حربي حسان ينسج منحوتاته برائحة الحياة الشعبية في معرض بالقاهرة

معالجات فطرية للجسد الإنساني تتسم بالاختزال والتلخيص

الفنان الفطري حربي حسان
الفنان الفطري حربي حسان
TT

حربي حسان ينسج منحوتاته برائحة الحياة الشعبية في معرض بالقاهرة

الفنان الفطري حربي حسان
الفنان الفطري حربي حسان

«الأسلوب الذي يخرج من الفطرة المستقيمة هو أسلوب عصري في جميع العصور»، مقولة للأديب عباس محمود العقاد، يقفز معناها ملموساً للمُتجول بين الأعمال النحتية للفنان المصري حربي حسان، الذي تظهر منحوتاته قدرات موهبته الفنية الفطرية، وتعكس نتاج سنوات بحث فيها عن حلم التغلب على أميته، فاستحق أن ينضم إلى فناني الفطرة.
تحمل أعمال النحات الستيني روح بيئته الريفية، فهو ابن محافظة الفيوم (103 كم جنوب غربي القاهرة)، التي تشتهر بإرثها من الفن التشكيلي، واللوحات التراثية المعروفة باسم «وجوه الفيوم»، بإيقاعها وسماتها المتميزة فنياً، الخارجة عن إطار المألوف. يبرز ذلك على نحو فطري، شديد العفوية في وجوه ومنحوتات الفنان «حربي» - بمعرضه «الزقاق» بدار الأوبرا المصرية، حيث تتسم بالثراء في التعبير ورهافة التعامل مع الخامة، فلكل خامة رونقها، ولكل قطعة انعكاساتها الوجدانية، ووراء كل منحوتة فكرة، تكمن رموز وعلامات لموضوعات بسيطة شديدة الصلة بالمجتمع وثقافته الشعبية، فأعماله تنحاز دوماً إلى الطبقة الشعبية، فنجد المزارع البسيط، والعامل الكادح، والمرأة الفلاحة، وعازف الربابة، وربة البيت المتسوّقة، إلى جانب موضوعاته عن العلاقات الإنسانية، خصوصاً العاطفة بين الزوج وزوجته، ومشاعر الأمومة، وارتباط الأبناء بوالدتهم.
ويلفت إلى أن اختياره عنوان «الزقاق» لمعرضه؛ لكون الزقاق تعبيراً من قلب البيئة الشعبية المصرية، يتوافق مع ما يعبر عنه من أفكار وشخصيات. لا تقتصر سمة الشعبية على أعمال الفنان فقط، بل تمثل جزءاً أساسياً من شخصيته ورحلته وهيئته بجلبابه الريفي وطاقيته البيضاء، وهي السمة التي شحذت فيه بسلاح الإرادة، فكان لها أثر في رحلته نحو عالم الفن متغلباً على أميته. عن هذه الرحلة يحكي: «ولدت بالفيوم عام 1957، ولم أستطع أن أكمل تعليمي، لألتحق بعدها بعدة مهن تتعلق بالبناء مثل نجارة وحدادة المسلح، وأعمل بها طوال سنوات عمري». رغم انشغاله بهذه المهن الشاقة فإنها لم تمنع حبه للرسم، حيث يرسم على الورق رموزاً وشخصيات كانت تجول بخاطره، إلى أن جاء عام 2002 عندما التقى أحد أعلام النحت المصري المعاصر الفنان محمد بكر الفيومي، الذي وجهه إلى عالم النحت، بل أعطاه «طينة» وطلب منه أن ينحتها، لينتج بفطرته أول منحوتة دون تعلم، ليبدأ الطريق منذ هذه الخطوة، حيث شارك بها في معرض «الفن الفطري» في دورته الأولى عام 2002، ومعارض أخرى تالية، ثم توقف لمدة 10 سنوات لظروف عائلية. مجدداً وقبل نحو 7 سنوات؛ عاد الفنان إلى النحت، ليتفوق على نفسه في هذا الفن، يقول: «كانت البدايات النحت على الطين، ثم كان اتجاهي للحجر الجيري الأرخص سعراً، كما أُنتج أيضاً منحوتات من البوليستر والبرونز، لكني أرتاح للحجر، رغم أن العمل به شاق، كما به صعوبة، فأي خطأ يؤدي إلى فشل الفكرة».
يرى المتخصصون أنه رغم تنوع هذه الخامات، فإن منحوتات الفنان حربي تحمل تكويناً بصرياً رصيناً وسلساً، حيث يقدم حلولاً ومعالجات للجسد الإنساني الذي يميل معه إلى الاختزال والتلخيص بشكل متفرد قادر على إظهار جمالياته، كما لا يقوم بمحاكاة أو تقليد غيره، حيث ينحت الحجر بما يجول في وجدانه، وما يختلج في نفسه.
لمزيد من الاحترافية؛ علّم الفنان نفسه فنياً بالتردد على المعارض الفنية المختلفة، يشرح: «هي التي علمتني الفن ومدارسه، لأفهم التجريدية والواقعية وغيرهما، وهذه المعارض وسّعت من أفقي، حيث أتأمل الأعمال المختلفة، كمن يقرأ في كتاب، كما جعلتني أقترب من ناس مختلفة يقدرون الفن، مقارنة بمهنتي السابقة، وهو ما زاد خبرتي حتى وصلت حالياً إلى أن أنقد وأقيّم أعمال غيري، وأبدي رأيي فيها بكل صدق». تتسم أعمال الفنان الفطري بالرقبة الطويلة لشخصياته، بما يعبر عن الشموخ، وهو أسلوب يرى أنه يميز أعماله عن منحوتات غيره. وفي ورشته الصغيرة بالفيوم يعتمد على آلات بعينها، هي الصاروخ والشاكوش ذو الأسنان والأزاميل والمبارد، بينما تختلف الفترة الزمنية التي ينتج فيها قطعة فنية، فقد ينفذها في 3 أيام أو أسبوع أو قد تطول إلى شهر. يروق للرجل الستيني لقب «الفنان الفطري»، فيقول: «هو وصف دقيق، فأنا أعمل على راحتي، لا أتقيد بـ(إسكتش) ولا أحب التقليد، أبدع موضوعاتي بفطرتي، وحالتي النفسية تظهر وتنعكس على العمل، أعبر عن البيئة التي عشتها، بل إنني أحياناً أحلم بشيء ما فأنهض لأنفذه... هي موهبة وإلهام من الله، ليس لي يد فيها، فأنا أُمّيّ، والموهبة أكبر مني».



هل سقط «يوم الثقافة» المصري في فخ «التكريمات غير المستحقة»؟

لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
TT

هل سقط «يوم الثقافة» المصري في فخ «التكريمات غير المستحقة»؟

لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)

تحمس وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو الذي تولى حقيبة الثقافة قبل 6 أشهر، لعقد «يوم الثقافة» بُغية تكريم المبدعين في مختلف مجالات الإبداع، من منطلق أن «التكريم يعكس إحساساً بالتقدير وشعوراً بالامتنان»، لكن كثرة عدد المكرمين وبعض الأسماء أثارت تساؤلات حول مدى أحقية البعض في التكريم، وسقوط الاحتفالية الجديدة في فخ «التكريمات غير المستحقة».

وأقيم الاحتفال الأربعاء برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقدمه الفنان فتحي عبد الوهاب، وكان الوزير قد عهد إلى جهات ثقافية ونقابات فنية باختيار من يستحق التكريم من الأحياء، كما كرم أيضاً الفنانين الذين رحلوا عن عالمنا العام الماضي، وقد ازدحم بهم وبذويهم المسرح الكبير في دار الأوبرا.

ورأى فنانون من بينهم يحيى الفخراني أن «الاحتفالية تمثل عودة للاهتمام بالرموز الثقافية»، وأضاف الفخراني خلال تكريمه بدار الأوبرا المصرية: «سعادتي غير عادية اليوم».

الفنان يحيى الفخراني يلقي كلمة عقب تكريمه في يوم الثقافة المصري (وزارة الثقافة المصرية)

وشهد الاحتفال تكريم عدد كبير من الفنانين والأدباء والمثقفين على غرار يحيى الفخراني، والروائي إبراهيم عبد المجيد، والمايسترو ناير ناجي، والشاعر سامح محجوب، والدكتور أحمد درويش، والمخرجين هاني خليفة، ومروان حامد، والسينارست عبد الرحيم كمال، والفنان محمد منير الذي تغيب عن الحضور لظروف صحية، وتوجه الوزير لزيارته في منزله عقب انتهاء الحفل قائلاً له إن «مصر كلها تشكرك على فنك وإبداعك».

كما تم تكريم المبدعين الذين رحلوا عن عالمنا، وقد بلغ عددهم 35 فناناً ومثقفاً، من بينهم مصطفى فهمي، وحسن يوسف، ونبيل الحلفاوي، والملحن حلمي بكر، وشيرين سيف النصر، وصلاح السعدني، وعاطف بشاي، والفنان التشكيلي حلمي التوني، والملحن محمد رحيم، والمطرب أحمد عدوية.

وزير الثقافة يرحب بحفيد وابنة السينارست الراحل بشير الديك (وزارة الثقافة المصرية)

وانتقد الكاتب والناقد المصري طارق الشناوي تكريم نقيب الموسيقيين مصطفى كامل، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «حتى لو اختاره مجلس النقابة كان عليه أن ينأى بنفسه عن ذلك»، مشيراً إلى أن الاختيارات جاءت على عُجالة، ولم يتم وضع خطوط عريضة لمواصفات المكرمين، كما أنه لا يجوز أن يُرشح نقيب الموسيقيين ورئيس اتحاد الكتّاب نفسيهما للتكريم، وأنه كان على الوزير أن يتدخل «ما دام أن هناك خطأ». لكن الشناوي، أحد أعضاء لجنة الاختيار، يلفت إلى أهمية هذا الاحتفال الذي عدّه «عودة حميدة للاهتمام بالإبداع والمبدعين»، مشدداً على أهمية «إتاحة الوقت للترتيب له، وتحديد من يحصل على الجوائز، واختيار تاريخ له دلالة لهذا الاحتفال السنوي، كذكرى ميلاد فنان أو مثقف كبير، أو حدث ثقافي مهم»، ضارباً المثل بـ«اختيار الرئيس السادات 8 أكتوبر (تشرين الأول) لإقامة عيد الفن ليعكس أهمية دور الفن في نصر أكتوبر».

الوزير ذهب ليكرم محمد منير في بيته (وزارة الثقافة المصرية)

ووفق الكاتبة الصحافية أنس الوجود رضوان، عضو لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة، فإن «الاحتفال حقق حالة جميلة تنطوي على بهجة وحراك ثقافي؛ ما يمثل عيداً شاملاً للثقافة بفروعها المتعددة»، متطلعة لإضافة «تكريم مبدعي الأقاليم في العام المقبل».

وتؤكد رضوان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «تكريم نقيب الموسيقيين لا تُحاسب عليه وزارة الثقافة؛ لأنه اختيار مجلس نقابته، وهي مسؤولة عن اختياراتها».

ورداً على اعتراض البعض على تكريم اسم أحمد عدوية، تؤكد أن «عدوية يُعد حالة فنية في الغناء الشعبي المصري وله جمهور، فلماذا نقلل من عطائه؟!».

ولفتت الناقدة ماجدة موريس إلى أهمية وجود لجنة تختص بالترتيب الجيد لهذا اليوم المهم للثقافة المصرية، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أنه من الطبيعي أن تكون هناك لجنة مختصة لمراجعة الأسماء والتأكد من جدارتها بالتكريم، ووضع معايير محددة لتلك الاختيارات، قائلة: «لقد اعتاد البعض على المجاملة في اختياراته، وهذا لا يجوز في احتفال الثقافة المصرية، كما أن العدد الكبير للمكرمين يفقد التكريم قدراً من أهميته، ومن المهم أن يتم التنسيق له بشكل مختلف في دورته المقبلة بتشكيل لجنة تعمل على مدى العام وترصد الأسماء المستحقة التي لعبت دوراً أصيلاً في تأكيد الهوية المصرية».

المخرج مروان حامد يتسلم تكريمه من وزير الثقافة (وزارة الثقافة المصرية)

وتعليقاً على ما أثير بشأن انتقاد تكريم المطرب الشعبي أحمد عدوية، قال الدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، على «فيسبوك»، إن «أحمد عدوية ظاهرة غنائية غيرت في نمط الأغنية الذي ظل سائداً في مصر منذ الخمسينات حتى بداية السبعينات»، معتبراً تكريم وزير الثقافة له «اعترافاً بالفنون الجماهيرية التي يطرب لها الناس حتى ولو كانت فاقدة للمعايير الموسيقية السائدة».