مجزرة نازحين في إدلب... وواشنطن تلوّح بـ«أشد الإجراءات»

«المرصد» ينفي أنباء روسية وسورية عن هجمات لفصائل مقاتلة

TT

مجزرة نازحين في إدلب... وواشنطن تلوّح بـ«أشد الإجراءات»

قُتل ثمانية مدنيين، غالبيتهم أطفال نازحون، في غارات شنّتها طائرات حربية روسية في محافظة إدلب في شمال غربي سوريا. وفي وقت لوّحت واشنطن بـإجراءات دبلوماسية واقتصادية ضد دمشق.
وأفادت السفارة الأميركية على صفحتها في «فيسبوك» أمس: «أسبوع آخر والمذبحة مستمرة في إدلب على يد القوات الروسية وقوات النظام. أكثر من 40 مدنياً قُتلوا هذا الأسبوع وحده. هؤلاء الرجال والنساء والأطفال هم أحدث ضحايا حملة العنف الوحشية المنظمة لنظام الأسد ضد الشعب السوري. يتعين على المجتمع الدولي مواصلة الضغط على نظام الأسد. وإن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ أشد الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية ضد نظام الأسد وأي دولة أو فرد يدعم أجندته الهمجية». وتشهد محافظة إدلب ومناطق محاذية لها، والتي تؤوي ثلاثة ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين، منذ ديسمبر (كانون الأول)، تصعيداً عسكرياً لقوات النظام وحليفتها روسيا، يتركز في ريف إدلب الجنوبي وحلب الغربي، حيث يمر جزء من الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية: «تشهد المنطقة قصفاً جنونياً تشنه الطائرات الروسية»، مشيراً إلى مقتل خمسة مدنيين من عائلة واحدة بينهم ثلاثة أطفال في مدينة سراقب وثلاثة آخرون بينهم طفلان في بلدة أرنبة في ريف إدلب الجنوبي.
وأفاد مراسل في سراقب بأن القتلى نازحون يسكنون خيمة استهدفت الغارة مكاناً قريباً جداً منها. ونقل مشاهدته للخيمة وقد تمزقت بالكامل، ولم يبقَ منها سوى هيكلها وثياب مرمية بين الحجارة والأغراض المنزلية المكسرة، وإلى جانبها بقع من الدماء.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من محافظة إدلب ومناطق محاذية لها في غرب حلب وشمال اللاذقية وشمال حماة، كما تنتشر فيها فصائل أخرى أقل نفوذاً. وصعّدت قوات النظام وحليفتها روسيا منذ ديسمبر الفائت، عملياتها في المنطقة وتحديداً في ريف إدلب الجنوبي، ما دفع نحو 350 ألف شخص إلى النزوح باتجاه مناطق شمالاً أكثر أمناً، وفق الأمم المتحدة. وبعد أسابيع من القصف العنيف، أعلنت روسيا في التاسع من الشهر الحالي، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أكدته تركيا لاحقاً، إلا أنه لم يستمر سوى بضعة أيام فقط.
وتُكرر دمشق نيتها استعادة كامل إدلب ومحيطها.
ومنذ سيطرة الفصائل المقاتلة على كامل المحافظة في عام 2015، تصعّد قوات النظام بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشن هجمات برية تحقق فيها تقدماً وتنتهي عادةً بالتوصل إلى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا.
وسيطرت قوات النظام خلال هجوم استمر أربعة أشهر وانتهى بهدنة في نهاية أغسطس (آب)، على مناطق واسعة في ريف المحافظة الجنوبي، أبرزها بلدة خان شيخون الواقعة على الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق.
ويتركز التصعيد العسكري اليوم أيضاً على جنوب إدلب وغرب حلب، حيث يمر هذا الطريق الاستراتيجي، وفق عبد الرحمن. واتهم مصدر عسكري، الفصائل بالتصعيد، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا). وقال المصدر: «أقدمت التنظيمات الإرهابية المسلحة، فجر أمس (الخميس)، على تصعيد ميداني جديد عبر هجوم عنيف نفّذه مسلحو جبهة النصرة (...) باتجاه قواتنا المتمركزة في جنوب وجنوب شرقي إدلب»، مشيراً إلى اشتباكات مستمرة بعدما تمكنوا من «اختراق بعض نقاط تمركز الجيش».
