كتاب فرنسي جديد يتوقع نهاية اليابان كقوة اقتصادية وصناعية عالمية

كتاب فرنسي جديد يتوقع نهاية اليابان كقوة اقتصادية وصناعية عالمية
TT

كتاب فرنسي جديد يتوقع نهاية اليابان كقوة اقتصادية وصناعية عالمية

كتاب فرنسي جديد يتوقع نهاية اليابان كقوة اقتصادية وصناعية عالمية

تطرح الكاتبة الفرنسية «فاليري نيكيه» عبر كتابها «في مائة سؤال: هل النموذج الياباني إلى زوال؟» - دار النشر الفرنسية «تالندييه» في 237 صفحة من القطع المتوسط - أسئلة عديدة حول موجات التحول المتسارعة من التغيرات والتقلبات التي طالت عالمنا خاصة على المستويات الاقتصادية، وتتخذ الكاتبة من الحالة اليابانية نموذجاً دالاً على ذلك، مستعينة بخبرتها كأستاذة للشؤون الاستراتيجية الآسيوية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، كما كانت تُقسم حياتها بين باريس وطوكيو الأمر الذي يُمكنها من نقل تجربة حقيقية لقرائها عبر صفحات كتابها، ويجعل منه قيمة مضافة في أدبيات مصادر المعلومات حول اليابان.
وترى الكاتبة أن اليابان بعد أن ظلت لعقود طويلة تمثل حالة استثنائية فريدة كقوة صناعية وتكنولوجية ومن ثم صناعية كبرى، أصابتها حالة من الجمود، مما أفسح المجال لظهور الصين كقوة اقتصادية فاعلة في قلب الساحة الدولية بعدما كانت اليابان تهيمن عليها اقتصادياً وتكنولوجياً حتى نهاية القرن العشرين، لافتاً إلى أن النموذج الصيني استفاد مما تجابهه اليابان من تحديات عديدة اليوم بين ركود في معدل النمو وحالة الشيخوخة التي ضربت سكانها على خلفية التراجع الحاد في أعداد المواليد لديها، هذا بالإضافة إلى ظروف المرأة اليابانية الصعبة، الأمر الذي يضع اليابان في موقف صعب للغاية في قلب الساحة الدولية، وهو ما يمثل جوهر الكتاب.
تستهل المؤلفة كتابها بالتأكيد على أن اليابان كانت تمثل نموذجاً استثنائياً للصمود والفاعلية خارج جميع القواعد والقوانين الموروثة والمتعارف عليها، فرغم تعرضها للقصف النووي عام 1945 وتعرضها شبه الدائم لحركات الزلازل والبراكين والكوارث الطبيعية، فإنها أصبحت مهد الابتكارات الدائمة والمستمرة واحتلت مكانة هامة مالياً، بالإضافة إلى أنها تعد أكثر دول آسيا من حيث تبنيها للقيم الليبرالية والديمقراطية، وكذلك التزامها بسياسة دفاعية صارمة.
إلا أنها تجابه تحديات عديدة اليوم منها على سبيل المثال ما تشهده من تراجع حاد في أعداد سكانها ليصل إلى الثلث بحلول عام 2060 أي أن سكان اليابان الذين يقدر عددهم بـ128 مليون نسمة في 2010 سيتراجع إلى 100 مليون فقط عام.2048 ومن المقدر أن يتراجع هذا العدد مرة أخرى بحلول عام 2060 إلى 87 مليون فقط، الأمر الذي سيكون له نتائج وخيمة على الاقتصاد الياباني، كما يؤثر ذلك سلبياً على معدل النمو هناك، مما يؤثر سلباً على صافي الناتج المحلي على المدى الطويل، لأن تراجع أعداد السكان يعني تراجع الأيدي العاملة القادرة على الإنتاج مع تراجع الاستهلاك وتراجع صافي الناتج المحلي، وهذا يبعث برسالة سلبية للشركات اليابانية، ومن ثم تتراجع لديها دوافع ضخ استثمارات إضافية.
ويرصد الكتاب بعداً آخر للأزمة يكمن في تغير تركيبة الهرم السكاني الياباني بزيادة أعداد من هم في عمر الشيخوخة، إذ من المتوقع أن تصل نسبة من هم فوق الـ65 عاماً إلى 40 في المائة من إجمالي السكان بحلول عام 2060؛ الأمر الذي سيترتب عليه المزيد من الضغوط ونفقات الحماية الاجتماعية والتقاعد والصحة، وهو ما يضع الحكومة في وضع مُعقد للغاية لما سيترتب عليه من زيادة كبيرة في النفقات العامة، مع تراجع معدل النمو، وعوائد الضرائب على خلفية تراجع أعداد السكان في سن العمل، الأمر الذي سيؤدي لزيادة نفقات الشباب، بسبب زيادة معدل الضرائب مع تراجع مدخراتهم الخاصة نتيجة هذه الزيادة.
وتوضح المؤلفة أنه رغم تجاوز حجم دين اليابان 12 ألف مليار دولار بما يمثل أكثر من ضعف الناتج المحلي، فإنها ما زالت مستمرة في سياسة الإقراض عند حد 1 في المائة، بالإضافة إلى ذلك، فإن تراجع الادخار يمكن أن يعرض اليابان، نظرياً، لضغوط الأسواق المالية الدولية، وسيؤدي ذلك إلى تعديل النسبة التي تقرضها. وعلى المدى الطويل، فإن الحكومة في سبيلها لاتخاذ سلسلة من الإجراءات لتعويض الدين والسيطرة عليه من خلال رفع الضرائب، ومنها على سبيل المثال مضاعفة قيمة الضريبة المضافة، وهو ما نفذته بالفعل الحكومة اليابانية عام 2015.
وترى المؤلفة أن الحكومة اليابانية أضحت تدرك جيداً طبيعة وحقيقة الأزمة التي تشهدها البلاد، والتي قد تضع نهاية اليابان كقوة دولية، وربما يصل الأمر إلى تهديد وضعها كقوة إقليمية، ولذلك فقد سارعت نحو اتخاذ سلسلة من التدابير الهامة خاصة فيما يتعلق بالتطور التقني والتكنولوجي، لا سيما فيما يتعلق بزيادة معدل إنتاج الفرد لتعويض تراجع الأيدي العاملة على خلفية تراجع أعداد السكان في سن العمل. وبالتوازي، فقد سعت الحكومة كذلك نحو تنفيذ سياسات من شأنها أن تساعد على زيادة المواليد والهجرة الأجنبية المختارة مع رفع سن التقاعد عند 67.3 عام للمرأة و69.7 عام للرجل.
وفي سياق متصل، تؤكد فاليري نيكيه أن الحكومة اتخذت تدابير تنفيذية عديدة بشأن زيادة حجم الإعانات الموجهة للشباب الذين يعولون أطفالاً، هذا إضافة إلى زيادة المخصصات المعنية بمضاعفة أعداد الحضانات، والسماح للأمهات العائلات للأطفال بالاستمرار على رأس العمل حال أردن ذلك مع تحسين ظروف المرأة اليابانية بشكل عام، لا سيما أن 70 في المائة من السيدات اليابانيات يتركن أعمالهن عند الحمل أو الولادة رغم كونهن في سن العمل، لكن هذه التدابير الحكومية، حسب الكاتبة، غير كافية حتى الآن.



سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»