العثماني: المغرب لم يتراجع في مؤشرات الفساد

سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية
سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية
TT

العثماني: المغرب لم يتراجع في مؤشرات الفساد

سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية
سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية

رفض سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، أمس الانتقادات التي وجهها مستشارو الغرفة الثانية بالبرلمان بشأن ما قالوا إنه انتشار وتفشي للفساد في البلاد، ودعا إلى الكف عن «جلد الذات»، والتعامل مع موضوع الفساد بموضوعية، ودون «تهويل ولا تهوين».
وذكر مستشارون في المعارضة، ينتمون لأحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة، العثماني بشعار «إسقاط الفساد»، الذي رفعه حزب العدالة والتنمية إبان انتخابات 2012 والذي ظل برأيهم «مجرد شعارات».
وقال العثماني خلال جلسة المساءلة الشهرية، التي خصصت لنتائج الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، إن قضية الفساد «معقدة وانتظارات المواطنين كبيرة بهذا الشأن»، إلا أنه لم يحدث أي تراجع في مؤشرات الفساد بالمغرب. واستدل العثماني على ذلك بالقول إن المغرب حقق نقلة نوعية في مؤشر إدراك الفساد، وذلك من خلال تحسين تصنيفه بـ17 رتبة، و6 نقاط في ظرف سنتين، محتلا بذلك المرتبة 73 من أصل 180 دولة سنة 2019، بعد أن كان يحتل الرتبة 90 سنة 2017، فضلا عن احتلاله المركز الأول على صعيد شمال أفريقيا والمركز السادس عربيا. كما حقق المغرب نفس التحسن في تقرير ممارسة الأعمال الذي تُصدره مجموعة البنك الدولي سنويا، من خلال تحسين تصنيفه بسبعة مراكز برسم سنة 2019 على المستوى الدولي، ليحتل لأول مرة المرتبة 53 من أصل 190 دولة شملها التقرير، ويكون بذلك على مشارف الولوج إلى دائرة الاقتصادات الخمسين الأوائل عالميا.
وحافظ المغرب، يضيف العثماني، على صدارة دول شمال أفريقيا، وعلى المرتبة الثانية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى المرتبة الثالثة على مستوى القارة الأفريقية.
من جهة أخرى، استعرض العثماني عددا من الإجراءات التي اتخذت لمحاصرة الفساد، ومنها تحسين الخدمات الإدارية الموجهة للمواطنين، والتخفيف من البيروقراطية الإدارية في شتى المجالات، والتوجه نحو رقمنة الخدمات الإدارية من أجل «رفع منسوب الشفافية والنزاهة». كما أشار العثماني في هذا الصدد إلى مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع لموظفي الدولة، الذي يوجد قيد الدراسة بمجلس النواب، وهو ضمن التعديلات التي أدخلت على القانون الجنائي، واعتبره «من أكبر آليات محاربة الفساد»، منتقدا تأخر المصادقة على القانون ومكوثه أربع سنوات في المجلس.
في غضون ذلك، أعلن العثماني أن الحكومة ستعيد النظر في مشروع قانون التصريح الإجباري بالممتلكات «لأنه لم يكن كافيا لمحاسبة المسؤولين».
وبشأن مصير تقارير المجلس الأعلى للحسابات (هيئة مراقبة المال العام)، التي تكشف عن الاختلالات التي يعاني منها عدد من مؤسسات الدولة، أوضح العثماني أن قضاة المجلس يحيلون هذه التقارير تلقائيا على النيابة العامة، إذ جرى على أثرها متابعة الكثير من الموظفين الكبار، كما كشف أن الرقم الأخضر المخصص للتبليغ عن المفسدين مكن من ضبط 130 شخصا في حالة تلبس، وجرى اعتقالهم ومتابعتهم أمام القضاء.
وتوقف رئيس الحكومة المغربية عند مفهوم الفساد، وقال إنه بات يحصر في الرشوة، وهي مظهر واحد فقط من مظاهر الفساد، في حين أن هناك حالات أخرى، منها استغلال وضعية الثقة المخولة، سواء في القطاع العام أو الخاص، لتحقيق منافع شخصية مادية أو معنوية، والتي تأخذ عدة أشكال خصوصا الرشوة، واختلاس أو تبديد المال العام، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال الوظائف، والإثراء غير المشروع، وغسل العائدات الإجرامية، وإعاقة سير العدالة.
وتعقيبا على مداخلة العثماني قال المستشارون إن معظم السياسات والتدابير، التي اتخذتها الحكومة لمحاصرة الفساد على أهميتها ظل «تأثيرها ضعيفا ومحدودا»،
وأبرز أن محاربة الفساد تتطلب «إرادة سياسية، وإقرار ديمقراطية حقيقية، والتحلي بالجرأة والشجاعة للقطع مع ثقافة الريع، والإفلات من العقاب».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.