مخاوف من فرض قيود جديدة على سحب أموال المودعين

بعد مطالبة حاكم مصرف لبنان بـ«صلاحيات استثنائية»

TT

مخاوف من فرض قيود جديدة على سحب أموال المودعين

أثار طلب حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، منحه صلاحيات استثنائية من الحكومة اللبنانية، في كتاب أرسله إلى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، الأسبوع الماضي، بلبلة لجهة الإجراءات الاستثنائية التي سيتخذها الحاكم.
ويتضمن الطلب أن الصلاحيات الاستثنائية تأتي «حفاظاً على الاستقرار النقدي والمصرفي الذي يشكل أحد المهام الأساسية المنوطة بالمصرف المركزي، وحماية للمصالح المشروعة للمودعين والعملاء».
ورغم تأكيد سلامة أن الصلاحيات الاستثنائية لا تعني استحداث إجراءات جديدة، وإنما تنظيم القيود التي طبقتها المصارف العاملة في لبنان على المودعين وتوحيدها لضمان تطبيقها بشكل عادل ومتساوٍ على البنوك والعملاء، فإن مخاوف كثيرة أثارها طلب حاكم مصرف لبنان لجهة إمكانية فرض إجراءات جديدة على المودعين الذين يعانون في الأصل من الإجراءات الحالية، والدليل أن سلامة اعترف في نص الكتاب بأن إجحافاً لحق بحقوق بعض العملاء جراء إجراءات المصارف.
ويعتبر الخبير الاقتصادي ووزير المال الأسبق جورج قرم أنه لا يفترض منح أي صلاحيات جديدة للبنك المركزي في الوقت الراهن، قائلاً في حديث مع «الشرق الأوسط»: «المشكلة أنه لم يعد هناك ثقة بأداء (المركزي) الذي وُجهت إليه كثير من الانتقادات في الفترة الماضية، وعلى النظام النقدي الذي طبقه على مدى 30 عاماً». ويتساءل قرم عن «أسباب تبدل واقع المصارف بين ليلة وضحاها، إذ، وبحسب المصارف نفسها والمدققين الدوليين، فإن أرباح المصارف كانت عالية جداً، فما الذي تغير الآن؟». ويلفت قرم إلى أن 80 في المائة من موجودات المصارف كانت مودعة لـ«البنك المركزي»، وهذا أمر غير صحي.
وكانت المصارف اللبنانية قد وضعت قيوداً شديدة على سحب الأموال، ووضعت سقوفاً خفضتها تدريجياً على سحب الدولار نتيجة نقص في العملة الصعبة، وسط عجز المودعين من تحصيل أموالهم فيما منعت أيضاً بعض التحويلات للخارج منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويعتبر الخبير الاقتصادي محمد زبيب أنه في حال أراد حاكم مصرف لبنان، من خلال طلبه هذه الصلاحيات، قوننة إجراءات المصارف الحالية، فهذا أمر يجب التحذير منه، قائلاً إن هذه التدابير في الأصل «مجحفة بحق أصحاب حسابات الأجور وأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة، ولذلك يجب التخلص منها بدل تشريعها».
وذهب بعض الخبراء أبعد من ذلك، معتبرين أن على سلامة فرض إجراءات وتدابير جديدة مختلفة «تحمي مَن يتوجب حمايتهم وتفرض قيوداً على فئات مختلفة»، بحسب زبيب، الذي تساءل عن حاجة سلامة إلى مثل هذه الصلاحيات، ما دام قانون النقد والتسليف يضمن له صلاحيات كافية على مستوى المصارف، فما الذي ينوي فعله؟
وفي الوقت الذي يخشى البعض من اللجوء إلى سبل غير قانونية لمنح الحاكم هذه الصلاحيات، يقول المحامي جاد طعمة لـ«الشرق الأوسط»: «إن طلب سلامة صلاحيات استثنائية لا يعدو كونه محاولة شرعنة تصرفات اعتمدتها المصارف منذ ثلاثة أشهر، وحتى اليوم، ولا صلاحية لوزير المال في حكومة تصريف الأعمال لإعطاء الحاكم الصلاحيات المطلوبة، التي تتطلب تعديلات قانونية يجب أن تصدر عن مجلس النواب».
ويضيف: «في حال صدور تعميم عن وزير المال بناء لطلب الحاكم، فسيكون تعميماً غير قانوني، ويمكن الطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة». ويلفت طعمة إلى أن «قانون النقد والتسليف يجيز للحاكم التدخل في الحالات الاستثنائية والتعميم على المصارف بضرورة اتخاذ إجراءات معينة، وقد حصل ذلك في مرات سابقة».
وأدَّت الإجراءات المصرفية إلى موجة احتجاجات استهدفت البنوك، فيما استمرت المظاهرات أمام مصرف لبنان رفضاً للسياسات المالية التي يعتبر البعض أنها أوصلت البلاد إلى ما عليه من أزمات مالية ونقدية.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.