مع تعثر تأليف حكومة وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، تزداد نقمة اللبنانيين على الطبقة السياسية والمصارف التي تشهد قاعاتها يومياً خلافات صاخبة بين المودعين الراغبين في الحصول على أموالهم والموظفين، في خضم أزمة سيولة حادة تنذر بتصعيد الاحتجاجات التي بدأت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وشهد شارع الحمرا التجاري الذي كان في ما مضى «درّة» بيروت، وحيث مقر البنك المركزي ومقرات وفروع لعشرات البنوك، مواجهات عنيفة ليل الثلاثاء - الأربعاء استمرت ساعات، وأوقعت جرحى، وتخللها إقدام محتجين على تحطيم واجهات بنوك وإلقاء الحجارة على القوى الأمنية التي أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وأعلنت توقيف 59 شخصاً.
وعاد اللبنانيون الثلاثاء إلى الشوارع في بيروت وعدد من المناطق احتجاجاً على تعثّر قيام حكومة كُلّف بتأليفها حسان دياب الآتي من خارج النادي السياسي التقليدي، وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية.
وفي شارع الحمرا، انهمك عمال تنظيف منذ ساعات الصباح الباكر اليوم، وفق ما شاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية، في إزالة زجاج واجهات البنوك المتناثر أرضاً، بينما انصرف عمال صيانة إلى كسر واجهات متصدعة، لإبدالها بأخرى جديدة.
وحطّم المتظاهرون ليلاً الواجهات الزجاجية الصلبة مستخدمين أعمدة إشارات السير التي اقتلعوها من أمكنتها وأنابيب حديدية ومطافئ الحريق. كما حطموا أجهزة الصراف الآلي ورشوها بالطلاء الأحمر وكتبوا على الجدران شعارات مناوئة للبنوك.
واستمرت عمليات الشغب نحو خمس ساعات تقريباً، وتخللها إلقاء المتظاهرين الحجارة على قوات الأمن التي أطلقت الغاز المسيّل للدموع بكثافة. وعالج الصليب الأحمر اللبناني وفق ما قال متحدث باسمه الأربعاء 37 جريحاً من مدنيين وعسكريين ميدانياً، كما نقل ثلاثة مدنيين منهم إلى المستشفى. وأعلن الدفاع المدني من جهته أنه عالج مجموعة من المدنيين والعسكريين في شارع الحمرا، ونقل بعض المصابين الى مستشفيات المنطقة من دون تحديد عددهم.
وأحصت قوى الأمن الداخلي من جهتها إصابة 47 عنصراً خلال الصدامات. وأفادت في بيان الأربعاء عن «توقيف 59 مشتبهاً به في أعمال شغب واعتداءات». وأُطلق سراح عدد قليل منهم بعد التحقيق معهم، وفق ناشطين.
وحضر موظفو غالبية البنوك إلى دوامهم بشكل طبيعي، متفقدين الأضرار التي لحقت بمكان عملهم، قبل أن يستأنفوا استقبال المودعين.
وقالت عليا بعد خروجها من أحد المصارف: «التكسير ليس مقبولاً، لكنني أتفهم غضب الناس الذين باتوا متعبين جداً... عليّ أن أحضر مرتين إلى المصرف أسبوعياً لأسحب 200 دولار، إذ لديّ مريض في المنزل ويجب أن أدفع راتب الممرض»، لافتة إلى أن «القيود التي يفرضونها تجعل حياة المواطن معقدة جداً».
ومنذ أسابيع، ينتظر المودعون ساعات داخل قاعات البنوك لسحب مبلغ محدود من حساباتهم الشخصية بالدولار، بعدما حددت المصارف سقفاً لا يلامس الألف دولار شهرياً. وتشهد المصارف بشكل شبه يومي مشاكل بين الزبائن الذين يريدون الحصول على أموالهم وموظفي البنوك العاجزين عن تلبية رغباتهم. كما لم يعد ممكناً تحويل مبالغ مالية إلى الخارج إلا في حالات محددة.
وتوشك الليرة اللبنانية على خسارة نحو نصف قيمتها عملياً. ففيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات مقابل الدولار، لامس الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية.
ودعت مجموعة تطلق على نفسها تسمية «مجموعة شباب المصرف» إلى اعتصام مساء أمام البنك المركزي الذي حاول المحتجون اقتحامه الثلاثاء، متوعدة حاكم البنك رياض سلامة بالمحاسبة.
وفي لبنان، يتم استخدام الدولار والعملة المحلية في عمليات الدفع اليومية، إلا أن الحصول على الدولار بات مهمة صعبة منذ أشهر ويتهم المتظاهرون البنوك بالتواطؤ مع الصرافين والتلاعب بسعر الصرف.
وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم في ظل أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، بينما ارتفع الدين العام إلى نحو تسعين مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبدت الحركة طبيعية في شوارع بيروت ومحيطها الأربعاء، فيما قطع متظاهرون طرقاً رئيسية في شرق البلاد وجنوبها وشمالها. وأقفلت العديد من المدارس أبوابها.
شارع الحمرا في بيروت يزيل آثار ليلة النقمة على البنوك
شارع الحمرا في بيروت يزيل آثار ليلة النقمة على البنوك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة