هل يخرج بوتين من أرشيفه «المسودة الروسية» للدستور السوري؟

TT

هل يخرج بوتين من أرشيفه «المسودة الروسية» للدستور السوري؟

أعادت اقتراحات الرئيس فلاديمير بوتين بإجراء تعديلات دستورية شملت تقليص صلاحيات سيد «الكرملين»، إلى الواجهة، «المسودة الروسية» للدستور السوري، حيث نصّت على تغييرات مماثلة، بينها «صلاحيات الرئاسة»، وقوبلت بتحفظات شديدة من دمشق وطهران لدى تسلمها في 2016.
وفي إطار جهوده للبقاء في السلطة، قدم بوتين تغييرات في الدستور الذي أُقِر في 1993، نصّت على نقل مزيد من السلطات إلى البرلمان، بما في ذلك السلطة باختيار رئيس الوزراء وأعضاء بارزين في الحكومة، بدلاً من أن يقوم الرئيس بذلك. وهي، تسمح لبوتين بالبقاء في السلطة باحتمالات: الأول، إدارة البلاد من خلال رئاسة البرلمان. الثاني، القيادة من الخلف، باعتباره زعيم الحزب الحاكم، مثل ياروسلاف كازيسنيكي زعيم حزب القانون والعدالة في بولندا، أو الخيار النظام الصيني، بالسيطرة عبر تحديد عدد صغير من المرشحين يتنافسون فيما بينهم بعدما قيد شروط الإقامة للمرشحين. الثالث، قد يلجأ بوتين لرئاسة مجلس الدولة الذي يلعب دوراً استشارياً منذ تأسيسه في عام 2000، كما هو الحال مع دور أول رئيس لكازاخستان نور سلطان نزار باييف، الذي ترك منصبه في العام الماضي وأصبح رئيساً لمجلس الأمن الذي شكّله حديثاً. ولتعزيز هذا الخيار، طالب بوتين بان تنص التعديلات على بند واضح على مهمات وصلاحيات المجلس دستوريا.
التعديلات، التي اقترحها مستشارو «الكرملين» لأسباب تخص بوتين، تتقاطع بشكل كبير مع المسودة التي قدمتها وزارة الدفاع الروسية إلى الجانبين السوري والإيراني قبل نحو أربع سنوات. المسودة الروسية لدستور «الجمهورية السورية»، التي كانت حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، تضمنت كثيراً من التعديلات على الدستور السوري لعام 2012.
كان بين الاقتراحات الاحتفاظ بالنظام الرئاسي وبقاء بشار الأسد رئيساً لنهاية ولايته وقائداً للجيش السوري، مع إعطاء صلاحيات تنفيذية أكبر لرئيس مجلس الوزراء وأخرى تشريعية لـ«مجلس الشعب» وأكبر لـ«جمعية المناطق» التي تتضمن «حكماً ذاتياً للأكراد»، الذين كانوا يسيطرون على ثلث البلاد، وباتوا حالياً يسيطرون على ثلث هذه المنطقة شرق الفرات.
تلك المسودة منحت صلاحيات أوسع لمجلس الوزراء، مع أن للرئيس الحق في تحديد «الاتجاه العام» ويشرف على تنفيذ القوانين، من دون أن يكون مسؤولاً فقط أمام رئيس الجمهورية، بل أيضاً أمام «جمعية المناطق» التي تتسلم من رئيس مجلس الوزراء «برنامج العمل».
كان «رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء مسؤولين أمام رئيس الجمهورية»، لكن ذلك تم حذفه روسياً مع حرمان الرئيس من «إحالة هؤلاء على المحاكمة». كما نصت على أن يكون تعيين نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء بـ«التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية، مع تخصيص بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية». وأضافت مسودة موسكو إلى الحكومة صلاحيات تشريعية بـ«إصدار المراسيم على أساس القانون الذي يعطي الحكومة صلاحيات مناسبة». والبرلمان سيتضمن غرفتين: «جمعية المناطق» أو «جمعية (مجلس) الشعب»، إذ يحق لثلث أعضائها طرح حجب الثقة عن الحكومة أو حجب الثقة عن الحكومة بغالبية أصوات الحاضرين من «الجمعيتين».
وفي إطار تقليص صلاحيات الرئاسة أيضاً التي تتضمن حالياً «تشكيل مجلس القضاء الأعلى ورئاسة مجلس القضاء الأعلى»، فإن مسودة موسكو اقترحت أن تضم «المحكمة الدستورية العليا» سبعة أعضاء «تعيّنهم جمعية المناطق»، بعدما كان يسميهم رئيس الجمهورية؛ إذ يبقى الرئيس قائداً للجيش والقوات المسلحة لـ«الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الإقليمية»، فإن الجانب الروسي يرى في أن «تكون تحت الرقابة من قبل المجتمع، ولا تتدخل في مجال المصالح السياسية». وقالت: «الدفاع وحماية أمن سوريا يسمح بتشكيل قوات مسلحة وغيرها من الوحدات المسلحة»، الأمر الذي قد يكون نافذة لدور «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية وتنظيمات معارضة أخرى.
وقالت المسودة: «بقاء الجيش خارج العمل السياسي يدعم العملية الديمقراطية ويخفف القدرة على السيطرة على العملية».
لكن هذه المقترحات قوبلت بتحفظات علنية وضمنية من دمشق وموسكو، التي تبلغت وقتذاك بأن ما يسري في موسكو لا يصلح في دمشق، نظراً لحجم روسيا الفيدرالية وتاريخها. وقدم الجانب السوري تحفظات وتعديلات كان بينها «إعادة سلطة التشريع إلى السيد الرئيس» وإلغاء «جمعية المناطق» ومناطق «الحكم الذاتي الكردي»، والسماح بانتخاب رئيس الجمهورية الحالي لـ«ولايتين على التوالي»، ما يعني بموجب دستور 2012 أن يترشح الرئيس بشار الأسد لدى انتهاء ولايته في 2021.
اللافت أن بوتين أشار في كلمته، أول من أمس، إلى ضرورة تعديل الدستور لسد ثغرة استفاد منها هو شخصياً كي ينص على أنه «لا يجوز استمرار الرئيس أكثر من فترتين»، مع حذف كلمة «متتاليتين»، التي كانت قد سمحت له بالعودة إلى الرئاسة بعد أول فترتين مستعيناً برئيس الوزراء الحالي ميدفيديف عندما شغل الرئاسة لفترة واحدة من 2008 إلى 2012 ليعود بوتين إليها مرة أخرى لفترتين. وهذا التعديل سيقطع الطريق على احتمال خوض ميدفيديف انتخابات الرئاسة لأكثر من ولاية واحدة مقبلة.
وكانت موسكو شجعت على إطلاق مسار لإجراء إصلاحات دستورية في سوريا، سواء عبر استضافة «مؤتمر الحوار الوطني» في سوتشي، بداية 2018، أو دعم انعقاد اللجنة الدستورية في جنيف بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. لكن موسكو تريثت في تقديم نصائح إلى دمشق لتفعيل المسار الدستوري «ذي القيادة السورية والملكية السورية»، بعد انهياره في نهاية نوفمبر، ما يطرح تساؤلات راهنة عن مدى رغبة بوتين بإخراج «المسودة الروسية» من أرشيفه؟



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».