التقنية الحديثة تقود إلى خسارة الخصوصية

كاميرات وهواتف وتلفزيونات ونظم اتصالات تخترق الحياة اليومية للإنسان

التلقزيونات الذكية تتعقب عادات المشاهدة
التلقزيونات الذكية تتعقب عادات المشاهدة
TT

التقنية الحديثة تقود إلى خسارة الخصوصية

التلقزيونات الذكية تتعقب عادات المشاهدة
التلقزيونات الذكية تتعقب عادات المشاهدة

كشفت آبل النّقاب منذ سنوات كثيرة عن أوّل جهاز آيفون مزوّد بالذكاء الصناعي، ومساعد شخصي ذكي «سيري» القادر على الإجابة عن الأسئلة والمساعدة في متابعة أمور حياتنا اليومية.
في ذلك الوقت، بدأت ثورة الذكاء الصناعي التي عبّدت الطريق لكاميرات جديدة عالية الدقّة على الهواتف كـ«آيفون 4S»، والميكروفونات والكاميرات المنزلية، وجميع أنواع المنتجات التقنية من مكبّرات الصوت المتصلة بالإنترنت، إلى الأجهزة الأمنية، والكومبيوترات، وحتّى المغاسل.

وداعاً للخصوصية!
ومع وصول العقد الماضي إلى نهايته، بتنا نحمل أو نعيش مع أجهزة قادرة على تعقّبنا في كلّ لحظة.
تبيع المقاطعات والولايات الأميركية معلوماتنا الشخصية إلى سماسرة البيانات الذين يعيدون بيعها لنا على شكل «محرّكات البحث عن الأشخاص». وعملت شركتا فيسبوك وغوغل على صقل مهارات التعقّب لديهما بهدف بيع الإعلانات الموجّهة للمسوّقين الذين، وباعتقاد غالبية الناس، يتنصّتون علينا طوال الوقت ويبرعون في تقديم إعلانات بناء على اهتماماتنا الفردية سواء أردنا هذه الإعلانات أم لا.
وقد شكّلت السنوات العشر الأخيرة، العقد الذي كنّا فيه نفقد خصوصيتنا في كلّ مرّة نتّصل بالإنترنت. خاضت شركة آبل معركة عنيفة لحماية خصوصيتنا حُسبت لها علامة فارقة عن منافسيها. ولكنّ المجموعات المعنية بالدفاع عن الخصوصية كـ«منظمة الجبهة الإلكترونية» و«تحالف الخصوصية» بدأت برفع صوتها. وفي أوروبا، أجرى الاتحاد الأوروبي تغييرات مهمّة على قوانين الخصوصية بالنيابة عن المستهلكين. وفي الولايات المتحدة، يدخل قانونٌ جديد يهدف إلى تعقيد عمل الشركات في جمع البيانات وإعادة بيعها حيّز التنفيذ في يناير (كانون الثاني).
وهذه المشكلة ليست جديدة. صحيح أنّ دائرة الناس الذين باتوا واعين لمشاكل الخصوصية توسّعت، وشركات كفيسبوك كشفت عن عدّة خروقات أمنية استهدفت بياناتنا، ولكنّ عدد مستخدمي الشبكة الاجتماعية زاد وأصبحت تجني المزيد من الأموال.
يقول كريس جوردان، الرئيس التنفيذي لشركة «فلوينسي» المتخصصة بتحليل البيانات إنّ «أكبر فارق بين الأمس واليوم هو أنّ الناس لم يفكّروا حقّاً بما تجمعه الشركات عنّا. في ذلك الوقت، لم نكن خائفين على الخصوصية، ولكنّنا اليوم بتنا نخاف». ولكنّ هذا لا يعني أنّه لم يتمّ لفت عنايتنا لهذا الأمر، ففي عام 2011، اكتشف القرصان الإلكتروني والباحث الأمني سامي كامكار أنّ الآيفون وآندرويد (الذي كان يعمل في ذلك الوقت) وهواتف ويندوز كانت ترسل معلومات جي بي إس لصنّاعها، حتّى عندما تكون خدمات الموقع متوقّفة عن العمل، وأعلن اكتشافه لجميع الناس.