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه لا صحة للمعلومات التي أعلنتها روسيا والحكومة السورية، أمس، حول هجمات عنيفة شنها مسلحو المعارضة على مواقع للقوات الحكومية في إدلب شمال غربي سوريا.
وذكر في المقابل أن الطائرات الحربية والمروحية شنت نحو 400 غارة جوية على عشرات المدن والبلدات والقرى بريفي حلب وإدلب. كما أشار إلى مقتل نحو 119 شخصاً خلال الأيام الثمانية الماضية في المنطقة.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت في وقت سابق اليوم، أن «نحو 40 عسكرياً سورياً قُتلوا وأُصيب نحو 80 آخرين جراء هجوم شنه مسلحون في ريف إدلب»، مضيفةً أن «الجيش السوري انسحب جنوب وشرق منطقة خفض التصعيد في ريف إدلب».
وذكرت قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا، عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أن «قوات الحكومة السورية فقدت صباح أمس، عدة مناطق شرق إدلب لصالح التنظيمات الإرهابية، كما فقدت عشرات العناصر إثر الهجوم الإرهابي صباح اليوم (أمس)». وأكدت القاعدة أن «التنظيمات الإرهابية تمكنت من إخراج القوات الحكومية السورية من منطقتين سكنيتين شرق إدلب».
وقالت روسيا، التي تدعم الرئيس بشار الأسد، إن القوات السورية قتلت ما يصل إلى 50 مسلحاً وأصابت ما يصل إلى 90 مهاجماً بجروح. وأضافت أن الهجمات بدأت أمس (الأربعاء)، موضحةً أن بعض المعارك لا تزال دائرة. وقُتل نحو 40 جندياً وأُصيب ما يصل إلى 80 آخرين بجراح. وأوضحت موسكو أن المهاجمين ينتمون إلى فصائل مختلفة بينها الحزب الإسلامي التركستاني وهيئة تحرير الشام، التي كان اسمها «جبهة النصرة» من قبل، والتي كانت تتبع تنظيم «القاعدة» حتى عام 2016، وأردفت روسيا أن المسلحين كانوا مجهّزين بشاحنات صغيرة وناقلات أفراد مدرعة ودبابات ومدافع ثقيلة. ورأى الاتحاد الأوروبي، أمس، أن استئناف النظام السوري وحلفائه الهجوم على منطقة إدلب في شمال غربي سوريا، أمر «غير مقبول»، وطالب بوقف الضربات الجوية. وقال المتحدث باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: «مرة جديدة تمّ انتهاك وقف آخر لإطلاق النار».
ولم تستمرّ الهدنة التي أعلنتها موسكو، حليفة النظام السوري، وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، في يناير (كانون الثاني)، إلا بضعة أيام.
وأضاف المتحدث أن «استئناف الهجوم على إدلب، بما في ذلك الضربات الجوية وعمليات القصف المتكررة التي تستهدف مدنيين، هو أمر غير مقبول ويجب أن يتوقف». وحذّر من أن «الاتحاد الأوروبي سيُبقي على العقوبات ضد نظام (الرئيس السوري بشار الأسد) ما دامت هذه الهجمات الوحشية مستمرة». وذكّر بأن «الضربات الجوية للنظام السوري وأنصاره في شمال غربي سوريا قتلت ما لا يقلّ عن 35 شخصاً بينهم الكثير من المدنيين والنساء والأطفال في الأيام الأخيرة وتسببت في نزوح أكثر من 350 ألف مدني خلال الشهر الأخير فقط».
ويرى الاتحاد الأوروبي أن «ضمان الوصول السريع والآمن ومن دون عراقيل للمنظمات الإنسانية هو ضرورة مطلقة، بهدف السماح بإيصال المساعدة الإنسانية لكل المدنيين المحتاجين».
وأشار المتحدث إلى أن «الممرات الإنسانية لا يمكن أن تكون بديلاً عن الاحترام الكامل للقانون الإنساني الدولي». وأضاف: «وجود مجموعات إرهابية مدرجة على لائحة الأمم المتحدة، في إدلب هو مصدر قلق للجميع. إن مكافحة هذه الجماعات بالشكل الذي تسمح به الأمم المتحدة، لا يتيح تجاهل القانون الإنساني الدولي».
وختم بالقول إن مواصلة الأعمال العدائية في إدلب قد يدمّر الأمل بـ«حلّ النزاع عن طريق التفاوض، وهو السبيل الوحيد الممكن».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.