تحول وسط بيروت إلى ورشة ينشط فيها العمال لـ«تصفيح» واجهات المحلات الراقية بعد أن طالتها حجارة المتظاهرين، التي أطاحت بزجاجها في الأيام الماضية. فالمواجهات التي اندلعت في محيط مجلس النواب في وسط بيروت بين القوى الأمنية والمحتجين تركت آثارها على هذه المحلات، ما دفع بأصحابها إلى حمايتها بالألواح المصفحة منعاً لمزيد من الأذى، لا سيما بعد أن فرغت من الزبائن، على ما قال أحد أصحابها.
يقول طوني، وهو صاحب متجر لبيع الهواتف المحمولة، إن الواجهة الزجاجية لمتجره تحطمت منذ يومين. لكنّ ذلك لم يحُل دون متابعته عمله كالمعتاد، وحتى المساء، «إلا إذا دار العنف واشتدت الحالة، حينها أقفل وأهرب. صحيح أن حق الناس بالتظاهر للمطالبة بحقوقهم يجب أن يصان لكن ما يحصل لا علاقة له إلا بحقد دفين، لأنهم لم يسرقوا شيئاً لكنهم اكتفوا بالتحطيم».
ويقول خالد، وهو موظف في إحدى الشركات في وسط بيروت، إن «بعض الموظفين عَلَقوا في المكتب، ولم يستطيعوا المغادرة إلا بمساعدة الجيش، ليسلكوا الطريق البحرية. ومنهم من ترك سيارته مركونة في الكاراج إلى اليوم التالي، لأن الخروج بها من الجحيم الذي شهده الوسط كان مستحيلاً».
متاجر المجوهرات بدورها أفرغت واجهاتها الزجاجية من الحليّ، وبدأت تتحضر لإقفال واجهاتها بالصفائح المعدنية أسوةً بغالبية المتاجر على طول الخط المواجه لمداخل مجلس النواب وساحة النجمة.
أحد الموظفين في محل للملابس، يقول إن «وسط بيروت أصبح خط نار. والمتظاهرون لم يوفّروا واجهة أو شجرة أو أي شيء آخر. لا نعرف إلى أي مدى نستطيع الاستمرار، أو متى سيصرفوننا من العمل. نفتح ونقفل ولا نستفتح». ويضيف: «لا يوجد باب أمل. والحكومة لن تغير شيئاً. البلد انتهى». المنعطف الذي يقود إلى شارع المصارف استعاض عن الأسلاك الشائكة والعوائق التي كانت قد وُضعت منذ 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، ببوابة جديدة سوداء ضخمة يتم فتحها أو إقفالها بموجب أوامر القوى الأمنية المتمركزة داخلها. ولا يدخل الشارع إلا من يتم السماح له بذلك، سواء على الأقدام أو بالسيارات. كما أن الشارع تحوّل إلى ثكنة عسكرية ضخمة، إذ تنتشر فيه عشرات الشاحنات ومئات العناصر من قوى أمن داخلي وفرق مكافحة الشغب.
القوى الأمنية عزلت نفسها هي الأخرى خلف الألواح المصفحة لتحول ساحة النجمة إلى قلعة منيعة يصعب اختراقها والوصول إلى المجلس النيابي عبر أيٍّ من المداخل.
أحد الصحافيين قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يداوم يومياً من الساعة الرابعة بعد الظهر إلى الثالثة صباحاً في بعض الأحيان منذ بداية الاعتصام والانتفاضة. وقد تغير المشهد كثيراً عن بداياته. ففي السابق كان الشغب مرتبطاً بشباب يأتون من الخندق الغميق. أما اليوم، فالغالبية تأتي من عكار. لهجتهم تدل على ذلك». ويضيف: «يحزنني كثيراً ما حصل خلال الأيام الماضية. فليس سهلاً أن أرى مدينتي تتحطم على أيدي هؤلاء الغاضبين. أشعر بأنني أريد أن أرمي آلة التصوير جانباً وأدافع عنها. فالمدينة التي عمّرها الشهيد رفيق الحريري ومسح عنها آثار الحرب الأهلية تتعرض لأعنف التعديات هذه الأيام. فهؤلاء الذين يقتلعون الحجارة جاءوا للأذى لا لتحقيق مطالب معيشية. ماذا يريدون من الشجر ليقتلعوه ويرموه على القوى الأمنية؟».
إلا أن أحد المعتصمين في ساحة الشهداء يرفض وصف المتظاهرين الغاضبين بالمندسين. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «السلطة الغارقة في غيبوبتها هي السبب في كل ما يحصل. وما سرقته طوال كل هذه السنوات أكثر بكثير من بعض الزجاج والحجارة التي اقتُلعت من الأعمدة. ولن نتوقف حتى تسقط هذه السلطة».
الأمن اللبناني حول مجلس النواب إلى قلعة منيعة
متاجر وسط بيروت الراقية حمت واجهاتها بألواح مصفحة
الأمن اللبناني حول مجلس النواب إلى قلعة منيعة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة