خريطة الانتخابات في إسرائيل... الأغنياء يصوتون لـ«الجنرالات» والطبقة الوسطى لنتنياهو

القائمة العربية والأحزاب الدينية الصغيرة تستقطب الفقراء

TT

خريطة الانتخابات في إسرائيل... الأغنياء يصوتون لـ«الجنرالات» والطبقة الوسطى لنتنياهو

في محاولة لفهم سر بقاء بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة الإسرائيلية، أكثر من أي رئيس حكومة قبله، وما هو مصدر قوته ومنبع مؤيديه الثابتين، أجرى عدد من الباحثين تحليلا لنتائج الانتخابات في الدورات الأخيرة فتبين أن الشرائح الاجتماعية الداعمة لحزب الليكود بزعامته هي من الطبقات الوسطى، فيما يصوت الأغنياء الإسرائيليون للحزب المنافس «كحول لفان»، بزعامة بيني غانتس.
وجاء في هذه الدراسة، التي نشرها رئيس تحرير صحيفة «هآرتس»، إلوف بن، أن نتائج الانتخابات الأخيرة دلت على أن «الأغنياء يصوتون إلى كحول لفان (حزب الجنرالات)، بينما الطبقة الوسطى تؤيد الليكود، والفقراء يتوزعون بين القائمة المشتركة والأحزاب الدينية كـ(شاس) ويهدوت هتوراة، وأن هذه (أربع قبائل) تظهر الشروخ في المجتمع الإسرائيلي. فالانتخابات أبرزت الانقسام القبلي، ولأن الدولة تتمتع باستقرار أمني، سياسي واقتصادي، فقد تعززت قوة كلا الحزبين الكبيرين على حساب الأحزاب الصغيرة». وقال: «الانتخابات لا تدور حول ملفات الفساد لرئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو)، وليس حول ضم غور الأردن، وحتى ليس حول التدين والعلمنة. وجميع هذه الصراعات هي مجرد أقنعة، يختبئ خلفها الصراع الطبقي والاقتصادي بين القبائل المتخاصمة».
المعروف أن دائرة الإحصاء المركزية، تقوم بتحديد مكانة 1183 مدينة وبلدة في إسرائيل إلى عشر مجموعات، حسب المستوى الاجتماعي - الاقتصادي لسكانها. المجموعة العاشرة هي الأعلى، والمدن والبلدات في المجموعة الأولى هي الأفقر والأدنى. وتبين من الدراسة أن كتلة «كحول لفان» كانت الفائز الأكبر في الانتخابات الماضية في جميع البلدات والمدن، في المجموعات العاشرة والتاسعة والثامنة. وقد فازت في جميع البلدات في المجموعة العاشرة، وهي ثلاث فقط، وفي 95 بلدة من أصل 97 في المجموعة التاسعة، وفي 242 بلدة من أصل 270 في المجموعة الثامنة. وفي المقابل، لم يفز الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، في أي بلدة في المجموعتين العاشرة والتاسعة، وفاز في 18 بلدة في المجموعة الثامنة، وبينها 3 مستوطنات في الضفة الغربية. وفاز 89 من مجموع 157 بلدة في المجموعة السابعة (بينها 12 مستوطنة). لكن الليكود كان الفائز الأكبر في بلدات المجموعتين السادسة والخامسة. «وهذه هي القاعدة التي تُبقي نتنياهو في الحكم، إلى جانب عشرات المستوطنات والكيبوتسات والبلدات الصغيرة التي يسكنها المتدينون اليهود».
