ترجيحات بحسم ملف تشكيل الحكومة العراقية مع عودة صالح

الكاظمي يتصدر قائمة المرشحين

البابا فرنسيس لدى استقباله الرئيس العراقي برهم صالح في الفاتيكان أمس (إ.ب.أ)
البابا فرنسيس لدى استقباله الرئيس العراقي برهم صالح في الفاتيكان أمس (إ.ب.أ)
TT

ترجيحات بحسم ملف تشكيل الحكومة العراقية مع عودة صالح

البابا فرنسيس لدى استقباله الرئيس العراقي برهم صالح في الفاتيكان أمس (إ.ب.أ)
البابا فرنسيس لدى استقباله الرئيس العراقي برهم صالح في الفاتيكان أمس (إ.ب.أ)

تنتظر الكتل السياسية العراقية عودة الرئيس العراقي برهم صالح إلى البلاد من زيارتيه إلى كل من دافوس بسويسرا حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب وروما حيث التقى بابا الفاتيكان لغرض حسم ملف تشكيل الحكومة.
صالح الذي غادر البلاد على وقع خلافات حادة حول لقائه مع ترمب سيعود وقد حسم الجولة لصالحه من خلال وقوف أبرز زعيمين شيعيين خلفه وهما مقتدى الصدر، الذي عده حاميا للدستور والثوار، وعمار الحكيم الذي دعم مواقفه السياسية على طريق بناء الدولة. من جهته، أيد صالح التظاهرة المليونية التي دعا إليها الصدر أول أمس في بغداد التي حملت عنوانا واحدا هو السيادة العراقية. كما أكمل صالح في روما ترتيبات الزيارة التاريخية التي من المتوقع أن يقوم بها البابا فرنسيس إلى العراق. وطبقا لبيان رئاسي فإن صالح أكد للبابا أن «التآخي والتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين والأطياف الأخرى هو الطريق الوحيد للقضاء على التطرف بكل أشكاله وأنواعه»، مضيفاً أن «جرائم الإرهاب التي طالت كل المكونات العراقية لا تمتّ إلى تعاليم الدين الإسلامي السمحاء بصلة». وتابع أن «حل الأزمات التي تعاني منها المنطقة يأتي عبر الحوار والتفاهم، وأنه من المهم تعزيز الجهود الرامية لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة»، مشيداً بـ«المواقف الصادقة للبابا في الحث على الوحدة والالتئام بين العراقيين جميعاً، وحرص ودعوات قداسته من أجل ترسيخ الأمن والسلم، والعيش المشترك بين أتباع الديانات السماوية والحيلولة دون المزيد من التصعيد إقليمياً ودولياً».
بدوره، أكد البابا فرنسيس «ضرورة المضي بدعم استقرار العراق»، مشيراً إلى «أهمية تغليب لغة الحوار والتفاهم وتعزيز التعايش السلمي لترسيخ المحبة والسلام والاعتدال».
في سياق ذلك، فإن الموقف الأخير الذي عبرت عنه المرجعية الدينية العليا في النجف حيال تأخر تشكيل الحكومة بدا ضاغطا على الجميع بما في ذلك رئيس الجمهورية الذ ي كان رفض تكليف مرشح من عدت نفسها الكتلة الأكبر «تحالف البناء» منسجما مع رؤية المرجعية بعدم اختيار شخصية جدلية ومع رؤية المتظاهرين باختيار مرشح مستقل عن الأحزاب.
إلى ذلك، وجه زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، دعوة إلى الأحزاب السياسية لعقد اجتماع طاولة لحل المشاكل في البلد. الحكيم وفي بيان له قال موجها دعوته إلى الفرقاء السياسيين: «أدعوكم مخلصا أن تجنبوا العراقيين مزيدا من الألم والمعاناة والتضحيات، ولتجلسوا بقلوب عراقية خالصة على طاولة العراق تظلكم راية (الله أكبر) ولا ينفض اجتماعكم إلا على نصر لجميع العراقيين، لا سيما الذين صدحت حناجرهم اليوم لعراق كامل السيادة ولشبابه الذين زادت مدة وقوفهم في ساحات التظاهر على مائة يوم يبحثون عن وطنهم بين دخان القنابل». وتابع الحكيم: «كفى مماطلة وتسويفا، فإنها ستزيد من محنة أبناء شعبنا، كما أشارت المرجعية الدينية العليا في بيانها وقد رسمت لكم طريق النجاة أفلا تسلكونه».
وفي الوقت الذي انحصرت فيه المنافسة خلال الفترة الماضية بين محمد توفيق علاوي وعلي الشكري ومصطفى الكاظمي وعلي عبد الأمير علاوي فإنه طبقا للتوقعات فإن المرشح الذي بات أوفر حظا بعد انسحاب محمد توفيق علاوي بسبب الضغوط هو الكاظمي الذي يشغل منصب مدير جهاز المخابرات.
ومع أن مؤشرات الحسم تقترب سواء نتيجة ضغوط المرجعية أو الشارع فإن الشارع بدا منقسما على نفسه بعد تظاهرات الجمعة المليونية والتظاهرات المستمرة منذ أربعة شهور في ساحة التحرير ببغداد وباقي مناطق الوسط والجنوب من البلاد. التظاهرة التي دعا إليها الصدر والعديد من الفصائل المسلحة بدت تحمل عنوانا واحدا هو، مثلما يراه الدكتور نعيم العبودي، عضو البرلمان العراقي عن كتلة الفتح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، «عنوان إخراج القوات الأميركية من العراق لا سيما أن الجمهور الكبير الذي شارك في التظاهرة أعطى رسالة واضحة للوجود الأجنبي في العراق بأنه ليس مرحبا به».
وأضاف العبودي أن «التظاهرة حافظت على سلميتها لأنها حملت عنوانا واحدا وهي بمثابة دعم للقرار الذي أصدره البرلمان العراقي وبالتالي أصبح الأمر واضحا أن هناك دعما حكوميا وبرلمانيا وشعبيا لمسألة التعامل مع الوجود الأجنبي في البلاد».
من جهته، فإن رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن «خطوة الصدر حتى في سياق التظاهرة الجماهيرية فقد ركزت على مبدأ الدولة عبر آليات التعامل مع الوجود الأجنبي أو إعادة هيكلة الحشد الشعبي والمقصود به السلاح خارج إطار الدولة» مبينا أن «الصدر بات يتعامل مع الخيارات السياسية لجهة عدم تحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات وبالتالي هي خطوة ربما لا تكون متوقعة من قبل الفصائل التي شاركت به وهو ما سوف ينسجم مع الخطوات الخاصة باعتماد الحلول السياسية».
وبشأن دعوة المرجعية لتشكيل الحكومة العراقية، يقول الشمري إن «المرجعية ركزت على أن حل الأزمة الراهنة يتمثل في تشكيل حكومة جديدة وهو ما يعني قطع الطريق أمام عودة عادل عبد المهدي ثانية بوصفه أحد الخيارات المطروحة في حال فشلوا في إيجاد مرشح بديل». وأوضح الشمري أن «المرجعية أكدت على نقاط جوهرية في هذا السياق منها رفض الإملاءات الخارجية وأهمية التوافق بين الفرقاء السياسيين حول القضايا الرئيسية وفي المقدمة منها تشكيل الحكومة التي هي مفتاح لحل العديد من الأزمات التي تعاني منها البلاد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.