محامون يحضِّرون دعاوى ضد المسؤولين عن العنف من الأجهزة الأمنية

اتهامات لبعض عناصرها بـ«التصرف كميليشيا» في أعنف مواجهات مع المتظاهرين

TT

محامون يحضِّرون دعاوى ضد المسؤولين عن العنف من الأجهزة الأمنية

خيّم الهدوء الحذر على وسط بيروت في أعقاب ليلة أول من أمس التي شهدت مواجهات وصفت بالأكثر عنفاً بين المتظاهرين والقوى الأمنية، وذلك في اليوم الخامس لما أطلق عليه المحتجون «أسبوع الغضب». وفيما كانت الدعوات مستمرة للتظاهر بعد ظهر أمس كان الناشطون يتفقدون ساحات تجمعاتهم، حيث احترق عدد من الخيم ولم يبق في داخلها إلا بقايا من أغراضهم التي اعتادوا على تركها في الداخل، ومنها الأوراق الثبوتية وهواتف وغيرها. لكنهم وبالحماسة نفسها أعادوا نصب الخيم، مؤكدين على المضي قدماً في تحركاتهم رغم الطقس الماطر حتى تحقيق المطالب، رافضين العنف الذي تعرضوا له من قبل القوى الأمنية والذي نتج عنه سقوط عشرات المصابين والموقوفين الذين تم إطلاق سراح معظمهم لاحقاً.
وقال المحامي في «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» علي عباس لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حصل في وسط بيروت ينتهك حقوق الإنسان والقوانين الدولية، وتحديداً استخدام الرصاص المطاطي على الرأس، والذي لا يفترض أن تستخدمه الشرطة إلا في حال الخطر الشديد على الحياة. وحتى في حالة هذا الخطر يُطلق الرصاص المطاطي على الأرجل. لكن توجيه الرصاص إلى الرأس تسبب في إصابة الشاب عبد الرحمن جابر، البالغ 18 عاماً، وفقدانه عينه. كذلك أطلقت القوى الأمنية القنابل المسيلة للدموع على المحتجين ومن مسافة قريبة، في حين يجب أن تطلقها في الهواء. والتجاوز الثاني هو تعرض الموقوفين إلى الضرب على يد الأجهزة الأمنية التي كانت تمنع معاينة الطبيب الشرعي لمن تضربه، وتدعي أن ما به من كدمات هي نتيجة العراك في الشارع. والأهم أن معظم المصابين ضُرِبوا من الخلف على رؤوسهم، وهم يحاولون الهرب من عنف الأجهزة الأمنية حيالهم. كما تعرضوا إلى رشق بالحجارة من هذه القوى. فالواضح أن من تم الاعتداء عليهم وتوقيفهم لم يقوموا بأعمال الشغب، لأن هؤلاء لديهم القدرة على المواجهة أو الهرب».
وينفي عباس ما يتم ترويجه عن «مندسين» و«مأجورين» لتبرير ما حصل قائلا: «يصعب ضبط الشارع بعد ثلاثة أشهر من التظاهر، فهناك بعض المتظاهرين الذين لا يستطيعون البقاء سلميين لدى استفزازهم، فيتحمسون ويواجهون منعهم وقمعهم، ولا يهتمون بالعواقب». وأضاف «رافقت المتظاهرين من منطقة البربير إلى وسط بيروت. وكانوا شرائح واسعة وجامعة لأطياف المجتمع اللبناني، كسروا كل الانتماءات الطائفية والولاءات للزعماء. ونشكر الله على عدم سقوط قتلى لأن الشارع لا يحتمل مثل هذا التطور المأساوي».
وحذر عباس من الأسلوب القمعي للقوى الأمنية، قائلا: «ما حصل أمس من عنف من قبل بعض الأجهزة الأمنية، وتحديداً شرطة مجلس النواب، يظهر أن بعض هذه القوى لا تزال تتصرف كميليشيا تحمي زعيمها وتحتمي به. فحرقوا الخيم في الساحات، وكادوا أن يتسببوا في كوارث، ولم يتورعوا عن نفي ما ارتكبوه رغم الفيديوهات التي توثق ذلك. في حين حرص شرطيون آخرون على الالتزام بعدم الاعتداء على المتظاهرين. ونحن كمحامين بصدد تحضير دعاوى قضائية شخصية على كل من يظهره التحقيق مسؤولاً عن الأذى الذي تعرض له المتظاهرون أول من أمس، وربما تطال هذه الدعاوى المسؤولين الأمنيين والسياسيين الذين أعطوا الأوامر والعناصر التي ارتكبت هذه الاعتداءات، لأن الكاميرات صورت ما جرى وكل المعطيات واضحة». كما حذر من «تنفيذ أجندة سرية لشيطنة الثورة وتحويل وسط بيروت إلى منطقة عسكرية. لأن عواقب مثل هذه الأجندة ستكون خطيرة، لا سيما مع استمرار الأزمة الاقتصادية.