«البلوتوث يعمل دائماً»
في عام 2019 أوضح كامكار مراسل «يو إس إي توداي» أنّ الأمور لم تتغيّر كثيراً عن العقد السابق، حيث كان يتمّ إطفاء رمز البلوتوث الأزرق في قسم «كونترول بانل» في الإعدادات العامّة في الآيفون، ومن ثمّ يذهب المستخدم إلى قسم البلوتوث في «عام»، ليتبيّن له أنّ البلوتوث ما زال يعمل.
يقول كامكار إنّ «تعطيل البلوتوث لا يعني قطع اتصال برنامجه الذي يستمرّ ببثّ المعلومات، وبالتالي، يظلّ بإمكاني الحصول من خلاله على اسم المستخدم ورقم هاتفه بمجرّد وجودي في مكان قريب منه، بالإضافة إلى التقاط إشارة البلوتوث الصادرة عن جهازه». وتجدر الإشارة إلى أنّ كامكار شارك في تأسيس شركة «أوبنباث» التي تسعى لاستبدال شارة المكتب التقليدية بواسطة جهاز تعريفي متصل بتطبيق وهو يشغل منصب رئيس قسم الأمن فيها. علاوة على ذلك، سجّلت أعداد أجهزة الاستشعار المحيطة بنا ارتفاعاً غير مسبوق. تتعقّب غوغل اليوم كلّ حركة يقوم بها الفرد، لا سيّما إذا كنتم من مستخدمي تطبيق خرائط غوغل الهاتفي الذي يسجّل تاريخاً عامّاً لمواقع وجودكم سواء كان مفتوحاً ويعمل أم لا.
يقول داني أوبراين، مدير الاستراتيجية في منظمة الجبهة الإلكترونية إنّ «الناس يعلمون أنّه يتمّ تعقّبهم على الهواتف، ولكنّهم لم يكونوا مدركين أنّ الشركات تستخدم بياناتهم بطرق غير مقبولة، أو حتّى أنّ الشركات تملك هذا النفوذ».
ويضيف أوبراين أنّ «مخاوف الخصوصية انتقلت من مرحلة كان فيها الناس متسامحين معها إلى مرحلة القلق الجدّي منها».