وكانت القائمة المشتركة الفائز الأكبر في 28 بلدة في المجموعة الثالثة، بينها الناصرة وشفا عمرو وسخنين وباقة الغربية، بينما فاز الليكود في أربع مدن وبلدات، بينها اللد، وحققت كتلة «يهدوت هتوراة» فوزا في القدس وبني براك وبيت شيمش، في المجموعة الثانية، بينما فازت شاس في بلدة إلعاد ومستوطنة «عمانوئيل». وفازت القائمة المشتركة في 47 بلدة من أصل 88 تشملها المجموعة الثانية، وفازت في 18 بلدة، تعتبر الأكثر فقرا، في المجموعة الأولى.
ورأى بن أن هذه النتائج تفسر جيدا مواقف الأحزاب ومؤيديها. «حزب الأغنياء، كحول لفان، يريد إبقاء الأمور على حالها، وتطبيق الطريقة الاقتصادية التي تستفيد منها المجموعات العليا، وتقوية المؤسسات النخبوية، وبينها هيئة الأركان العامة، أجهزة الاستخبارات، جهاز القضاء وشعبة الميزانيات (في وزارة المالية). وليس من الصعب أن نفهم ناخبي كحول لفان. فهم الذي بحوزتهم إمكانيات، ويمكن أن يخسروا. يحركهم بالأساس الخوف من فقدان السيطرة والأملاك. وصراعهم ضد التدين هو صراع اقتصادي أيضا ضد المتدينين، الذين يريدون الحصول على المال من العلمانيين في شمال تل أبيب وتحويله إلى المستوطنات والمعاهد الدينية اليهودية. وغانتس، زعيم هذا المعسكر، يمثل الحفاظ على الموجود، ولا يطرح أي تغيير اجتماعي أو اقتصادي». وأما الليكود فإنه يمثل التحولات الاجتماعية، وبإمكان ناخبيه الارتقاء من وسط القائمة إلى المجموعات العليا، ولكن الهبوط إلى أدنى أيضا. ويحركهم الأمل والخوف معا، وبنيامين نتنياهو يعرف جيدا العزف على الأمرين. فهو يعِد أنصار الليكود باستبدال النخب ورفعهم إلى القيادة، ولذلك يحارب «الدولة العميقة» والنيابة العامة ووسائل الإعلام الذين يمثلون النظام القائم. وهو يعانق مؤيديه من أسفل أيضا ويعِدهم بتفوق، رمزي على الأقل، على العرب في المجموعات الدنيا بواسطة قانون القومية وتصريحات عنصرية أخرى.
من جهة ثانية، يواصل نتنياهو محاولته لمنع الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) من عقد جلسة للبحث في طلبه الحصول على حصانة برلمانية. وهو وأتباعه في قيادة الليكود يمارسون ضغوطا شديدة على رئيس الكنيست، يولي أدلشتاين، حتى لا يدعو الهيئة العامة إلى الانعقاد. فنتنياهو الذي طلب من الكنيست أن يمنح حصانة، يسعى بكل قوته لكي لا يتم البحث في طلبه، وذلك لأنه يعرف أن هناك أكثرية ساحقة من 65 نائبا (من مجموع 120) ترفض منحه الحصانة. وهذا يعني أن الكنيست سيرد الطلب الذي تقدم به نتنياهو، وستبدأ محاكمته خلال الشهر الماضي أو الشهر الذي يليه وأن يخوض نتنياهو الانتخابات في 2 مارس (آذار) من قفص الاتهام.
لكن أدلشتاين لم يبت في الأمر بعد، ويتوقع أن يعطي كلمته في كل لحظة. وفي حين يؤكد حزبه (الليكود) أنه لا يمكن أن يستجيب لطلب المعارضة، التي تستغل الكنيست مطية للتخلص من نتنياهو، يرى حزب غانتس أن أخلاق أدلشتاين ستحسم الأمر لصالح القانون وسلطة القانون، وسيدعو لجلسة الكنيست في يوم الاثنين القادم. وهدد الليكود أدلشتاين بضرب مكانته في الحزب في حال رضخ لطلب غانتس وسيتم عقد اجتماع لهيئة الكنيست، فيما هدده غانتس بإسقاطه من رئاسة الكنيست.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.