وفي شوارع الوسط التجاري كانت أيضاً آثار المعركة واضحة، مثل تحطيم واجهات عدد من المباني وبعض مراكز السحب الآلي لبعض المصارف. ووفق المصادر الطبية فقد وصلت حصيلة اشتباكات أول من أمس إلى 266 مصاباً في صفوف المتظاهرين و134 جريحاً من عناصر القوى الأمنية بعدما كان قد تحول محيط ساحة النجمة، حيث يقع مجلس النواب، إلى ساحة شبيهة بالحرب. وكانت الاشتباكات قد استمرت ساعات طويلة منذ بعد ظهر السبت وحتى وقت متأخر من الليل، وشملت محيط مجلس النواب وساحتي الشهداء ورياض الصلح، وقامت مجموعات من القوى الأمنية بإحراق خيم الاعتصام، كما بينت الفيديوهات المتداولة على وسائط التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي نفته قوى الأمن، قبل أن يعلن المدير العام اللواء عماد عثمان أمراً بفتح تحقيق بالحادث، وسيتم توقيف أي عنصر اعتدى على الموقوفين».
كما هاجمت مجموعات من المتظاهرين جمعية المصارف وحطمت واجهاتها الزجاجية. وتبادل المتظاهرون والقوى الأمنية التراشق بالمفرقعات النارية والحجارة والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.
وشكل مسجد محمد الأمين قبالة ساحة الشهداء ملجأ للمتظاهرين الهاربين من العنف والضرب، كما تحول مقر حزب الكتائب اللبنانية في منطقة الصيفي، على بعد أمتار من الوسط، إلى مستشفى ميداني استخدمته منظمة «الصليب الأحمر اللبناني» لمعالجة المصابين. وبعد توقيف نحو 34 متظاهراً، أعطى المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات «إشارة إلى الجهات المعنية بالإفراج عن موقوفي الأحداث التي وقعت في وسط العاصمة، باستثناء من في حقّه مذكرات قضائية بجرائم أخرى». كما أنشأ نقيب المحامين، ملحم خلف، غرفة عمليات لمتابعة أوضاع الموقوفين. وطالب بتحقيق فوري بما وصفه بـ«اعتداء سافر من القوى الأمنية»، داعياً «المتظاهرين إلى عدم الاعتداء على القوى الأمنية والممتلكات العامة». وكانت وزيرة الداخلية، ريا الحسن، قد غردت منتقدة «تحول المظاهرات إلى اعتداء سافر على عناصر قوى الأمن والممتلكات العامة والخاصة».
من جانبه، قال الناشط فاروق يعقوب لـ«الشرق الأوسط» إن «قطع الطرق هو إحدى الوسائل الناجحة للضغط على السلطة حتى تسارع إلى القيام بواجباتها. وقد قررت جماعات الحراك الشعبي القيام بسلسلة تحركات تزعج هذه السلطة. ومهما حاولوا ردع المنتفضين لن ينجحوا. وسنكمل». وأضاف أن «الزخم في المشهد له دلالاته والزخم متكامل. وهدف التحرك هو الضغط على من تسبب بالأزمة ليحلها عبر تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين غير سياسيين، ويضعوا خطة إصلاح لإنقاذ البلد. هم جزء من المشكلة وليس الثوار. وعليهم أن يجدوا الخطة الإنقاذية».
كما قال الناشط والأستاذ الجامعي بهجت سلامة لـ«الشرق الأوسط» إن «كل الكلام عن انتهاء الثورة والاتهامات لها بأنها المسؤولة عن الانهيار الأمني لم يعد ينفع. فهم فرضوا حسان دياب لتشكيل الحكومة، وهم يعرقلون كل ما يقوم به. وهذه مهزلة بحد ذاتها». ويشير سلامة إلى أن «التحركات تتحدد كل يوم ليعود الجميع إلى الساحات وتحديداً في ساحتي الشهداء والنجمة قرب مبنى مجلس النواب. وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على التحركات الشعبية اكتمل الوعي بضرورة التنبه إلى جملة نقاط، منها جر الثورة إلى الطائفية، وتسلل حماة السلطة إلى هذه التحركات لتخويف الناس، وأخيراً التشديد على أن زخم التحرك ليس المؤشر الوحيد على استمرارية هذه الثورة. فالعودة إلى ما قبل 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مستحيلة. ولا بد من تغيير هذه الطبقة السياسية الفاسدة لإنقاذ لبنان».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.