لاجئو الروهينغا في بنغلاديش يعيشون مع آلامهم... والأطفال ينتظرون «العدالة»

«الشرق الأوسط» تجولت في المخيمات ورصدت خيبة البعض من «خيانة» حاملة جائزة نوبل أونغ سان سو كي

منظر لمخيم كوتوبالونغ للاجئين (الشرق الأوسط)
منظر لمخيم كوتوبالونغ للاجئين (الشرق الأوسط)
TT

لاجئو الروهينغا في بنغلاديش يعيشون مع آلامهم... والأطفال ينتظرون «العدالة»

منظر لمخيم كوتوبالونغ للاجئين (الشرق الأوسط)
منظر لمخيم كوتوبالونغ للاجئين (الشرق الأوسط)

اتجهت الأنظار إلى لاهاي أول من أمس، حيث أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً بالغ الأهمية لصالح سكان الروهينغا المضطهدين بتوجيه السلطات في ميانمار لاتخاذ تدابير طارئة مؤقتة لحماية الأقلية المضطهدة. يأتي القرار رداً على الإجراءات القانونية التي اتخذتها غامبيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، حيث اتهمت القوات المسلحة في ميانمار بارتكاب إبادة جماعية ضد سكان الروهينغا في ولاية راخين.
جاء حكم محكمة العدل الدولية بمثابة رفض مباشر لدفاع الحائزة على جائزة نوبل أونغ سان سو كي عن سلطات بلادها ضد اتهامات بارتكاب «جرائم حرب» وانتهاكات لحقوق الإنسان خلال جلسة استماع جرت الشهر الماضي.

يرى غالبية اللاجئين الذي يبلغ عددهم نحو 1.1 مليون لاجئ من الروهينغا الذين يعيشون حالياً في مخيمات في بنغلاديش أن قرار رئيسة البلاد بالدفاع شخصياً عن نفس الجيش الذي أبقى عليها رهن الإقامة الجبرية لمدة 15 عاماً تقريباً خلال كفاحها من أجل الديمقراطية في ميانمار «خيانة كبيرة» لقضيتهم. وعبر أحد اللاجئين ويدعى روكيب عن شعوره، قائلا: «كنت مؤيداً لحزبها في السابق. لكن بعد أن أصبحت لاجئا عام 2012، أصبت بصدمة كبيرة بسبب صمتها حيال هذه القضية. ولم أتوقع أنني سأعيش لأرى اليوم الذي تدافع فيه عن الأشخاص الذين فعلوا بنا كل هذا».
في كوخ مؤقت أنشأ من الخيزران والقماش البلاستيكي، يطوي روكيب البالغ من العمر 56 عاماً سجادة صلاته وهو يتحدث عن مأساة شعبه، فيما يتأرجح مصباح فوق رأسه. لا يفصل الجزء الخلفي من الكوخ عن مكان طهي الطعام على موقد من الطين سوى ستار من البلاستيك، وفي نفس مكان الطهي ينام الزوجان على حصيرة تكفي وقوفهما بالكاد جنبا إلى جنب.
أضاف روكيب «لم نكن نعيش بهذه الصورة من قبل»، قالها بحرج ظاهر، بينما كان يمسح كرسياً بلاستيكياً بقميصه. وأردف قائلا: «كان لدي في بلدي متجر في منطقة مونغداو، بالإضافة إلى بعض الأراضي الزراعية التي تبعد 60 كلم فقط من هنا. لكن الآن بات كل ذلك حلما من أحلام الماضي».
يقيم روكيب حالياً مقيم في منطقة كتوبلانوغ، وهو أكبر مخيم للاجئين في العالم يعيش فيه أكثر من 63 ألف لاجئ من الروهينغا.
لا يعتبر سكان الروهينغا المسلمين ضمن 135 مجموعة عرقية معترف بها تعيش في ميانمار، حيث جرى تجريدهم رسمياً من جنسيتهم عام 1982، مما يجعلهم أكبر مجتمع عديمي الجنسية في العالم. وقد وصفت الأمم المتحدة عقوداً من الاضطهاد الذي واجهته الطائفة بالإبادة الجماعية، خاصة بعد العمليات العسكرية التي جرت عام 2017 والتي أودت بحياة نحو 6700، وأجبرت أكثر من 740 ألفا على الفرار إلى مخيمات اللاجئين في بنغلاديش المجاورة.
كانت أحداث العنف التي جرت عام 2017 هي التي دفعت غامبيا إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد ميانمار في محكمة العدل الدولية، وخاصة مذبحة تولا تولي، حيث أدت عمليات الجيش التي جرت على غرار حرب العصابات في «راخين» إلى مقتل العشرات وحرق قرى، بحسب ما أظهرته صور الأقمار الصناعية.
يقول نور الزمان، الذي يعيش أيضاً في مخيم كوتوبالونغ الآن: «عندما جاء تاتمادو (جيش ميانمار) إلى قريتنا في أغسطس (آب) 2017، كان برفقتهم مواطنون بوذيون أرادوا طردنا من الأرض».
هو رجل ممتلئ الجسم في الخمسينات من عمره، يبكي عندما يتذكر ذلك اليوم: «لقد قتلوا زوج ابنتي وعائلته بالكامل أمامي. تلقيت رصاصة في ظهري، سقطت على أثرها وبدأت أدعو الله. تمكنت بطريقة ما من الكذب عليهم، وعندما أتيحت لي الفرصة هربت إلى الغابة، حيث وجدت بقية أفراد عائلتي».
استغرق الأمر أربعة أيام وأربع ليال للقيام برحلة من «راثدانغ»، التي تعد من أبعد البلدات من بلدة «راخين»، حيث تبعد نحو 200 كلم من بلدتنا في كتابلونغ، وإن كان استخدام نهر «ناف» يقلل المسافة إلى نحو 104 كلم.
يروي نسيم الدين، 33 عاماً، كيف أصبح لاجئاً خلال تلك الفترة قائلا: «منذ اللحظة التي وصل فيها الجيش، عرفنا أنهم يعتزمون الاستيلاء على كل شيء. اغتصبوا زوجتي وابنتي، وكان المتعاونون البوذيون المحليون يحملون المناجل الضخمة المستخدمة في الزراعة، وقام أحدهم بتقطيعي بها لكنني نجوت. ركضنا إلى بنغلاديش دون أن ننظر إلى الوراء، لم يكن بحوزتنا شيء سوى الملابس التي كنا نرتديها».
يقول روكيب، المنتسب الآن إلى منظمة: «أراكان روهينغا الوطنية»، وهي منظمة سياسية من الروهينغا مقرها المملكة المتحدة: «لقد أدركنا قبل فترة طويلة مما فعله العالم بنا أنه لن يُسمح للمسلمين بالعيش في ميانمار. بحلول التسعينات، كان يُسمح لنا بالتعليم حتى سن 16 فقط، وكان ذلك صعباً. كان من المستحيل الحصول على أي وظائف في السلطة المحلية. ومع مرور الوقت، منعونا من التنقل بين البلدات، وكان علينا الحصول على تصريح خاص للزواج». وأضاف «لقد أحرقوا الآلاف من منازل الروهينغا وهدموا مساجدنا قبل وقت طويل من النزاع الذي نشب عام 2017، حيث بدأ شعبنا مغادرة ميانمار في وقت مبكر من عام 1978».
بعد جلسة محكمة العدل الدولية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تم تشكيل لجنة تابعة لحكومة ميانمار للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في ولاية راخين. تعرض تقرير لجنة التحقيق المستقلة لانتقادات واسعة، خاصة لادعائه بأنه لم تكن هناك تقارير موثوقة عن اغتصاب نساء الروهينغا، وأن جميع الحالات المذكورة كانت مجرد أقاويل تتردد بين الحين والآخر. كان من الصعب على نساء الروهينغا المقيمات في مخيمات اللاجئين البنغلاديشية التغاضي عن التجارب المؤلمة التي تمثلت في استخدام جيش ميانمار الاغتصاب كأداة حرب.
رغم الحرارة الشديدة بمخيم بالوخالي للاجئين، آثرت جهانارا أن تتحدث من وراء ستار حرصا على سلامتها، حيث قالت: «قبل أن أفهم ما كان يحدث، كان زوجي يرقد ميتاً على قدمي، وسحبني الجيش إلى المنزل. كانت أقاوم طوال الوقت الذي اغتصبوني فيهه، وعندما هربت في النهاية، أطلقوا النار علي من الخلف. أصبت برصاصة في خصري، لكنني بطريقة ما وصلت إلى الغابات ووصلت أخيراً إلى هنا». أضافت: «قابلت عدداً لا يحصى من النساء في المخيمات وأبلغهن بأن نفس الشيء قد حدث معهن». وعلى الرغم من عدم وجود بيانات واضحة، فإن منظمات حقوق الإنسان تقدر عدد النساء اللائي تعرضن للاغتصاب من قبل الجيش بالآلاف.
وبحسب نور جهان: «عندما جاء جيش ميانمار إلى قريتنا، طلبت من ابنتي أمينة البالغة من العمر أربع سنوات أن تختبئ تحت السرير. لكن لم يكن هناك وقت للهرب. لقد قتلوا زوجي أمام عيني. جروا والدي إلى الخارج وأطلقوا النار عليه أيضاً، ثم تناوبوا على انتهاك كرامتي ولم أعرف عددهم. فقدت الوعي واستيقظت لاحقاً».
في المخيم كانت أمينة تلهو بقطعة من الخشب وتبحث بصمت عن والدتها بين الحين والآخر. «رأت الطفلة كل شيء. عمرها الآن ست سنوات، لكنها بالكاد تتحدث».
رغم تمكن النساء من الفرار من حملة العنف في راخين، فإنهن لا يزلن عرضة لظروف خطرة في المخيمات، وخاصة الفتيات الصغيرات. السلامة هي مصدر القلق الأكبر، والخوف من التحرش أثناء استخدام المراحيض خاصة بعد حلول الظلام بات أمرا شائعا. تسببت العادات والتعاليم الدينية في ارتفاع معدلات الزواج المبكر، خاصة بالنسبة للفتيات اللائي فقدن «أولياء أمورهن» في ميانمار، مما يجعلهن عرضة بشكل خاص لحمل الأطفال والعنف المنزلي.
كان هذا هو الحال بالنسبة لسفارا بيجوم البالغة من العمر 17 عاماً، والتي تركت زوجها مؤخراً وعادت إلى والدتها. وعن قصتها تقول: «توفي والدي عندما كنت صغيرة، وتركت أمي مع 12 طفلاً. في عام 2012، صرنا جميعاً لاجئين. الحصص التموينية التي حصلنا عليها لم تكن تكفي الجميع، وعندما بلغ عمري 14 عاماً، وجدت أمي لي زوجاً يمكنه الإنفاق علي وصرت حاملا بعد فترة وجيزة».
يمسك ابنها البالغ من العمر سنة واحدة بتلابيب أمه بحنان، ويتنفس بصعوبة بسبب سعال مستمر. على الرغم من أنه يتلقى العلاج منذ أسبوعين، فإن والده لم يدفع أي شيء مقابل تكاليف علاجه: «زوجي مدمن مخدرات، وعندما أطالبه بأي تكاليف فإنه يصبح عنيفاً. لقد وصل الأمر إلى نقطة كان يضربني فيها كل يوم تقريباً. إذا لم يستطع تحمل نفقات الطفل، فلماذا أبقى معه؟».
وعلى الرغم من حالة سفارا، فإن الابتسامة لا تفارق وجهها: «أنا محظوظة جداً لأن عائلتي تفهمت معاناتي وسمحت لي بالعودة إلى المنزل. معظم الفتيات ليس لديهن هذا الخيار. تزوجت في الرابعة عشرة من عمري، وخلال ثلاث سنوات كان لدي طفلان. لكن ماذا كان علي أن أفعل؟ فقد فرت عائلتي هنا بلا شيء بحوزتها. لدي أخوات غير متزوجات، ولم أتلق أي قسط من التعليم، ولا يمكنني الخروج من المخيمات والعمل كما يفعل الرجال أحياناً. يجب أن أفكر في مستقبلي».
في مركز قريب حيث يتم تعليم الفتيات المراهقات بعض الحرف، سيطرت المخاوف عليها بشأن مستقبلها على المحادثة. تقول روبينا البالغة من العمر 15 عاماً: قبل أن أصبح لاجئة، كنت أحلم بأن أصبح مدرسة في المدرسة. لقد درست في راخين، وحتى عندما أغلقت الحكومة مدرستي، أحضر لي والدي مدرساً خاصاً لي. أريد أن أواصل الدراسة، مضيفة في تحد: «لن أتزوج في سن مبكرة، أعرف حقوقي».
لكن زميلتها نور تبدو أقل اقتناعا. ففي الرابعة عشرة من عمرها، وافقت على الزواج من رجل روهينغي يبلغ من العمر 22 عاماً يعيش في ماليزيا. وتقول: «قتل أبي في المخيمات خلال النزاع. وتزوجت أختي الكبرى في سن الـ13، لذلك من الطبيعي أن يحين دوري الآن. سمعت أن زوجي المستقبلي رجل طيب ذو دخل ثابت».
يعتبر مغتربو الروهينغا أفضل الأزواج للفتيات الصغيرات في المخيمات وأقدرهم على توفير وسيلة لحياة أفضل، ولذلك فهي تستحق المجازفة بتهريب فتيات إلى بلدان أخرى ذلك. «إن وعد الزواج هو الطريقة الأكثر شيوعاً لإغراء الفتيات الصغيرات خارج المخيمات، وعادة بموافقة أسرتها»، كما توضح محامية حقوق الإنسان رازيا سلطانة. وأضافت: «يأمل الجميع بمستقبل أفضل بعيداً عن حياة اللاجئين. لا توجد بيانات واضحة عن عدد فتيات الروهينغا اللائي يتم الاتجار بهن، لكن هناك بالتأكيد الكثير من الفتيات اللائي ينتهي بهن المطاف كعاهرات في الهند ونيبال وحتى في المملكة المتحدة».
كانت صوفيا في الثالثة عشرة من عمرها فقط عندما هربت من كوتوبالونغ مع زوجها المقبل. وبمجرد عبور الحدود جرى بيعها إلى بيت للدعارة في الهند. على الرغم من أنها أنقذت بعد بضعة أسابيع واقتيدت إلى ملجأ محلي، فإن الصدمة كانت قاسية بما يكفي لكي تحتاج إلى علاج نفسي اليوم. مر ما يقرب من خمس سنوات على الاتجار بها، ولا يزال لم شملها مع والدتها أمينة بعيدة المنال.
تضع أمينة أصبعها على الصورة الوحيدة التي تحتفظ بها لابنتها صوفيا أثناء حديثها، وتقول: «قدمت طلبا إلى المفوضية وسلطات المخيم، لكن لم يساعدني أحد. وبعد عامين من اختفائها، سمعت أنها في أحد سجون الهند».
يجري تهريب الآلاف من سكان بنغلاديش إلى الهند كل عام، وغالباً ما يتم احتجاز الأشخاص الذين يجري إنقاذهم في عملية الإعادة إلى الوطن دون أي فكرة عن كيفية التنقل عبر الشريط الأحمر. بالنسبة للاجئين الروهينغا، فإن الوضع أسوأ. وتقول جاهانارا: «ما زالوا يقولون لي إنني بحاجة إلى تقديم دليل على العنوان لإعادتها، لكننا لاجئون غير مسجلين. من الناحية الرسمية، لا وجود لنا - فماذا أفعل؟ ليس لدي زوج ولا ابن، ولا أحد يستطيع مساعدتي».
حتى في حالة اللاجئين المسجلين، يمكن أن تكون العودة إلى بنغلاديش عملية شبه مستحيلة. وتقول تاييبا خاتون: «اعتقدت أنني ذاهب إلى الهند لأعمل في وظيفة جيدة، لكن عندما وصلت إلى هناك أدركت أنني قد جرى بيعي إلى بيت للدعارة مقابل 30 ألف تاكا (350 دولاراً أميركياً). انتهى بي المطاف في نيودلهي. في النهاية تم إنقاذي ونقلني إلى ملجأ حيث قضيت أكثر من أربع سنوات. لقد اعتنوا بنا، لكنه كان سجنا. لم يكن هناك سقف أو حديقة يمكن أن نذهب إليها».
