ليبيا تنزلق إلى الفوضى... والقوى الأجنبية تبحث عن مخرج

سكان طرابلس يرون أن تجدد القتال سيخلّف نتائج كارثية في ظل وجود مرتزقة محترفين

TT

ليبيا تنزلق إلى الفوضى... والقوى الأجنبية تبحث عن مخرج

أرسلت روسيا مئات المرتزقة لدعم الميليشيات التي تحاصر العاصمة الليبية... وفي مواجهة كل ذلك، أرسلت تركيا العشرات من المستشارين العسكريين، وتقوم الآن بإرسال مئات الميليشيات السورية.
يتمنى وليد خشيب، الكاتب بأحد البنوك في ليبيا والبالغ من العمر 35 عاماً، لو أن كل هؤلاء خرجوا من بلاده. وقال خشيب، الذي استفاد من وقف مؤقت لإطلاق النار لزيارة أنقاض منزله المفجَّر في شرق طرابلس: «نحن الليبيين لا نريد قوات تركية أو سورية أو روسية، أو أي قوات أجنبية أخرى. نريد فقط حلاً للمشكلة».
وقالت {نيويورك تايمز} إنه في حين تتنافس القوى على بسط النفوذ، لم تنتبه أوروبا لما يجري سوى مؤخراً. فقد أصبح الصراع في ليبيا، الغنية بالنفط، إحدى أكثر الحروب بالوكالة تعقيداً في الشرق الأوسط، علماً بأن روسيا تدعم الجنرال السابق بالجيش الليبي خليفة حفتر، الذي يحاصر العاصمة طرابلس، فيما تدافع تركيا عن الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة.
وسيجتمع معظم القوى الدولية المهتمة بليبيا في برلين الأحد (اليوم) في آخر محاولات إيجاد سبيل للخروج من أزمة باتت متعددة الجنسيات، ومباحة مجاناً للجميع.
وبدأ رجل ليبيا القوي خليفة حفتر، الذي يبلغ من العمر 76 عاماً، هجوماً على العاصمة في أبريل (نيسان) الماضي، ومع توقف تقدمه في الخريف الماضي، قفزت روسيا وتركيا على جانبي الصراع، مما جعلهما تبدوان ملكي الفترة المقبلة. لكن جهودهما للتوسط في وقف إطلاق النار في موسكو الأسبوع الجاري، انتهت الاثنين، بانسحاب حفتر، ورفضه التوقيع على الاتفاق.
ولم تظهر أي من القوى الأجنبية، الموجودة في ليبيا بدافع المصالح التجارية أو الخدع الجيوسياسية أو التنافس الإقليمي والآيديولوجي، أي استعداد للتراجع حتى الآن.
وقال حفتر إنه سيشارك في المؤتمر، لكنه لم يبدِ استعداداً لقبول أي صفقة تمنحه أقل من السيطرة الكاملة على البلاد. ومؤخراً أظهر قادة الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس استياءً للحاجة إلى حل وسط مع حفتر، بزعم أن التدفق الجديد للدعم التركي قد منحهم إمكانية تحقيق نصر عسكري.
وقال خالد المشري، أحد كبار المسؤولين في الحكومة المؤقتة، في مقابلة أُجريت معه، الخميس: «تركيا ستساعدنا بقدر الإمكان على إلحاق الهزيمة بتقدم قوات حفتر».
ويخشى الليبيون من أنه حتى في حال أسفر اجتماع القمة الدولي عن وقف جديد لإطلاق النار، فقد لا يكون الأمر أكثر من توقف مؤقت، قبل تصعيد جديد للحرب. فيما قال العديد من سكان طرابلس إن تجدد القتال قد تكون نتائجه أسوأ وكارثية في ظل وجود جنود محترفين ومرتزقة مدربين، وليسوا هواة ليبيين.
وكافحت ليبيا للخروج من الفوضى منذ أن أطاحت قوات «ناتو» بمعمر القذافي منذ تسع سنوات، وجعل فراغ السلطة من ليبيا هدفاً مغرياً للقوى الأجنبية الطموحة، التي تتطلع إلى احتياطياتها النفطية الهائلة، وشاطئها الطويل على البحر المتوسط. كما أن حدودها الصحراوية السهلة الاختراق جعلت منها نقطة ضغط بالنسبة إلى الغرب، باعتبارها ملاذاً للمتطرفين، ونقطة انطلاق لآلاف المهاجرين الوافدين إلى أوروبا.
في المقابل، مارست واشنطن لسنوات ضغوطاً علنية وإن كانت قليلة لمنع الشركاء الإقليميين مثل قطر أو تركيا من تأجيج الفوضى من خلال دعم الميليشيات الليبية المتنافسة. وجاءت رسائل واشنطن مختلطة. فبعد أيام من حث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الجنرال حفتر على وقف اعتدائه على طرابلس في أبريل الماضي، اتصل الرئيس ترمب بحفتر ليثني على موقفه. وفي اليوم التالي، شرع حفتر في قصف الأحياء المدنية في العاصمة للمرة الأولى.
وقال المشري: «لم تهتم الولايات المتحدة بالملف الليبي، وهي مشكلة كبيرة. كان من الممكن أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لإجبار حفتر على الجلوس على طاولة المفاوضات». مشيراً إلى أن حفتر عميل سابق لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) ومواطن أميركي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».