تصورات متباينة لمعالجة أزمات الشرق الأوسط في «دافوس»

جانب من جلسة حول الآفاق الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دافوس صباح أمس
جانب من جلسة حول الآفاق الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دافوس صباح أمس
TT

تصورات متباينة لمعالجة أزمات الشرق الأوسط في «دافوس»

جانب من جلسة حول الآفاق الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دافوس صباح أمس
جانب من جلسة حول الآفاق الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دافوس صباح أمس

شهدت جلسة حول الآفاق الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، صباح أمس، وجهات نظر متباينة حول سبل مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تواجه دول المنطقة الشابة.
وشارك في الجلسة التي انعقدت بدافوس، في إطار المنتدى الاقتصادي العالمي، رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ووزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي، ورئيسة مركز «وودرو ويلسن الدولي» جاين هارمن.
وشملت الجلسة التي أدارها رئيس المنتدى، بورغه برنده، حديثا عن الوجود التركي في ليبيا، والنموذج السياسي الأردني، وانتقادا عمانيا لمعالجة مختلف الأطراف الفاعلة أزمات المنطقة.
وقال جاويش أوغلو إن «الجنود (الأتراك) الموجودين في ليبيا موجودون لأغراض تدريبية». وأضاف «ليس لدينا حضور عسكري كبير هناك». وتابع أن بلاده «تبذل قصارى جهدها لتحقيق هدنة دائمة في ليبيا وتسريع المسار السياسي، للتوصل إلى إدارة انتقالية شاملة». وفي رده على سؤال حول علاقة تركيا بروسيا، رغم تضارب مصالحهما أحيانا، قال الوزير التركي: «نحن منفتحون على الحوار رغم اختلاف الرأي. في سوريا، نحن على طرفي النقيض مع روسيا. لكن بعد حادثة حلب، قررنا العمل سويا لإنهاء معاناة الشعب السوري، وأطلقنا آستانة وأشركنا إيران؛ وهي لاعب أساسي. نعمل مع روسيا رغم عدم توافقنا مع موقفها من النظام السوري».
وأضاف «أما بالنسبة إلى ليبيا (...)، فروسيا هي طرف في ليبيا، ونحن بحاجة للتعاون مع كافة الحلفاء لوضع حدّ لهذا الصراع. رغم أننا ندعم (فائز) السراج وروسيا تدعم (خليفة) حفتر». وبالنسبة لإيران، قال جاويش أوغلو: «نعارض العقوبات ولا نريد أن يتحول العراق إلى ساحة مواجهة».
بدوره، استعرض رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز تجربة بلده، الذي قال إنه «شكّل على مدى العقود الماضية مثالا ونموذجا في القدرة على الصمود الاقتصادي والسياسي رغم التحديات التي فرضتها الأوضاع الإقليمية المحيطة». وشدد رئيس الوزراء على أن الأردن عمل على تحسين قدرته المؤسسية، واتخاذ الإجراءات التي مكنته من التعامل مع التحديات المختلفة وتعزيز صموده الاقتصادي والسياسي والسير في الاتجاه الصحيح رغم كل التحديات.
وتطرّق الرزاز إلى أبرز التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن، وقال: «نعاني من بطالة مرتفعة، وهناك شباب يبحثون عن فرص للعمل ولهم احتياجات نعمل على تلبيتها». كما أكّد رئيس الوزراء التعامل الإنساني مع أزمة اللجوء السوري في الأردن، لافتا إلى أنه «لم تقع أي جريمة كراهية واحدة ضد اللاجئين السوريين ونحن فخورون بذلك»، وتابع: «ولكن في نفس الوقت لدينا تحديات كبيرة، أولها أن ما نسبته 20 في المائة من السكان هم لاجئون، كما أن الأردن محاط بحدود مغلقة».
ولفت إلى أن مجموع ما يتحمله الأردن من أعباء وتكلفة استضافة اللاجئين السوريين تصل إلى 2.4 مليار دولار سنويا، في وقت يتلقى الأردن مساعدات من الدول والجهات المانحة تغطي فقط ما نسبته 42 في المائة من الكلف التي يتحملها.
وشدد الرزاز على أنه ورغم التحديات والصعوبات، استطاع الأردن أن يتقدم بعدة مؤشرات في حجم الصادرات الوطنية الذي زاد بواقع 9 في المائة، مثلما ارتفعت مؤشرات السياحة بواقع 10 في المائة خلال عام 2019 كما تقدم الأردن 23 مرتبة في تقرير ممارسة الأعمال. وأشار رئيس الوزراء إلى أن 27 من بين 100 شركة ناشئة في منطقة الشرق الأوسط هي شركات أردنية، بحسب التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في منطقة البحر الميت العام الماضي، رغم أن الأردن يشكل نحو 3 في المائة فقط من عدد سكان المنطقة.
وعن الأزمات السياسية في المنطقة، قال الرزاز إن «ما حدث على المستوى العالمي لم يصب في مصلحة السلام والازدهار في منطقة الشرق الأوسط ولم يؤد إلى إسهام المنطقة بشكل إيجابي في العالم»، مؤكدا أن علينا أن نستقي العبر مما حدث خلال الفترة الماضية، وأن نستفيد منها لجعل العقد الحالي عقدا يعزز من إمكانيات الاستقرار في المنطقة.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن العالم تجاهل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وفكر بحروب ثانوية على حساب هذا الصراع، محذرا من أنه «بعدم الاستجابة لتطلعات الشعب الفلسطيني، فإننا جميعا نخسر معركة رئيسية ونترك المجال ونوفر الأدوات للحركات والجماعات المتطرفة لرفع الشعارات المطالبة بدور لها».
وفيما يتعلق بموضوع الحرب على الإرهاب، أكد رئيس الوزراء أن هزيمة «تنظيم داعش» لا تعني القضاء على الإرهاب، مضيفا أن «الفوز في معركة واحدة لا يعني الفوز في الحرب على الإرهاب، وعلينا أن ندرك هذا تماما حتى لا تكون هناك نسخ جديدة من (داعش)».
وأضاف، علينا توخي الحذر أيضا من التدخلات الإقليمية والعالمية في المنطقة، وإدراك أن موجات اللجوء يمكن أن تساهم في تقويض سيادة الدول ويكون لها تداعيات سلبية كبيرة، مضيفا: «عندما لا يتم احترام سيادة الدول وحدودها، وعندما يتم دعم جهة على حساب أخرى، تبرز المشاكل والتحديات».
وفي هذا السياق، انتقد وزير الشؤون الخارجية العماني التعاطي مع أزمات المنطقة. وقال إن «الشعور الذي ينتابنا هو أن الأطراف المعنية بالنزاعات لا تريد حلها، وإنما إدارتها». وتابع بن علوي الذي يشغل منصبه منذ 48 عاما، أنه «حتى من اجتمع في برلين (في إشارة إلى قمة برلين المخصصة لليبيا) اجتمعوا لحماية مصالحهم وليس لإيجاد حل». وتساءل: «هل ننوي الاستمرار على هذه الوتيرة؟ ماذا نريد أن نراه في الشرق الأوسط خلال 50 سنة المقبلة؟».



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري، خصوصاً أن البلاد خسرت 54 مليار دولار من ناتجها المحلي خلال 14 عاماً.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم، أي خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.