كاميرات وتلفزيونات تتعقب
يلجأ معظم الناس إلى تغطية كاميرات الويب المتوفرة في الكومبيوتر ولكنّهم يغفلون غالباً عن كاميرا الهاتف.
توماس تفعل ذلك، خاصة أنها تحمل هاتفها معها إلى الحمّام، ولكنّها دائماً تغطي كاميراته بقطعة قماشية، معلّلة الأمر بأنّها «لا تريد لغريب ما أن يشاهدها وهي تبدّل ملابسها، لذلك تغطّي كلّ الكاميرات».
من الحمّام إلى غرفة المعيشة، شكّلت التلفازات الذكية واحدة من أهمّ الابتكارات التي شهدتها السنوات العشر الأخيرة. تنفي هذه التلفازات الحاجة إلى جهاز تدفّق خارجي وتستورد برامج الإنترنت من خدمات كنتفليكس، وهولو، وديزني بلاس مباشرة إلى الجهاز، دون الحاجة إلى تغيير إعدادات الإدخال الخاصّة بالواجهة متعددة الوسائط عالية الوضوح (HDMI).
شهدت أسعار هذه التجهيزات انخفاضا ملحوظاً، حتّى أنّ الباعة باتوا يقدّمونها على شكل هدايا من خلال عروضات الحسومات المالية التي تقدّم موديلات بمقاسات 40 و50 بوصة بما لا يتعدّى 200 أو 300 دولار، هذه المقاسات نفسها كانت تُباع بنحو 1000 دولار عام 2010.
كيف يستخدم مال بيع التلفازات لبيع بياناتنا مرّة أخرى؟ بهدف تحقيق الربح، يعمل صانعو هذه الأجهزة اليوم على تعويض فارق العروض التخفيضية ببيع عادات المشاهدة إلى سماسرة البيانات ما يتيح لهم الاطلاع على البرامج والشبكات التي تشاهدونها، بالإضافة إلى تحديد موقعكم الجغرافي ومكان سكنكم. يأتي تلفاز سامسونغ الذكي مزوّداً بكاميرا تتيح لمستخدميها إجراء محادثات مصوّرة مباشرة، ولكنّها في المقابل تجعل الجهاز أكثر عرضة للقرصنة. وهنا، تُلقى المسؤولية الكبرى على كاهل المستهلك لحماية أجهزته الذكية بكلمات مرور قويّة، ولا سيّما شبكته المنزلية.
يعيدنا هذا الحديث إلى الكاميرات المدمجة في أجراس المنزل الذكية والتي تزداد انتشاراً. وكما سبق وقلنا، تتعرّض شركة «رينغ» المملوكة من أمازون لهجوم واسع من قبل المجموعات المعنية بالخصوصية بسبب سهولة قرصنة عدد كبير من منتجاتها وليس فقط الأجراس الذكية.
وكانت مجموعة «فايت فور ذا فيوتشر» (حارب من أجل المستقبل) قد أصدرت تحذيرها الخاص من منتجات رينغ التي اعتبرتها غير آمنة، حيث شهدت الفترة الأخيرة بلاغات متكررة من عائلات كثيرة تعرّضت للقرصنة عبر كاميرات صنعتها الشركة.
في الوقت الحالي، ومع طي صفحة العقد الماضي، يمكن القول إنّ الناس بدأوا بمحاربة الاستباحة الواضحة لخصوصيتهم، وإنّ الكثيرين رفعوا الصوت أيضاً في هذه القضية متعهدين بكسر سطوة الشركات الكبرى، ولكن كيف سيبدو المشهد العام بعد عشر سنوات من اليوم، لا سيّما مع إضافة الذكاء الصناعي وتقنية التعرّف إلى الوجوه على كلّ ما يحصل اليوم من تعقّب.
ويحذّر كامكار من أنّ عصر تحوّل فيلم ورواية الخيال العلمي «ماينوريتي ريبورت» الذي تحدّث عن حكومات قادرة على تحديد ما سيفعله الناس بخططهم المستقبلية مسبقاً سيتحوّل إلى حقيقة. ولكن السؤال الحقيقي بحسب كومكار هو: إلى أين سيصل تمادي هذه الاستباحة؟
- «يو إس إي توداي»
خدمات «تريبيون ميديا»



باحثون يختبرون نموذج ذكاء اصطناعي يتلقى أسئلة دينية في سويسرا

فهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي أمر مهم لكنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح في العمل (رويترز)
فهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي أمر مهم لكنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح في العمل (رويترز)
TT

باحثون يختبرون نموذج ذكاء اصطناعي يتلقى أسئلة دينية في سويسرا

فهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي أمر مهم لكنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح في العمل (رويترز)
فهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي أمر مهم لكنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح في العمل (رويترز)

أصدر باحثون وقادة دينيون، الأربعاء، نتائج تجربة استمرت شهرين في كنيسة كاثوليكية في سويسرا، حيث كان هناك صورة لـ«يسوع» على شاشة كمبيوتر تتلقى أسئلة الزوار حول الإيمان والأخلاق والمشاكل المعاصرة، وتقدم ردوداً مستندة إلى الكتاب المقدس.

