الهايكو؛ هذه التجربة الشعرية المهمة الآتية من يابان القرن السابع عشر، والتي تتميز بخصائص مضبوطة ينبغي عدم تجاوزها، وجدت لها صدىً وحضوراً متزايداً بين عدد من شعراء المغرب، كما صرنا إلى متابعات كثيرة، لعل آخرها الكتاب الذي صدر أخيراً عن «بيت الشعر في المغرب»، تحت عنوان: «الهايكو المغربي: الحقل والسياق» للشاعر والباحث والدبلوماسي المغربي عبد القادر الجموسي، والذي اشتمل على 4 فصول، تمحورت حول عناوين: «شعر الهايكو: السياق العربي والحقل المغربي» و:«بذرة الهايكو والغنائية المغربية» و:«في تعريف وبيان الهايكو» و:«أزاهير مختارة من حقل الهايكو المغربي»، فيما نقرأ على ظهر غلافه أن «الكتّاب المغاربة تعاملوا مع شعر الهايكو من خلال مختلف الفعاليات المصاحبة لعملية التلقي والتمثل الشعري، بدءاً من الكتابة التجريبية إلى الترجمة والنقد، من خلال نشر دواوين ورقية وإلكترونية، وترجمة المختارات، وكتابة مقالات وإقامة ندوات وملتقيات».
وضمن هذه الدينامية الملحوظة، الجديرة بالانتباه والدرس من المؤسسة الثقافية والنقدية والأدبية، والتي جعلت الهايكو موضوعاً للإبداع والترجمة والنقد، يقترح علينا الشاعر المغربي إدريس علوش مجموعة شعرية جديدة، صدرت عن «مؤسسة مقاربات للنشر» في فاس، تحت عنوان: «هايكو المغربي الحالم بأفق قصيدة»، ضَمّنها ستة نصوص، اختار لها عناوين: «هايكو غرناطة» و:«هايكو الركن القصي في جغرافية المتاهة» و:«شُعَرَاءٌ لَا يَتبَعُهُم أَحَد» و:«هايكو الشَّاعرُ المُتَيَّمُ بِالحَدِيقَة» و:«هايكو الدوائر الآسرة» و:«هَايكُو العاشق».
وقبل «هايكو المغربي الحالم بأفق قصيدة» أصدر علوش مجموعات شعرية كثيرة، بداية مع «الطفل البحري» (1990)، وصولاً إلى «سر الكتاب» (2015)، و«الليل مهنة الشعراء وكفى» (2017)، و«حدائق المفترق» (2018)، مرورا بـ«دفتر الموتى» (1998) و«مرثية حذاء» و«فارس الشهداء» (2007)، و«قفازات بدائية» و«الطفل البحري ثانية» و«قميص الأشلاء» (2008)، و«آل هؤلاء» و«قميص الأشلاء» (2009)، و«زغب الأقحوان» (2010)، و«دوارة أسطوانة» و«جهات العدم المشتهى» (2011)، و«شاهدة الأحبة» (2012)... وغيرها.
لكن لماذا الهايكو؟ سألنا علوش، الذي رد بالقول: «ربما للتعبير عن أن القصيدة المغربية قادرة على رفع التحدي عندما يتعلق الأمر بالتجريب. وأن تداعيات الفصول الأربعة وتمظهراتها في الشرق واليابان متوفرة بأكثر من معنى في الجغرافيات المختلفة للمغرب، وأن الشاعر المغربي قادر على خوض غمار التجربة والمغامرة في آنٍ، وسبر (مغاوير) نصوص دالة على الحالات المتناقضة التي تعتري قصيدة الهايكو، والأهم أن الشاعر في حالة هذا الوضع الملتبس بقصيدة الهايكو قابل للسمو بنصه من التراكم والمحاكاة إلى قول شاعرية نصية مغايرة وحداثية».
وعن الذي تتميز به قصيدة الهايكو، مقارنة بأشكال شعرية أخرى، من قبيل قصيدة النثر، قال علوش إن «المشترك الاستراتيجي في النص هو أن الاشتغال يبقى رهين انفتاح الشاعر على الثقافات الكونية ولا يستكين إلى الأصول الثابتة، ولو أن الأمر عندما يتعلق بأشكال التعبير والمبنى يتجاوز قصيدة النثر، وهو ما قد ينطبق على قصيدة التفعيلة أو القصيدة العروضية، ودائماً استناداً إلى الروح المبادرة والمغامرة والمثابرة؛ والفرق هو أن الشرق يبقى شرقاً، أما المغرب فهو مغارب، وقد يكون هذا دليلاً غير قاطع لمحاولة المغربي كتابة قصيدة الهايكو».
في «هايكو غرناطة»، ضمن آخر إصدارات علوش الذي يلاحظ عنه أنه يكتب قصيدته «مترعة بأسئلة الوجود»: «مشرعة على بوهيمية الحياة وعبثيتها» و«متقشفة في الإيقاع»، نكون مع «الشَّارِعُ الآهِلُ بِالخُطُوَات - في غَرنَاطَة - استَظَلَّ بِأَزِقَّة - مِن قَصَبِ الخَيَالِ - لِيَحلُمَ المَارَّة بِاعتِدَالِ الطَّقسِ». أما في «هايكو الركن القصي في جغرافية المتاهة» فيتوسل الشاعر السؤال عن هذا «الذِّي أَجبرَ الغَرِيبَ - عَلَى النَّومِ حَافِياً - تَحتَ سَقِيفَة ثَلجٍ»، قبل أن يدعونا إلى عدم تصديق العُيُونَ التي تَضِيقُ جَدَاوِلُهَا فِي مَآقِي الدَّمعٍ. أما في «شُعَرَاءٌ لَا يَتبَعُهُم أَحَد»، فيصير اَلشُّعَرَاءُ وَرطَة حُزنٍ فِي شِركِ قَصِيدَة... و«سُلاَلَة بِلَا سَقفٍ - يُعَرِّيهَا البَردُ وَالقَافِيَة»، و«نَثرَانِيُّونَ - فِي حُكمِ الغَائِبِ وَالنَّصِ»، و«حُرَّاسُ الِاستعارَة - وَعبَّاد ُشَمسٍ»: «لَا يَتبَعُهُم أَحَدٌ - عَدَا الرّيحُ وَالفَضِيحَة». فيما نقرأ له في «هايكو اَلشَّاعِرُ المُتَيَّمُ بِالحَدِيقَة» عن قصَائِدُ الهَايكُو التي يصطادها، هناكَ، مِثلَ فَرَاشَاتٍ، قبل أن يحدثنا عن شَقَائِقُ النُّعمَانِ التي «مِن فَرطِ احمرارِ الابتِسَامَة - استمالت الشَّمسَ وَالأَشِعَّة»، فيما «الجَنَّة تُفَّاحَة - مِلحُ أَرضٍ - وَسِيقَانُ وَردَة»؛ لنقرأ في «هَايكُو العَاشِقِ»، عن «صَبَاح - العالم الذِّي يَكبُرُ فِي الرَّمَادِ - وَيَنسَى الوَردَة»، وعن «طِين عُشِّ الخُطَّافِ» الذي «بَهرَ دَهشَة الخَرِيف - وَصَارَ عُمرَاناً». أما في «هايكو الدوائر الآسرة»، فيكتب الشاعر وَصِيَّة الخَرِيفِ «عَلَى وَرَقٍ أَصفَرَ كَالعَادَة» فيما يتَحَسَّرُ عَلَى «دَهشَة الرِّيحِ»، وعن هَسِيسُ الهَايكُو الذي يتسرب «إِلَى فَنَاءِ القَصَائِدِ - كَفَصلٍ مَارِدٍ وَشُرفَة»، فيما «اَلفَرَاغَاتُ - حِكمَة الفُصُولِ - المُثقَلَة بِفَلسَفَة الكَونِ».
الهايكو... مغربياً
الهايكو... مغربياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة