في واحدة من الخطوات النهائية اللازمة لإتمام عملية انسحاب بريطانيا من التكتل الأوروبي، المقررة في 31 يناير (كانون الثاني)، وقعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورزولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال أمس (الجمعة)، اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، الذي ينهي علاقة لندن بالتكتل بعد 47 عاماً. ومن المتوقَّع أن يضع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون توقيعه في الأيام المقبلة.
وغردت فون دير لاين على موقع «تويتر»: «قمت أنا وشارل ميشال بالتوقيع توّاً على اتفاق انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، مما يمهّد الطريق أمام البرلمان الأوروبي للتصديق عليه». بدوره، غرّد ميشال قائلاً: «الأمور حتماً ستتغير لكن صداقتنا ستبقى. نفتح فصلا جديدا كشركاء وحلفاء». وأضاف بالفرنسية «أتطلع لكتابة هذه الصفحة معاً».
من المقرَّر أن يوافق دبلوماسيون من الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي على اتفاق «بريكست» خطيّاً الخميس المقبل، ما يضمن خروجاً منظّماً لبريطانيا في تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً، أمس (الجمعة)، بتوقيت لندن، أي منتصف الليل في بروكسل. ومع التوقيع رسمياً على الاتفاق، يُحال النصّ إلى البرلمان الأوروبي في 29 يناير للمصادقة عليه. ومن المقرّر أن يصوت البرلمان الأوروبي بشكل نهائي على الاتفاق خلال جلسته العامة المقررة، يوم الأربعاء المقبل. ويتطلب إتمام الاتفاق خطوة أخيرة الحصول على الموافقة الرسمية لباقي الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي. وتخطّى انسحاب بريطانيا من التكتل عقبة في البرلمان الأوروبي، أول من أمس (الخميس)، مع تصويت لجنته الدستورية على الموافقة على اتفاق الطلاق الذي تم توقيعه مع لندن. ووافق البرلمان البريطاني بالفعل على اتفاق خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي.
وأظهرت الصور الرسمية لمراسم التوقيع، التي أُجريت قبيل الفجر في مقر المجلس الأوروبي في بروكسل، كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه، وهو يتابع الإجراءات.
وستنسحب بريطانيا من مؤسسات الاتحاد، ما يقلّص عدد الدول الأعضاء إلى 27. لكن اتفاق الانسحاب ينص على فترة انتقالية مدتها 11 شهراً تنتهي آخر السنة.
ويحدد النص القانوني للاتفاق المؤلف من أكثر من 500 صفحة تفاصيل انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك البنود الرئيسية المتعلّقة بحقوق المواطنين الأوروبيين، وترتيبات الحفاظ على السلام على طول الحدود البرية لآيرلندا مع المملكة المتحدة، والالتزامات المالية المتبقية على لندن.
ومن غير المتوقَّع أن تبدأ المحادثات التجارية رسمياً بين لندن وبروكسل قبل نهاية فبراير (شباط)، بل حتى مارس (آذار)، وفي تلك الأثناء يعكف بارنييه على إجراء محادثات مكثفة مع الدول الأعضاء في الاتحاد حول مهمته التفاوضية. وبعد الفترة الانتقالية، التي تريدها لندن أن تنتهي مع نهاية العام الحالي، تبدأ بريطانيا وضع قواعدها الخاصة بشأن قضايا حساسة، مثل حقوق العمال والمعايير البيئية.
ويقول مسؤولو الاتحاد الأوروبي إن هذا سيعطي بريطانيا أفضلية غير منصفة، وهم يهددون بالرد بفرض رسوم يمكن أن تصيب صناعة السيارات والدواء في المملكة المتحدة. وقال «داونينغ ستريت» الأربعاء: «بمجرد أن نخرج من الاتحاد الأوروبي وفي غضون أقل من أسبوع واحد، سنكون أحراراً في بدء مناقشات مع دول حول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة».
خلال الفترة الانتقالية ستواصل بريطانيا ودول الاتحاد الأخرى تطبيق القواعد التجارية ذاتها لتجنب فوضى اقتصادية، في حين يسعى المسؤولون للتفاوض على اتفاق تجاري أوسع. ويعتبر معظم الخبراء احتمال توصل لندن وبروكسل لاتفاق تجاري شامل في تلك الفترة فكرة طموحة. لكن المسؤولين عبروا عن التفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق ما. لكن بروكسل غير واثقة من إنجاز هذه المهمة الصعبة خلال أقل من عام، كما حذرت من أنه كلما ابتعدت المملكة المتحدة عن معايير الاتحاد الأوروبي، سيقلّص ذلك من قدرتها على الوصول للسوق الأوروبية الموحدة الضخمة.
وقد يستغرق إبرام اتفاق تجارة حرة شامل على غرار الذي وقعه الاتحاد الأوروبي مع كندا سنوات.
وأيّد الناخبون البريطانيون الانسحاب من التكتل في استفتاء يونيو (حزيران) 2016. وبعد مفاوضات مطوّلة وإرجاء متكرر للطلاق ستنجز الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة بوريس جونسون «إنجاز بريكست»، الأسبوع المقبل.
وأعطت الملكة إليزابيث الثانية، أول من أمس (الخميس)، موافقتها الرسمية للخروج. وتسمح مصادقة الملكة الفخرية على قانون «بريكست» لبريطانيا بالانسحاب من التكتل، بعد سنوات من المشاحنات وثلاث حالات إرجاء لهذا الطلاق. وقال جونسون بعد إقرار مجلسي العموم واللوردات الانسحاب الأربعاء: «في بعض الأوقات بدا وكأننا لن نعبر خط النهاية في (بريكست)، لكننا فعلناها».
وأضاف، كما نقلت عنه «الصحافة الفرنسية»: «الآن، يمكننا وضع الحقد والانقسام خلال السنوات الثلاث الماضية خلفنا والتركيز على تقديم مستقبل مشرق ومثير». ويتوّج الانسحاب، نهاية الشهر الحالي، عودة سياسية لافتة لجونسون في واحدة من أصعب المراحل في تاريخ بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وكان جونسون استقال من حكومة تيريزا ماي عام 2018 احتجاجاً على تقارب شروطها مع تلك التي تضعها أوروبا للانفصال، ثم عاد جونسون ليخلف ماي، في يوليو (تموز) العام الماضي، وتمكّن من التفاوض بشأن اتفاقه الخاص مع بروكسل واستعادة سيطرته على البرلمان من خلال انتخابات مبكرة، الشهر الماضي.
وما تبع ذلك كان مجرد شكليات، حتى إن النواب الجدد بالكاد ناقشوا الاتفاق مع بروكسل قبل إقراره، على الرغم من وصف بعض المحللين له بأنه الأسوأ بالنسبة لبريطانيا مقارنة باتفاق ماي.
وسيحتفل جونسون بهذا الانتصار عبر إصدار عملات تذكارية وترؤس اجتماع خاص لحكومته في الشمال البريطاني المؤيد لـ«بريكست» في 31 يناير (كانون الثاني).
ويعتقد بعض المحللين أن جونسون مستعد لدفع ثمن الأضرار الاقتصادية على المدى القصير من أجل الوفاء بتعهده «إنجاز بريكست». وهو يقول إن مرونة أكبر في المفاوضات مع بروكسل ستساعده في الوصول إلى اتفاق سريع مع الولايات المتحدة ودول أخرى تنمو بمعدل أسرع بكثير من تلك الموجودة في أوروبا. ويقول مسؤولون أميركيون إنهم متحمسون للتوصل إلى اتفاق مع جونسون.
وقال وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، قبل زيارته المرتقبة إلى لندن إن الاتفاق «يمثل أولوية مطلقة للرئيس ترمب ونتوقع استكماله معهم هذا العام». وأضاف وزير التجارة الأميركي ويلبر روس أن علاقة جونسون مع واشنطن ستكون أسهل أكثر منها مع بروكسل، لأن «هناك مشكلات أقل بكثير بين بريطانيا والولايات المتحدة».
أسبوع حافل من التوقيعات على «بريكست»
مجلسا العموم واللوردات والملكة إليزابيث والمفوضية الأوروبية ولجنة الاتحاد الدستورية... في انتظار توقيع جونسون ومصادقة برلمان ستراسبورغ
أسبوع حافل من التوقيعات على «بريكست»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة