تعويل أوروبي على دور روسي لدفع طهران للبقاء داخل الاتفاق النووي

مع التراجع النسبي للتوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، عاد ملف الاتفاق النووي إلى واجهة الاهتمامات الدولية، ومع القلق من النتائج المترتبة على تحلل طهران من التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق الموقع صيف عام 2015.
وما يزيد من المخاوف الدولية خصوصاً لدى الدول الخمس الموقعة عليه، إلى جانب واشنطن التي انسحبت منه ربيع 2018، قرار إيران يوم 5 يناير (كانون الثاني) الحالي، في إطار «الخطوة الخامسة» من التخلي التدريجي عن التزاماتها النووية، تنحية القيود الخاصة بنوعية وأعداد طارداتها المركزية، ما يعني، عملياً، إطلاق العنان لمستوى تخصيب اليورانيوم وللكميات المخصبة.
وكلما ازدادت الكميات وارتفعت نسبة التخصيب، اقتربت إيران مما يسمى «العتبة النووية» واختصرت المسافة التي تحتاج إليها للوصول إلى أول قنبلة نووية. وإزاء هذه المخاطر، تتحرك الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق وتتكثف اتصالاتها مع روسيا والصين، وكلتاهما موقعة أيضاً على الاتفاق.
وآخر الثمار، بيان ثلاثي فرنسي - بريطاني - ألماني صادر عن قادة الدول الثلاث ليل الأحد/ الاثنين، يدعو إيران للعودة إلى العمل بالتزاماتها النووية ويحذرها من نقل ملفها إلى مجلس الأمن الدولي من خلال تفعيل «آلية فض النزاعات» التي يتضمنها الاتفاق. ويصب في السياق عينه وللغاية نفسها، الاتصال الهاتفي الذي جرى أول من أمس، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كشف عن مضمونه بيانان صادران عن الطرفين.
الجديد في هذا الملف هو بروز الدور الروسي والتعويل الأوروبي على موسكو لتلعب دور الوسيط مع طهران. وتعزو مصادر أوروبية ذلك لعاملين: الأول، ضعف الدور الأوروبي «الثلاثي» في التأثير على القرارات الإيرانية بسبب تراجع الأوراق الضاغطة. والدليل على ذلك فشل الوساطة التي قام بها الرئيس ماكرون الصيف الماضي. يضاف إلى ذلك، عجز أوروبا عن الاستجابة لمطالب طهران التي ربطت التراجع عن انتهاكاتها للاتفاق بتمكينها، أوروبياً، من الاستمرار في الاستفادة من المنافع التي وفرها الاتفاق التي أصابتها العقوبات الأميركية في الصميم. أما الأمر الثاني فهو اعتبار الأوروبيين أن موسكو تملك ما يكفي من النفوذ للي ذراع الجانب الإيراني، وهو ما تفتقر أوروبا إليه. لكنها ما زالت تتمسك بورقة آلية فض النزاعات. إلا أنها ترتاب من اللجوء إليها لأن طهران تعدّها «خطاً أحمر»، وأي تفعيل لها سيعني خروج إيران رسمياً من الاتفاق، وهو ما لم تفعله حتى اليوم، بل تؤكد أنها ما زالت ملتزمة به، وتعرب عن استعدادها للتراجع عن كامل الإجراءات التي اتخذتها في حال الاستجابة لشروطها.
في هذا السياق، يفهم الاتصال الهاتفي بين ماكرون وبوتين. وأشار بيان قصر الإليزيه أمس، إلى أن الرئيسين «أكدا رغبتهما المشتركة في المحافظة على الاتفاق النووي، ودعيا إيران للعودة سريعاً إلى احترام كل التزاماتها النووية»، وكذلك الامتناع عن مزيد من العنف. وبالمقابل، أشار بيان الكرملين إلى أن الرئيسين «اعتبرا أنه من الضروري، في سياق التوترات المحيطة بـ(ملف) إيران، أن تتحلى كل الأطراف بضبط النفس، كما حثا على الاستمرار في الجهود الهادفة إلى المحافظة على الاتفاق النووي». بيد أن الرهان الأوروبي على موسكو يتبدى بشكل أفضل في تصريحات هايكو ماس، وزير خارجية ألمانيا التي نشرتها أمس صحيفة «نويه أوسنابروكر» وجاء فيها: «نريد أن تساعد موسكو في المحادثات المرتقبة حالياً، لدفع إيران مجدداً نحو الالتزام بقواعد اللعبة»، مضيفاً أن الاتفاق النووي «عامل استقرار للمنطقة». وذكر الوزير الألماني أن روسيا أعادت تأكيد الالتزام بالاتفاق، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً، وفق الرؤية الأوروبية، للتعاون بين الجانبين.
حقيقة الأمر أن التركيز على المحافظة على الاتفاق يهدف إلى أمرين: الأول، الرد على الرئيس الأميركي الذي حث الدول الموقعة على التخلي النهائي عن الاتفاق وما يريده الأوروبيون هو التمسك برد جماعي رافض للمطلب الأميركي. والثاني، إظهار وجود «جبهة موحدة» تضم الدول الخمس الموقعة بوجه طهران، رغم وجود تمايزات بين الموقفين الأوروبي والروسي. ففي حين يعدّ الأوروبيون أن ما تقوم به طهران انتهاك للاتفاق وإفراغه من أي مضمون ويشكل تهديداً لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي، فإن الجانب الروسي، وفق البيان الصادر عن وزارة الخارجية، لا يرى تهديداً في تخلي الطرف الإيراني عن القيود فيما خص تخصيب اليورانيوم. لكن الوزارة تعيد التأكيد على تمسك موسكو بالاتفاق وتدعو الجميع للتقيد بالتزاماتهم. وثمة مسألة أخرى تدفع الأوروبيين للتنسيق مع موسكو؛ وفحواها أن إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن في إطار تفعيل آلية فض النزاعات يفترض أن تمتنع موسكو والصين عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع لإعادة فرض عقوبات دولية على طهران. من هنا تأتي أهمية التنسيق مع الطرف الروسي لجعل موسكو جزءاً من الدينامية الجماعية التي من الممكن أن تقود يوماً إلى مجلس الأمن.
وثمة من يرى أن الاستعانة بالرئيس بوتين الذي تربط بلاده علاقات جيدة مع إيران، هدفها دفع إيران إلى الامتناع عن التنفيذ العملي لإجراءاتها الأخيرة، أو اتخاذ إجراءات إضافية ستضع أوروبا في موقف بالغ الحرج لن تتمكن عندها من الاستمرار في مقاومة الضغوط الأميركية والتمسك بالاتفاق أو التردد في تنفيذ تهديداتها بنقل الملف إلى مجلس الأمن.
رغم كل التطورات الأخيرة، ما زال الأوروبيون يراهنون على خفض التصعيد ويشددون على استعدادهم للعمل من أجل ذلك وإطلاق حوار مع طهران للمحافظة على استقرار المنطقة، لكن مع طرح 3 شروط: الالتزام بالاتفاق والامتناع عن أي عمل عنفي بالتخلي عن الأنشطة المهددة للاستقرار ووضع البرنامج الباليستي على طاولة البحث، إضافة إلى رسم إطار لمستقبل البرنامج النووي الإيراني على المدى الطويل.