تلويح «أمل» و«التيار» بعدم المشاركة يعقّد مساعي تأليف الحكومة اللبنانية

TT

تلويح «أمل» و«التيار» بعدم المشاركة يعقّد مساعي تأليف الحكومة اللبنانية

لم تخرج جهود تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة من التعقيدات التي تعرقل إقرارها، رغم عزم الرئيس المكلف حسان دياب على الدخول في جولة جديدة من المفاوضات لتذليل العقد التي ستتبلور مع صدور موقف مرتقب لـ«التيار الوطني الحر» الذي يتخذ قراراً اليوم حول مشاركته، بموازاة إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه مستعد للنزول إلى المجلس النيابي لمنح الحكومة الثقة، ولكنه لن يشارك فيها.
وفي وقت كُشف عن أن الرئيس المكلف يسعى للانطلاق بجولة مفاوضات جديدة والقيام بخطوات لتفعيل عملية التأليف، يتخذ تكتل «لبنان القوي» الذي يرأسه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل اليوم موقفاً تجاه الحكومة في اجتماع التكتل، تم استباقه بتسريبات عن أن التكتل لن يشارك في الحكومة، وفق الخيار الذي وضعه دياب.
تلميحات التكتل تلتقي مع انتقاد بري لدياب، إذ اعتبر أنه وضع قيوداً على نفسه، في إشارة إلى إعلان دياب أنه يريد تشكيل حكومة من الاختصاصيين حصراً.
وقال بري أمام وفد نقابة الصحافة الذي زاره أمس إن «السبب الذي دفعني إلى الموقف الأخير، أنني لاحظت أن الرئيس المكلف وضع قيوداً لنفسه. لا الكتل التي سمته طلبت منه هذه القيود ولا الكتل الأخرى، ومنها عدم توزير النواب والوزراء السابقين. وهنا أسأل: إذا كان هناك وزير سابق وناجح فلماذا استبعاده؟ ثم طالب بحكومة اختصاصيين، نحن معه، لكن ما لم نفهمه بوزراء مستقلين، فهل الاستقلالية ألا يكون الوزير منتمياً، وأن من قام بتسمية الرئيس المكلف هم قوى سياسية وحزبية، وهذه الأحزاب لديها اختصاصيون وكفاءات».
وقال بري: «أريد حكومة تحارب الفساد، نريد حكومة وزراء لديهم الكفاءة لإنقاذ البلد مما نحن فيه، فلماذا رئيس الحكومة يقيد نفسه بأمور لا يفرضها الدستور ولا الأعراف؟». وسأل عمن سيختار المستقلين في نهاية المطاف، «أليس الكتل النيابية والقوى السياسية التي سمت الرئيس المكلف»، مشدداً على أنه «من المفترض أن يشكل حكومة إنقاذ تضم أشخاصاً يتمتعون بالكفاءة ونظافة الكف».
وجدد القول إنه «مستعد للنزول إلى المجلس النيابي وأمنح الحكومة التي يريدون تشكيلها الثقة، ولكن لن أشارك فيها». وأضاف: «أريد الدكتور حسان دياب، ولكن لا أريد له أن يقيدني ويقيد نفسه، هو لم يمش معي ولكن أنا سأمشي معه». وأكد أنه يريد حكومة «بغض النظر عن اسمها. لقد رفضت حكومة سياسية صرفاً، والحل هو السير بحكومة بأسرع وقت ممكن».
وكان المكتب الإعلامي لباسيل أكد في بيان، صباح أمس، أنه «لم يغيّر موقفه لحظة واحدة وبقي مصرّاً على حكومة اختصاصين»، ‏مؤكداً أن «التيار الوطني الحر ملتزم بدعم حكومة مؤلفة من شخصيات تتمتع بالجدارة والنزاهة وتحظى بالثقة».
وفي ظل التلبد الذي يسيطر على المشهد الحكومي، رأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «الأزمة في لبنان تتجه من سيئ إلى أسوأ في ظل استمرار الانهيار والتدهور الحاصل فيه، لأنه عندما تكون هناك أزمة بهذا المستوى في أي بلد من البلدان، يجتمع الجميع لأجل الإنقاذ ووقف التدهور والانهيار ومسلسل الأزمات والنزيف»، مشيراً إلى أن «ما يحصل في لبنان، أن الكيديات والانقسامات وتصفية الحسابات، زادت من سوء الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وعمقت جراح الوطن والأزمات المالية والاقتصادية».
وشدد في تصريح له على أن «حزب الله كان موقفه منذ البداية بأنه لا يفتش عن مكاسب أو عن حصص، وإنما يفتش عن أفضل وأسرع السبل لوقف الانهيار وإنقاذ البلد، وذلك من خلال تشكيل حكومة موثوقة قادرة إنقاذية، وهذا لمصلحة الجميع»، لافتاً إلى أن «أكثر ما نخشاه اليوم بعد كل ما قدمه حزب الله من تسهيلات وجهود لأجل ولادة الحكومة، أن تتبدد المناخات الإيجابية، ونخسر الفرصة المتاحة لتشكيل حكومة إنقاذية».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.