على البرنامج الثقافي للمعرض: «لاحظنا اهتماماً بالغاً من الجمهور بحضور الندوات الخاصة بالسنغال وثقافتها ورموزها والتي تنوعت ما بين التاريخ والأدب والشعر، فضلاً عن مشاركة فرق سنغالية فنية، هذا الشغف من الجمهور المصري يقابله شغف سنغالي بالثقافة المصرية، حيث تحل مصر ضيف شرف على معرض السنغال الدولي للكتاب في الأشهر القليلة المقبلة.
الحضور الأفريقي بارز في فعاليات البرنامج الثقافي، ومن أبرز الندوات التي عقدت الندوة التي تحدثت فيها ناديلكا مانديلا حفيدة الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا عن كتابها الجديد «أنا نديلكا» وهو سيرة ذاتية عن قصة صمودها أمام مصاعب الحياة والتحديات التي تواجهها كامرأة. وقالت نديلكا لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت عبر كتابي أن أبث الأمل لقرائه بأن الحياة بكل ما فيها يجب أن تعاش بحلوها ومرها، فحياتي وحياة أي من المشاهير ليست سهلة، وأقدم فيه خلاصة ما تعلمته من جدي، وطبقت مبدأه في أن أتحدث عن الصعوبات التي واجهتني كي أتخطاها، كما أشير فيه إلى تجربتي في العمل التطوعي عبر مؤسستي الخيرية، والكتاب سوف يترجم قريباً إلى العربية».
وتحظى صالات العرض الضخمة في فضاء المعرض بزخم لا يخفت من صالة لأخرى حيث تلاشت العوائق بين الصالات وتنسيق الممرات بين الأجنحة أفضل من العام الماضي. وخلال جولتنا استوقفنا جناح «صوت القاهرة» المميز بما يحويه من كنوز سمع بصرية تحوي تراث الفن والغناء والتمثيل بل الصحافة أيضاً، إذ يحوي الجناح موسوعة بجميع أعداد مجلة الهلال منذ صدورها وحتى اليوم، أي عبر قرن ونصف من الزمان، فضلاً عن مجموعة أسطوانات مدمجة وأسطوانات خاصة بجهاز «بيك أب» لأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ووردة وغيرهم، والمصحف كاملاً بصوت كبار المقرئين بمصر.
بينما جاء جناح المملكة العربية السعودية هذا العام أصغر مساحة عن الأعوام السابقة لكنه لا يزال جاذباً لزوار المعرض من الشخصيات العامة والجمهور على السواء، فيما جاءت مشاركة وزارة الثقافة السعودية ممثلة في المجلة العربية بجناح أكبر هذا العام بأكثر من 600 عنوان تتنوع ما بين الكتب الأدبية والعلمية والطبية والموسوعات اللغوية، فضلاً عن الموسوعات العلمية المخصصة للطفل والناشئة ويشير عبد العزيز المهنا، المسؤول عن جناح المجلة العربية بالمعرض أن «أكثر الكتب رواجاً الموسوعات العلمية الموجهة للأطفال والشباب، والتي تقدم شرحاً مبسطاً للطاقة والفضاء والمجموعات الشمسية والأرض وعلم الجغرافيا والفيزياء بشكل مبسط ومسل عبر صور وشروح، كما تلقى مجموعة منشورات المجلة العربية مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية إقبالاً كثيفاً ومنها «الذكاء الخارق» لنيك بوستروم، و«الطاقة النووية» لتشارلز فيرغيسون و«أخلاقيات المعلومات» و«السايبورغ البشري» للمؤلف لوسيانو فلوريدي». ويضم الجناح أعداد «المجلة العربية» التي تصدرها وزارة الثقافة السعودية شهريا.
سور الأزبكية لقي إقبالاً كثيفاً في مشاركته الأولى بمقر المعرض الجديد، حيث تشارك 40 مكتبة تعرض كتباً ومجلات نادرة والتي يهتم بها الباحثون والطلاب حيث تتوفر لهم بأسعار زهيدة. وكان من اللافت حرص زوار المعرض على التقاط الصور التذكارية مع ضباط الجيش والشرطة بالزي العسكري في الأجنحة المخصصة لوزارة الدفاع المصرية ووزارة الداخلية حيث توزع الأجنحة مطبوعات تعرف بها والمجلات الثقافية الشهرية التي تصدر عنها منها: «مجلة النصر».
على صعيد الإصدارات، كان من اللافت هذا العام تحمس دور النشر لنشر كتب السير الذاتية والكتب التاريخية التي تفرض حضورها هذا العام في مواجهة الرواية العربية والمترجمة.
يقول الناشر محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب وصاحب الدار المصرية اللبنانية التي أصدرت هذا العام عدة مؤلفات للسير الذاتية: «السير الذاتية لا تروي قصصاً شخصية فقط، بل تعكس الظروف الاجتماعية والاقتصادية عبر تجربة حياة ثرية يمكن أن تفيد الأجيال الجديدة بنقل الخبرات لهم، وهو جنس أدبي يدمج بداخله عدة فنون كتابيه». ومن بينها: «(سيرة وميسرة) لصالح بن بكر الطيار، وإحسان عبد القدوس... معارك الحب والسياسة» وهو ما يؤكده المدير العام لدار الشروق أحمد بدير، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك إقبال على السير الذاتية والكتب المترجمة خاصة أن الترجمة في دور النشر المصرية بدأت تنتعش عقب تعويم الجنيه المصري وارتفاع أسعار المترجمات عن دور النشر السورية واللبنانية والعراقية فكان سعر الكتاب يتراوح ما بين 300 إلى 400 جنيه، فأعادت دور النشر المصرية ترجمة بعض الكلاسيكيات أو عبر شراكات ترخيص بالنشر فبات سعر الكتاب في حدود 150 جنيهاً، لكن يظل ارتفاع أسعار الكتب بوجه عام تحدياً كبيراً أمامنا وأمام القراء». ومن بين المترجمات عن دار الشروق «حول العالم في 80 يوماً» لجول فيرن بترجمة جديدة، و«الحياة على كرسي متحرك» لجاري كارب، وإعادة إصدار ترجمات «أنطون تشيكوف» لأبو بكر يوسف، الروايات والقصص القصيرة التي نفدت طبعتها الأولى، أما السير الذاتية: «فكتاب (أربعون) لأحمد الشقيري الذي يدمج السيرة الذاتية مع التنمية البشرية لا يزال متصدراً المبيعات، والسيرة الذاتية لجودة عبد الخالق «من الميدان إلى الديوان» و«مذكرات وزير من زمن الثورة»، كما «هناك إقبال من الشباب على كتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ في طبعاتها الجديدة ومن أكثرها مبيعاً (أولاد حارتنا) وتليها (بين القصرين)، و(الحرافيش)، فضلاً عن روايات أورهان باموق الصادرة حديثاً «الحياة الجديدة» ورواياته القديمة، ورواية «فردقان» ليوسف زيدان تليها روايته «عزازيل».
أما الناشر مصطفى الشيخ، مدير دار آفاق للنشر، فيذكر أن «هناك إقبالاً كثيفاً من الجمهور على المترجمات وقد قدمت الدار وجبة دسمة من 75 عنواناً جديداً من المترجمات الأدبية والعلمية والفكرية والفلسفية إلى جانب الرواية من لغات إنجليزية ويونانية وروسية، ومن أكثر الكتب إقبالاً «يوميات تولستوي»، و«رسائل هيمنغواي» التي تقع في 1500 صفحة لكنها حظيت بإقبال الشباب عليها، وكتاب «العقل والمادة».
هذا وتخطى زوار المعرض حاجز المليون زائر في سادس أيامه وفقاً لبيان وزارة الثقافة.



«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.