في نهاية المطاف، تمكنت من الاتصال بأفراد الأسرة الذين عادوا إلى المخيمات عبر مهرب آخر: «من يدري كم من الوقت كنت سأسجن في الهند لو أنني انتظرت الإجراءات القانونية؟ كان من الغباء مني محاولة الهرب. لكنني أردت أن يكون لأطفالي أمل على الأقل في مستقبل أفضل».
يتفاقم الشعور العام بعدم اليقين بشأن ما يحمله المستقبل من تهديد الإعادة إلى الوطن في المخيمات. في عام 2017 حصلت رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة على لقب «أم الإنسانية» بعد فتح الحدود واختيار توفير ملاذ آمن للروهينغا الفارين من الاضطهاد. ورغم وجود دعم في البداية في العامين الماضيين، فقد تلاشى التعاطف الشعبي.
موقف الحكومة الحالي هو أنه لا يجب السماح للروهينغا بتجاوز البقاء في بلادهم وأن الترحيب له حدود، وأن محادثات الإعادة إلى الوطن بين البلدين قد بدأت بالفعل، مما يثير قلق جماعات حقوق الإنسان. وفي إطار هذه السياسة، لا ترفض بنغلاديش فقط توفير التعليم الرسمي في المخيمات، بل تمنع أيضاً المنظمات الإنسانية من القيام بذلك، حيث يُسمح بالتعليم الابتدائي فقط.
كان شمس العلم وماد ياسر يذهبان إلى المدارس الصغيرة التي تديرها الروهينغا في راخين حتى اندلعت أحداث العنف عام 2017 عندما أصبحا لاجئين في سن الرابعة عشرة، وحينها قتل والد شمس.
تقول شمس العلم: «نريد الدراسة أو العمل، لكن لا يوجد شيء نفعله سوى الانتظار للراحة. تقوم بعض المنظمات غير الحكومية بتدريب الفتيات وتعليمهن القيام أشياء لكن لا أحد يهتم كثيراً بالأولاد».
هما مجرد طفلتين من بين نحو 400 ألف طفل من الروهينغا في سن الدراسة في مخيمات اللاجئين البنغلاديشيين الذين تنتهك حقوقهم في التعليم. على الرغم من ذلك، كلاهما على يقين من أنهما سيكبران وسيساهمان في مجتمعهما. ويقول ياسر: «أريد أن يعرف الناس مدى معاناة الروهينغا. سنعمل على مساعدة شعبنا لينعم بحياة أفضل وعلى تحقيق العدالة».
على الرغم من الاتصال المتقطع بالإنترنت في المخيمات التي تقطعها قوات الأمن غالباً بشكل عشوائي، فإن الناس اتبعوا بشغف قرار محكمة العدل الدولية أمس واحتفلوا بهذا القرار الذي طال انتظاره. الآن، يجري الاستماع إلى مطالب العدالة مرة أخرى في جميع أنحاء المخيمات. كثيرون يأملون ويعربون عن امتنانهم لمحاسبة ميانمار أخيراً، لكن البعض الآخر يبدو أكثر تشاؤماً.
أوضح محمد روكيب، أن «الجيش ليس لديه أي سبب لتغيير تكتيكاته، خاصة الآن بعد أن اتخذ سو كي جانبه. على الرغم من أنني آمل أن تكون هذه نقطة انطلاق لأيام أفضل». ويضيف بحزن: «لكنني رجل عجوز، ولا أتوقع أن أرى منزلي مرة أخرى».
بالنسبة للرجال الأصغر سناً مثل نسيم الدين، فلم تضف جلسات الاستماع سوى الملح إلى الجروح. ويقول: «لقد اتهمونا جميعاً بأننا متمردون. هل كانت زوجتي متمردة؟ نحن لسنا حيوانات نحن بشر. قد نقبل الآن أن نعيش الآن في التراب لكن كرامتنا فوق أي اعتبار. أعلم أن العالم لن يمنحنا أي عدالة، ولذلك علينا أن نحقق العدالة بأنفسنا. سيقول لك كل روهينغي نفس الشيء - نريد فقط حقوقنا. أفضل أن أموت بكرامة بدلاً من أن أعيش بقية حياتي هكذا».
- تم تغيير أسماء معينة لحماية الهويات



الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!