وقال عالم لاهوت في الكنيسة، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، إن الفكرة كانت للاعتراف بأهمية الذكاء الاصطناعي المتزايدة في حياة البشر، حتى عندما يتعلق الأمر بالدين، واستكشاف حدود ثقة الإنسان في الآلة.

وبعد انتهاء عرض «الإله في الآلة» في كنيسة بطرس الذي بدأ في أواخر أغسطس (آب)، تم تفريغ نحو 900 محادثة من الزوار بشكل مجهّل.

وقال القائمون على المشروع إنه كان ناجحاً إلى حد كبير، مؤكدين: «غالباً ما خرج الزوار متأثرين أو يفكرون بشكل عميق، ووجدوا أن نموذج الذكاء الاصطناعي سهل الاستخدام».

وشجعت لافتة صغيرة الزوار على الدخول والاعتراف، وأضاء ضوء أخضر للإشارة إلى دور الزائر في التحدث، وأضاء ضوء أحمر عندما كان الذكاء الاصطناعي على الشاشة الأخرى يرد.

وغالباً ما كان يمر بعض الوقت قبل الحصول على الرد، وهو دليل على التعقيدات التقنية. بعد الخروج، ملأ نحو 300 زائر استبيانات ساهمت في التقرير الذي تم إصداره يوم الأربعاء.

وقال فيليب هاسلباور، متخصص تكنولوجيا المعلومات في جامعة «لوسيرن» للعلوم التطبيقية والفنون الذي عمل على الجانب التقني للمشروع، إن الذكاء الاصطناعي المسؤول عن أداء دور «يسوع» وتوليد الردود كان «تشات جي بي تي 4 أو»، واستخدمت نسخة مفتوحة المصدر من تطبيق «ويسبر» للتعرف على الكلام.

وأضاف هاسلباور: «استخدمنا تطبيقاً توليدياً للفيديو بالذكاء الاصطناعي من شركة (هايجين) لإنتاج الصوت والفيديو من شخص حقيقي».

وتراوحت أسئلة الزوار حول العديد من المواضيع، بما في ذلك الحب والحياة بعد الموت ومشاعر الوحدة والحرب والمعاناة في العالم، بالإضافة إلى قضايا شائكة مثل حالات الاعتداء الجنسي في الكنيسة الكاثوليكية وموقفها من المثلية الجنسية.

وكان نحو ثلث الزوار يتحدثون الألمانية، لكن تطبيق الذكاء الاصطناعي الذي يتحدث نحو 100 لغة، أجرى محادثات بلغات مثل الصينية والإنجليزية والفرنسية والمجرية والإيطالية والروسية والإسبانية.

وقال ماركو شميت، عالم اللاهوت في الكنيسة الذي قاد المشروع: «بالنسبة للناس كان واضحاً أنه كمبيوتر، كان واضحاً أنه لم يكن اعترافاً دينياً»، وأضاف: «لم يكن مبرمجاً لمنح الغفران أو قيادة الصلوات. في النهاية، كانت مجرد محادثة».

وتعمل بوتات الدردشة مثل «تشات جي بي تي» بواسطة نماذج خوارزمية تم تدريبها على مجموعات ضخمة من النصوص وبيانات أخرى لمحاكاة الكلام وتوليد ردود تبدو فريدة وإنسانية.

وقال هاسلباور: «إذا قرأت التعليقات على الإنترنت حول المشروع، فبعضها سلبي جداً، وهو أمر مخيف».

وقال كينيث كوكير، صحافي ومؤلف وخبير في مجموعة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة تُدعى «الذكاء الاصطناعي والإيمان»، إنه إذا ساعد تطبيق الذكاء الاصطناعي الناس على الاتصال بشكل أعمق بأنفسهم والعالم، فإنه يجب أن يكون شيئاً جيداً.

وأعرب كوكير عن قلقه من أن الاعتماد على هذه التكنولوجيا قد يبعد الأفراد عن أكثر التجارب الروحية عمقاً.