مصر وتركيا لجولة «إظهار نفوذ» في البحر الأحمر

عكست تحركات مصرية وتركية خلال الأيام القليلة الماضية اتجاهاً لـ«إظهار نفوذ» البلدين بمحيط البحر الأحمر، وتحدثت أنقرة أول من أمس عن تلقيها «عرضا» من الصومال لمساعدته في التنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية، وذلك في أعقاب تدشين مصر الأسبوع الماضي قاعدة عسكرية على سواحلها الجنوبية، المطلة على النطاق نفسه، ووصفتها بـ«الأكبر» في المنطقة.
وتتصدر مصر وتركيا واجهة توترات إقليمية متصاعدة في شرق البحر المتوسط، منذ أكثر من عامين تقريباً، وذلك على خلفية التنقيب عن الغاز، وقد دخل البلدان سجالات قانونية وسياسية، تعلق أحدثها بتوقيع أنقرة، وحكومة «الوفاق الوطني» الليبية على مذكرتي تفاهم بشأن التعاون الأمني والبحري، بما ذلك أنشطة البحث عن مكامن الطاقة.
ووفق ما نقلت «رويترز» مساء أول من أمس عن قناة «إن تي في» المحلية في أنقرة، فإن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قال إن «هناك عرضا من الصومال. يقولون هناك نفط في مياهنا، وأنتم تقومون بهذه العمليات مع ليبيا، وبوسعكم القيام بها هنا أيضا»، مضيفاً أن «هذا مهم جدا بالنسبة لنا (لتركيا)...لذلك ستكون هناك خطوات نتخذها في عملياتنا هناك».
في المقابل، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأربعاء الماضي، قاعدة «برنيس» العسكرية، بحضور عربي ودولي لافت، ضم الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وعددا من المسؤولين المحليين والضيوف الأجانب.
ووصف بيان رئاسي مصري إنشاء القاعدة بأنه «جاء في زمن قياسي خلال أشهر معدودة، لتكون إحدى القلاع العسكرية المصرية على الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي، بقوة عسكرية ضاربة في البر والبحر والجو». كما دعا السيسي بعد أيام من افتتاحه للقاعدة قوات الجيش إلى الوصول إلى «أقصى درجات الجاهزية»، منوهاً بـ«التحديات المتعددة التي تحيط بمصر وتعصف بالمنطقة».
وفي تقدير اللواء سمير فرج، رئيس جهاز الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري، فإن «الغرضين الرئيسيين للقاعدة، يتمثلان في تأمين الملاحة بقناة السويس، وحفظ الاستثمارات والمواقع الاقتصادية بالمياه المصرية، خصوصاً مع بدء عمليات التنقيب عن الغاز والبترول في النطاق نفسه بنهاية العام الماضي».
وأعلنت مصر في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي إرساء «ثلاثة قطاعات للتنقيب عن النفط والغاز في البحر الأحمر على عدد من الشركات، بإجمالي مساحة تقدر بـ10 آلاف كيلومتر مربع، وبحد أدنى للاستثمارات 326 مليون دولار».
بدورها، تنشط تركيا بشكل لافت في الصومال إلى الحد الذي يقول معه الدكتور محمد عبد القادر خليل، رئيس تحرير دورية «شؤون تركية»، لـ«الشرق الأوسط» إن «علاقة مقديشو بأنقرة تكاد تكون أوثق علاقة للدولة الأفريقية في الإقليم كله، خصوصاً مع امتدادها لجوانب عسكرية، وسياسية، واقتصادية».
ودشنت أنقرة في عام 2017 قاعدة تدريب عسكرية في مقديشو، وقالت إنها لتأهيل «أفراد الجيش الصومالي»، ويؤكد خليل أن «الموقع العسكري الأول والأكبر لتركيا خارج حدودها».
على الجانب الآخر، فإن بيانات رسمية لـ«الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر، تشير إلى أن القاهرة «أرسلت في عام 2014 مساعدات إلى مقديشو، تشمل تجهيزات عسكرية ولوجيستية، وذلك في إطار خطة (طويلة الأمد) لدعم المؤسسات الأمنية الصومالية».
وقبل أسبوعين تقريباً، أعلنت السعودية ومصر واليمن، والصومال والأردن وإريتريا، والسودان وجيبوتي تأسيس «مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن»، ومقره الرياض، يستهدف بحسب ميثاقه «تعزيز الجهود لتحقيق المصالح الأمنية والسياسية والاستثمارية، وتأمين حركة الملاحة البحرية في الممر المائي الدولي».
ويعتقد الخبير في الشأن التركي أن «طوال العقود الماضية، كان نطاق البحر الأحمر، هو مركز صراع القوى الإقليمية والدولية، مدللاً على ذلك بالقواعد الأميركية والفرنسية، وأيضاً الإسرائيلية على سواحله»، وتوقع أن «نشهد تنامياً في محاولة إعادة إظهار النفوذ بين الجانب المصري والعربي من جهة، في مقابل الحضور التركي، خصوصاً مع الأهمية الاستراتيجية القصوى للمنطقة، وأثرها الممتد على حركة الملاحة العالمية، والتغلغل في أفريقيا والحضور الدائم في مسارات الفعل الدولي وأمن حركة التجارة العالمية، من جهة ثانية».