ماكرون في القدس... النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي حاضر والجهود السياسية غائبة

TT

ماكرون في القدس... النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي حاضر والجهود السياسية غائبة

لأول مرة، يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ انتخابه ربيع العام 2017، بزيارة رسمية من يومين (الأربعاء والخميس) إلى إسرائيل، التي وصلها مساء أمس، في إطار الاحتفالات بالذكرى الـ75 لتحرير معسكر أوشفيتز النازي.
بيد أن لزيارة الرئيس الفرنسي، إضافة إلى الجانب التذكاري المشار إليه، بعداً سياسياً، إذ سيلتقي رئيسي الدولة والحكومة الإسرائيليين، وأيضاً الرئيس الفلسطيني الذي سيجتمع به في رام الله بعد ظهر اليوم. وسيكون، بطبيعة الحال، ملف النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على طاولة البحث، فيما الجهود السياسية الخاصة به غائبة تماماً، بعد أن انحسرت عن مسرح التداول خطة السلام الأميركية التي أجّل الإعلان عنها شهراً بعد شهر، والآن أصبحت في حالة الموت السريري. ووفق المواكبين للاتصالات الدولية، فإن متاعب الرئيس دونالد ترمب الداخلية، والتوتر مع إيران، والانتخابات الرئاسية الأميركية بصدد إعاقة «صفقة القرن» التي طالما قدمها ترمب والإدارة على أنها «المفتاح السحري» الذي سيوجد الحلول لقضية عالقة منذ أكثر من 70 عاماً.
لكن الرئيس الفرنسي يصل إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية خالي الوفاض من أي اقتراح جديد. وتقول مصادر دبلوماسية في باريس إن ماكرون «لم يهتم بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي، رغم نشاطه على المسرح الدولي وقربه من ترمب وبوتين، وانغماسه في ملفات سوريا وليبيا وإيران والخليج، أبقى الملف المذكور بعيداً عن أولوياته، رغم أنه أعلن أكثر من مرة أنه سيعمد إلى إطلاق مبادرات بهذا الخصوص. لكن هذه المرة لم تأتِ أبداً».
وقال مصدر رسمي فرنسي لـ«الشرق الأوسط»، إن ماكرون «لم يجد الفسحة السياسية والزمنية اللازمة» لإطلاق مبادرة ما، وذلك لأسباب ثلاثة؛ الأول أن الجانب الأميركي طلب من باريس انتظار الإفراج عن خطته للسلام وعدم التعكير عليها. والثاني مرده للوضع السياسي الداخلي في إسرائيل والرفض المسبق والثابت إسرائيلياً لأي مبادرة فرنسية أو أوروبية، لأن تل أبيب تعتبر الأوروبيين، وخصوصاً باريس، «مؤيدة للطرف الفلسطيني» ولأن أي عرض فرنسي - أوروبي سيعطي إسرائيل أقل مما يعطيه ترمب. والثالث تجذر قناعة فرنسية أن «لا شيء يمكن اكتسابه من مبادرة لها حظ ضئيل بالنجاح»، نظراً لإخفاق المبادرات كافة التي أطلقتها باريس في السابق ولتراجعها المعروف عن الإقدام في المواقف الحساسة، كما حصل إبان ولاية الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند، بعد تراجعه عن «التهديد» بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال إخفاق جهوده للسلام.
لكن الدبلوماسية الفرنسية، في بياناتها الرسمية، مثابرة على التأكيد على المواقف «الأساسية» وتبني «محددات الحل»، مثل رفض الاستيطان والتنديد به «كأمر واقع» في القدس الشرقية والضفة الغربية، واعتبار أن الحل الوحيد المقبول للنزاع هو قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل، وأن تكون القدس عاصمة الدولتين. كذلك كان لباريس دور فاعل داخل الاتحاد الأوروبي لمنع البضائع الإسرائيلية المنتجة في المستوطنات من الاستفادة من التسهيلات الأوروبية.
تدافع المصادر الفرنسية عن «خط» باريس، وتؤكد أن فرنسا «لم تكن مقتنعة أبداً بما عرف من الخطة الأميركية». وعندما التأم في المنامة مؤتمر دولي حول الجانب الاقتصادي للخطة، شاركت باريس فيه بمستوى متدنٍ. فضلاً عن ذلك، فإن فرنسا، بعد إعلان ترمب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، انتقدت المبادرة الأميركية وركزت جهودها على تجنب أن تحذو دول من الاتحاد الأوروبي حذو واشنطن.
يقول دبلوماسي عربي معتمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن الرئيس الفلسطيني جاء إلى باريس في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 واجتمع بماكرون في قصر الإليزيه، وقدم له طلباً واحداً هو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وكانت حجة محمود عباس أن إقدام باريس على هذه الخطوة، نظراً لوزنها وتأثيرها داخل الاتحاد الأوروبي، سيجر وراءها دولاً أخرى، ما سيحدث تغييراً سياسياً ودبلوماسياً، ويعيد إطلاق محادثات السلام المتوقفة، وسيعطي باريس دوراً ريادياً. وأشار عباس إلى أن السويد بادرت إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في العام 2014. بيد أن ماكرون رفض الطلب، وكان جوابه أن اعترافاً فرنسياً «فردياً» لن يفيد، وأن المطلوب هو اعتراف أوروبي «جماعي». وبحسب الدبلوماسي المشار إليه، فإن الجواب الفرنسي لم يكن «سوى ذريعة» لأن باريس تعرف أن كثيراً من العواصم الأوروبية تتبنى مقاربة مغايرة، بدءاً من بلدان أوروبا الشرقية، وصولاً إلى ألمانيا. كذلك، فإن فرنسا «لم ترد إحراج ترمب» الذي كان أطلق مبادرته وعهد بها إلى صهره جاريد كوشنير. كذلك، قدم عباس طلباً رسمياً مماثلاً للاتحاد الأوروبي بداية العام 2018، إلا أنه بقي من غير رد.
ثمة قناعة في باريس أن الحكومات الفرنسية المتعاقبة، بغضّ النظر عن انتماءاتها يميناً ويساراً، أوجدت فاصلاً بين علاقاتها الثنائية الممتازة في الحقول كافة مع إسرائيل وبين مقارباتها وانتقاداتها لسياسات إسرائيل إزاء الفلسطينيين. وترجمة هذه الازدواجية، عنوانها إصدار بيانات إدانة أو تنديد لا تعقبها تبعات ملموسة. والسؤال؛ هل ستضع باريس يوماً حداً لها بحيث تتطابق التصريحات والسياسات مع المواقف؟



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».