انتقادات حادة للرئيس التونسي إثر استقباله أبناء «دواعش» بقصر قرطاج

الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيد
TT

انتقادات حادة للرئيس التونسي إثر استقباله أبناء «دواعش» بقصر قرطاج

الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيد

تعرض الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس، لموجة من الانتقادات الحادة، إثر استقباله ستة من أبناء «دواعش» تونسيين، تمت إعادتهم من ليبيا المجاورة، ولم ينج من هذه الانتقادات حتى الأطفال، الذين لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة في أقصى الحالات، إذ تم توجيه أبشع النعوت لهم، للتعبير عن رفض شعبي عارم لعودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر، ولأبنائهم الذين تربوا في ساحات القتال، وشبوا على أصوات الكلاشينكوف.
ولئن ركز عدد قليل من التونسيين على الجانب الإنساني في قضية احتضان الدواعش في بلدانهم الأصلية، باعتبارهم «ضحايا» الآباء والأمهات، إلا أن معظم التعليقات اعتبرت أن الرئيس أقحم نفسه في «متاهة كبرى»، ورأوا أنه كان من الأفضل «التكتم والاكتفاء باتخاذ تدابير وإجراءات لحمايتهم، بعيدا عن الأضواء والحملات الإعلامية» ودون استقبالهم في قصر قرطاج الذي يستقبل عادة رؤساء حكومات وشخصيات سياسية مرموقة.
وكانت تونس قد تسلمت يوم الخميس الماضي ستة أطفال أيتام من أبناء «دواعش» تونسيين قاتلوا في ليبيا، وانتموا إلى تنظيمات إرهابية، وتتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و12 سنة، بعد أن وصلوا إلى مطار تونس قرطاج الدولي عبر مطار مصراتة الليبي. وإثر تسلمهم من الجانب الليبي ووصولهم إلى العاصمة، استقبلهم الرئيس قيس سعيد في قصر قرطاج. وذكر بلاغ إعلامي لدائرة الإعلام والاتصال برئاسة الجمهورية أن رئيس الدولة أكد على أهمية الإسراع باتخاذ كافة التدابير، والإجراءات الضرورية من قبل الهياكل المعنية في الدولة، لتوفير الإحاطة النفسية والرعاية الصحية لهؤلاء الأطفال، قبل تسليمهم إلى عائلاتهم، مع مواصلة رعايتهم والاطمئنان على أوضاعهم.
كما أوصى سعيد بضرورة تيسير عودة بقية الأطفال العالقين في ليبيا، ووجه التحية والتقدير لحكومة الوفاق الوطني الليبية، وجمعية الهلال الأحمر الليبي، «اللّتين أبدتا تعاونا كبيرا لإنجاح هذه العملية الإنسانية»، على حد تعبيره. يذكر أن جمعية التونسيين العالقين بالخارج كانت أشارت منذ سنة 2018 إلى وجود حوالي 105 تونسيين، من بينهم 83 طفلا و22 أما تقطعت بهم السبل، بعد أن انتموا إلى تنظيم «داعش» المتشدد، ووفاة المقاتلين في مواجهات مسلحة، وأكدت أن جل العالقين موزعون على السجون الليبية والسورية.
من جهة ثانية، أعلن حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، عن عودته إلى الساحة السياسية بالإعلان عن تشكيل «هيئة عليا» لعقد المؤتمر الاستثنائي التوحيدي لحزب النداء، باعتباره الممثل القانوني لهذا الحزب. وحدد نهاية يونيو (حزيران) المقبل موعدا أقصى لعقد المؤتمر الاستثنائي لحزب النداء، الذي مني بخسارة فادحة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. مؤكدا أن المؤتمر «سيكون على قاعدة التجميع، واستخلاص العبر من أخطاء الماضي، وتصحيح المسار، انتصارا للمشروع الوطني الحداثي، وتكريما لروح مؤسس الحزب». لكن هذه الدعوة أثارت ردود فعل متباينة، بين مؤيد لها ورافض لعودة حافظ إلى «النداء».
وقال جمال العرفاوي، المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن عودة نجل الرئيس إلى العمل السياسي تعد «مغامرة غير معروفة النتائج، إذ إن النفخ في روح حزب سياسي تشتت، وانقسم إلى عدة أحزاب، وتوزعت قياداته وخفت بريق معظمهم، يشكل عقبة كبرى». مرجحا أن يلاقي نجل الرئيس مصاعب كثيرة في إعادة توحيد حزب «تراجع ثقله السياسي، وتوزعت قياداته على أكثر من حزب، فيما غادر البعض الآخر عالم السياسة».
وكان مؤتمر الحزب، الذي عقد في أبريل (نيسان) الماضي، قد أفرز انقساما سياسيا حادا بين سفيان طوبال رئيس الكتلة البرلمانية، وحافظ قائد السبسي، وبرزت على إثره مجموعتان: مجموعة «الحمامات» ومجموعة «المنستير»، وهو ما انعكس بشكل سلبي على استعدادات الحزب للانتخابات التي أجريت نهاية السنة الماضية. وانتهت هذه الخلافات بانضمام سفيان طوبال إلى حزب «قلب تونس» ونجاحه في العودة إلى البرلمان، فيما غادر نجل الرئيس البلاد، واستقر في فرنسا قبل أن يعلن عودته من جديد من خلال الدعوة إلى مؤتمر استثنائي يعيد توحيد القيادات التاريخية لحزب النداء.
وبعد رحيل قائد السبسي، مؤسس الحزب منذ 2012، شهد خلافات حادة وصعوبات كبيرة في إعادة التموقع داخل الساحة السياسية، وعجز عن تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، التي جرت منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، كما ساهمت نتائج الانتخابات التشريعية في تعقيد أوضاعه، وذلك بعد حصوله على ثلاثة مقاعد فقط في البرلمان الجديد، بعد أن نجح في الفوز بالمرتبة الأولى في انتخابات 2014، وحصوله على 86 مقعدا، متقدما على حركة النهضة، خصمه السياسي الأول.
في غضون ذلك، دعا علي الحفصي، أمين عام حركة نداء تونس، إلى ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة، وإشراك جميع الأطياف السياسية في عملية بنائها. وعبر إثر لقائه رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ عن رغبة حزبه «في إشراك كافة السياسيين الموجودين تحت قبة البرلمان، من متحزبين ومستقلين في بناء الحكومة، وذلك بهدف الخروج من الوضع المزري الذي تعيشه البلاد والنهوض بها»، مؤكدا أن «نداء تونس» لا يطالب بأي منصب وزاري في الحكومة المرتقبة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.