أسواق دمشق «بلا حسيب ولا رقيب»... وشكوى من «ارتفاع الأسعار»

بخلاف ما يأمله السوريون في مناطق سيطرة الحكومة، لم ينسحب التحسن البسيط الذي حصل على سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، على أسعار المواد الغذائية والأساسية، التي بقيت على حالها مجارية لسعر التراجع غير مسبوق في تاريخ البلاد الذي وصل قبل نحو أسبوعين.
وإذ كان عدد من الزبائن ينتظرون وصول دورهم أمام محل لبيع «الشاورما» في أحد الطرق الرئيسية في دمشق، استشاط رجل كان بينهم غضباً على صاحب المحل بعد أن أبلغه الأخير، بأن عليه أن يدفع ثمن الكيلو 6 آلاف ليرة.
الرجل الذي بدا أنه في العقد الخامس من العمر، وبصوت مرتفع وكلمات متقطعة قال موجهاً كلامه لصاحب المحل: «عندما يرتفع الدولار ترفعون الأسعار فوراً، وعندما ينزل لا تنزلون الأسعار».
الغضب لم يقتصر على الرجل العجوز فقط، وإنما تضامن معه معظم الزبائن الواقفين معه أمام المحل، ووجهوا عبارات تحمل اتهامات لصاحب المحل باستغلال الوضع القائم وجنى أرباح فاحشة من «الناس الفقيرة»، وقال أحدهم: «لا رقيب ولا حسيب... ولا يوجد ضمير للأسف».
وشهد سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار في الأيام القليلة الماضية تحسنا بسيطا ووصل إلى نحو 1050، بعدما لامس سقف 1300 ليرة منتصف يناير (كانون الثاني) الجاري وهو تراجع غير مسبوق في تاريخ البلاد في سعر صرف الليرة أمام الدولار، وذلك بعد أن حافظ على سعر ما بين 600 و650 لفترة تقارب الـ6 أشهر قبل التدهور الأخير، علما بأنه كان ما بين 45 و50 قبل اندلاع الحرب في البلاد التي ستدخل عامها العاشر منتصف مارس (آذار) المقبل.
التدهور في سعر صرف الليرة على مدار سنوات الحرب كان في كل مرة يترافق مع موجة ارتفاع جديدة في أسعار معظم المواد الأساسية، لتزداد الأسعار أكثر من 22 ضعفاً، أي بنسبة بلغت 2400 في المائة، في ظل مراوحة في المكان لمتوسط رواتب وأجور العاملين في القطاع العام بين 20 ألف ليرة (نحو 20 دولاراً) و40 ألف ليرة (نحو 40 دولاراً) شهرياً، وفي القطاع الخاص بين 100 ألف ليرة (نحو 100 دولار) و150 ألف ليرة (نحو 130 دولاراً) شهرياً، في حين يحتاج الفرد إلى أكثر من 100 ألف ليرة للعيش بالحد الأدنى، بينما تؤكد دراسات وتقارير أن أكثر من 93 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
وتجاوزت نسبة ارتفاع الأسعار في ظل التدهور الأخير لسعر الصرف أكثر من 100 في المائة؛ إذ يصل سعر كيلو السكر حالياً إلى 700 ليرة بعد أن كان بنحو 250 عندما كان سعر الصرف 683 في سبتمبر (أيلول) الماضي، بينما قفز سعر كيلو الفروج المذبوح من 800 ليرة إلى 2000، وكيلو لحم الخروف إلى أكثر من 12 ألف ليرة بعد أن كان ما يقارب 7 آلاف، بينما وصل كيلو «الشاورما» إلى 6 آلاف بعد أن كان نحو 4 آلاف.
سوسن أم للثلاثة أطفال وتعمل مدرسة وتساعد مع زوجها في تأمين معيشة العائلة، توضح لـ«الشرق الأوسط»، أن الناس ترقبت بفارغ الصبر تحسن سعر صرف الليرة على أمل أن تنخفض الأسعار نوعاً ما، لكنها لم تلمس أي تراجع في الأسعار رغم تحسن الليرة، وتقول: «غالبية أصحاب المحلات لا تلتزم بما تصدره حكومتنا (العظمية) من قرارات (إعلامية) تنص على عدم رفع الأسعار والإعلان عنها بصورة واضحة!».
وتشير سوسن إلى عدم فعالية الرقابة الحكومية على الأسواق وعجزها عن ضبط الأسعار بسبب الفساد المستشري فيها، وتقول: «معظم الباعة عندما تجادلهم بالأسعار وتواجههم بمخالفتهم لبالونات (قرارات) الحكومة يرد باستهزاء!».
لكن أحمد وهو موظف في إحدى الشركات الخاصة، يرى أن ما يجري من تقلبات في سعر الصرف «مدروس بشكل منهجي والمستفيد منه معروف»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد هناك إنسان غبي هنا... في كل مرة يتدهور سعر الصرف فيها تقيم الحكومة الدنيا ولا تقعدها بقرارات وإجراءات، ومن ثم يحافظ سعر الصرف على حاله!... وحاليا سيستقر عند 1000»، ويضيف: «الموظف يبلغ مرتبه من الحكومة 50 ألف ليرة كان يكلف الحكومة 100 دولار عندما كان الدولار بـ500 ليرة، أما الآن فمرتبه يكلف الدولة 50 دولاراً!».