الأزمات المالية تدفع المؤسسات الإعلامية الفلسطينية نحو «صراع البقاء»

إجراءات تقشفية تشمل تقليص الرواتب وتسريح موظفين تضرروا من تغطيات الميدان

الصحافي مؤمن قريقع خلال التقاطه صوراً للحياة اليومية في غزة
الصحافي مؤمن قريقع خلال التقاطه صوراً للحياة اليومية في غزة
TT

الأزمات المالية تدفع المؤسسات الإعلامية الفلسطينية نحو «صراع البقاء»

الصحافي مؤمن قريقع خلال التقاطه صوراً للحياة اليومية في غزة
الصحافي مؤمن قريقع خلال التقاطه صوراً للحياة اليومية في غزة

اعتاد المراسل الصحافي محمد الداعور على الظهور بشكلٍ يومي عبر شاشة قناة القدس الفضائية، في رسائل إعلامية وتقارير تلفزيونية ينقل من خلالها مختلف تفاصيل الواقع والحياة في قطاع غزة المحاصر، لكنّه اليوم وبعد قرار إغلاق القناة الذي اتخذه مجلس إداراتها خلال فبراير (شباط) عام 2018، صار بعيداً على الشاشة وغابت رسالته، بسبب الأزمة المالية التي عانت منها مؤسسته على مدار أشهر طويلة.
يقول في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»: «مصيبة أن تفقد عملك بطرفة عين دون أي مقدمات أو حتّى إشعار مسبق، وهذا ما حصل معنا على الرغم من أنّنا صبرنا لأشهر طويلة دون رواتب أو حوافز، وآثرنا إبقاء الرسالة الإعلامية على الجلوس في البيت، وكنا مستعدين للصمود لوقتٍ أطول»، موضحاً أنّ نفس إدارة القناة وتعاملها مع الأزمة كان قصيراً، وسرعان ما اتخذت قرار الإغلاق، دون التأمل كثيراً في تبعاته.
مشكلة الصحافي الداعور مع قناة القدس ليست وحيدة، فهي تأتي ضمن سلسلة من المشكلات التي عصفت بالمؤسسات الإعلامية الفلسطينية خاصّة في قطاع غزة، بسبب الأزمة المالية، وعلى أثر ذلك اضطر عدد منها اتخاذ خطوة الإغلاق النهائي، فيما فضل البعض الآخر خوض «صراع البقاء»، من خلال عكفه على العمل بخطواتٍ تقشفية، طالت رواتب الموظفين وشكل الرسالة المقدمة للجمهور، وغيرها من المستلزمات اللوجستية.
إغلاق المؤسسات
خلال نهاية عام 2017 صدم الفلسطينيون بقرار الجامعة الإسلامية بغزة الذي أغلقت بموجبه قناة الكتاب الفضائية، بسبب الأزمة المالية، وانتهاء الوقت الممنوح لها من قِبل إدارة القمر الصناعي الذي تبث من خلاله لتسديد المستحقات، وآنذاك أنهت الجامعة تعاقدها مع عشرات الموظفين، ويقول الصحافي محمد الأطرش الذي كان يعمل في قسم المونتاج لـ«الشرق الأوسط»: «الأزمة بدأت قبل عامين من الإغلاق، وحينذاك لم تتعامل الإدارة بشكلٍ جدي معها، وتركت الأمر للقدر دون إجراءات عملية، الأمر الذي تسبب لاحقاً بتغييب عشرات الوجوه عن الشاشة، التي استوطنت قلوب الفلسطينيين منذ انطلاقها عام 2012».
ويذكر الأطرش (38 عاماً) أنّه انضم لصفوف البطالة منذ ذلك الوقت، وحتّى هذه اللحظة لم يحصل على وظيفة ثابتة تمكنه من تأمين متطلبات عائلته، مبيّناً أنّه يراقب الحالة الإعلامية منذ سنوات عدّة، ولم يكن يتخيل أن تصل لهذا الوضع، وعن قناة الكتاب يتابع: «كنا على الدوام موجودين في الشارع وبين الناس، وغطينا كلّ الاعتداءات الإسرائيلية وسط ظروف عمل صعبة، وناقشنا هموم الشباب والطلبة، وغطينا كلّ الفعاليات وقدمنا البرامج الفنية والترفيهية وشاركنا الناس الفرح. كلّ ذلك غاب في لحظة وصار جزءاً من الماضي».
عودة لمشكلة قناة القدس، حيث لفت عماد الإفرنجي وهو مدير فرع القناة بغزة، إلى أنّ الأزمة بدأت قبل الإغلاق بخمس سنوات، ومعه بدأت الإجراءات التقشفية التي شملت تقليص الرواتب وترشيد النفقات، مؤكّداً أنّ قرار انتهاء الفضائية جاء بعد استنفاد كلّ الحلول التي طرحت لأجل التخفيف منه، ومن بين الحلول التي طرحت بحسب كلامه، كان تحويلها لقناة وطنية أو دمجها مع مؤسسات أخرى، أو العمل على إيجاد مساحة إلكترونية لبثها، مما يضمن المحافظة على جمهورها.
وبإغلاق الفضائية، تمّ تسريح نحو 50 موظفاً من أعمالهم، بعد أن ظلّوا يعملون لأكثر من عام من دون رواتب أو حوافز، وتروي المذيعة ريم أبو حصيرة التي كانت تقدم برنامج «ساعة شباب»، عبر القناة في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط» أنّهم كانوا من خلال القناة، يفتحون مساحة لنقل كلّ المعاناة الفلسطينية خاصّة في القطاع المحاصر والخارج، من خلال دورات برامجية متنوعة، إضافة لتركيزهم على نقل أصوات المواهب الفنية والشابّة.
تقليصات في العمل
لم يكن الإغلاق فقط هو الأثر الوحيد لتلك الأزمة المالية، فعدد من المؤسسات اضطرت لتحجيم قدراتها الأدائية، وقننت من نفقاتها في سبيل الحفاظ على استمرارية عملها، ومن بينها كانت صحيفة الرسالة «نصف الأسبوعية» التي صدر عددها الورقي الأول عام 1997، وتوقفت بشكلٍ كامل عن الصدور خلال مارس (آذار) لعام 2019 وتحول عملها للجانب الإلكتروني، وآنذاك أوضح مجلس إدارتها أنّ السبب الرئيسي لذاك التقليص، هو الأزمة المالية التي تعكف بالمؤسسة التابعة لحركة حماس.
وطال التقليص أيضاً المركز الفلسطيني للإعلامي، الذي كان يعمل سابقاً بفروعٍ في عددٍ من دول المنطقة إضافة لمقراته الداخلية، حيث استغنت إدارته عن عدد كبير من الصحافيين والمصورين، ويبيّن المصور الصحافي مؤمن قريقع الذي عمل لمدة تزيد على عشر سنوات في مقر المركز بغزة لـ«الشرق الأوسط»، أنّه صُدم بالقرار الذي تبلغ فيه عبر رسالة نصية، كان مفادها تسريحه من وظيفته هو وعدد من زملائه بداية عام 2019 وصاروا على أثر ذلك دون عمل، يكابدون دون أعباء الحياة.
ويشير وهو الذي تعرض لإصابة خلال عمله الصحافي، أفقدته أطرافه السفلية، واستمر بعدها في أداء رسالته الإعلامية، دون أدنى تراجع، إلى أنّه توقع أن يكرّم من مؤسساته ومن المجتمع الصحافي ككل، بعد تلك الحادثة، لكنّه تفاجأ في لحظة أنّه صار بلا مصدر دخل، وحتّى المخصصات التي كانت تمنحه له السلطة الفلسطينية، كجريح، تم إيقافها لأسباب غير معلومة، وفقاً لكلامه، متابعاً «الواقع الإعلامي المحلي صعب، وحتّى العربي، وفرصة الحصول على شغل بديل فيه، صعبة جداً، وهذه مشكلة أخرى».
وتأثر بالأوضاع كذلك عدد من المؤسسات الأخرى، مثل قناة هنا القدس الفضائية الخاصّة التي اضطر ملكوها لبيعها لأحد الأحزاب الفلسطينية، كما أعلنت قناة الأقصى الفضائية التابعة لـ«حركة حماس» نهاية عام 2018، أنّ بثها سيتوقف إذا لم يتم إنقاذها من الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بها، وأوردت كذلك قناة معاً الفضائية على لسان صاحبها ناصر اللحام خلال أبريل (نيسان) أنّ الأزمة المالية اضطرتها لإغلاق مقرها في غزة، وسرحت العاملين فيه، وهي كذلك مهددة بتوقف بثها في أي لحظة، جراء عدم تسديد المبالغ المطلوبة لإدارة القمر الصناعي.
تأثير على المشهد الإعلامي
تشير الصحافية والباحثة نور أبو عيشة في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ التحديات التي تواجه الإعلام الفلسطيني، تتوزع بين سياسات الاحتلال، والحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، والانقسام الداخلي، وأخرى مرتبطة بالتطور الرقمي، الأمر الذي أدى لخلق أزمة في المؤسسات منذ عدّة سنوات، مبيّنة أنّ تداعيات تلك الأزمة طالت الصحافيين، حيث تقلصت رواتبهم وسرحوا من أعمالهم، وأثرت كذلك على الرواية الإعلامية التي يفترض أن يتوفر لها كلّ الإمكانيات، لتخرج بأفضل صورة، لا سيما في ظلّ وجود رواية إسرائيلية، تستحوذ على الرأي العام الدولي.
وتنوه وهي التي أعدت خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، ورقة علمية، سلطت من خلالها الضوء على الأزمات التي تواجه الإعلام الفلسطيني، إلى أنّ حالة الإغلاق لعدد من المؤسسات الإعلامية، تؤثر بشكل أو بآخر على المشهد الإعلامي الفلسطيني، حيث إنه وعلى سبيل المثال، أثر غياب قناة القدس على آليات نقل المشهد في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وكذلك أساهم غياب فضائية الكتاب، على مدى المساحة الممنوحة لقضايا الشباب والطلبة.
يجدر التنويه إلى أنّ جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، كان قد أوضح في تقاريره السابقة، أنّ الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2006 مثلت الفترة الذهبية لأعداد محطات التلفزيون المحلية في الأراضي الفلسطينية، والتي بلغت نحو 33 محطة، إلّا أنّ هذه الأعداد تناقصت في عام 2007 الذي شهد الانقسام الداخلي إلى 31 محطة، ووصلت إلى 11 واحدة فقط خلال عام 2017، وأشارت ذات البيانات إلى أنّ عدد محطات الإذاعة تضاءل من 81 محطة في العام 2015 إلى 67 خلال سنة 2017.
ويرى الكاتب السياسي مصطفى إبراهيم في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنّ استمرار الأزمات التي تعاني منها المؤسسات الإعلامية بشكلٍ عام، يأتي في سياق التراجع العام الذي تعيشه الحالة الفلسطينية على الصعيدين السياسي والاقتصادي وغيرهما، منوهاً إلى أن تركيز تلك الأزمات في الوسائل التابعة للأحزاب، أمر طبيعي، كون الأخيرة تعيش في سلسلة أزماتٍ خانقة منذ عدّة سنوات، بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليها في قطاع غزة منذ عام 2006 وكذلك بفعل تراجع الدعم الدولي والإقليمي لها.
أمّا نائب نقيب الصحافيين تحسين الأسطل فيؤكّد لمراسل «الشرق الأوسط» أنّهم اتخذوا عدّة خطوات نقابية لإنصاف الصحافيين الذين طردوا من أعمالهم، ووصلتهم منهم شكاوى: «ومنها الاجتماع مع إدارات المؤسسات التابعين لها والاستماع للأسباب والمبررات، وكذلك عقدوا لقاءات مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات الحكومية، لبحث سبل توفير حلول للصحافيين المسرحين بسبب الأزمة المالية التي يحتاج حلها لتدخل سريع من كّل الجهات، لضمان عدم وصول الحالة الإعلامية لطريق مسدود».



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».