المؤسسات تسعى إلى استئناف عملها وسط تعثر تشكيل الحكومة

الخلاف بين باسيل ودياب بلغ مرحلة جديدة «أكثر تعقيداً»

اللبنانيون يحتشدون في الشوارع مجدداً مطالبين بتشكيل الحكومة ويهتفون ضد الطبقة السياسية في بيروت (أ.ب)
اللبنانيون يحتشدون في الشوارع مجدداً مطالبين بتشكيل الحكومة ويهتفون ضد الطبقة السياسية في بيروت (أ.ب)
TT

المؤسسات تسعى إلى استئناف عملها وسط تعثر تشكيل الحكومة

اللبنانيون يحتشدون في الشوارع مجدداً مطالبين بتشكيل الحكومة ويهتفون ضد الطبقة السياسية في بيروت (أ.ب)
اللبنانيون يحتشدون في الشوارع مجدداً مطالبين بتشكيل الحكومة ويهتفون ضد الطبقة السياسية في بيروت (أ.ب)

تستأنف المؤسسات اللبنانية عملها بدءاً من متابعة تصريف الأعمال في الحكومة المستقيلة، وانعقاد مجلس النواب اللبناني في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري لإقرار موازنة المالية لعام 2020، إثر دخول البلاد في مرحلة جديدة من التأزّم السياسي الذي أعاد مهام تشكيل الحكومة إلى المربع الأول.
وقالت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن التأزم السياسي على خلفية الصراعات بين القوى السياسية والفرقاء المعنية بتشكيل الحكومة، وخصوصاً بين وزير الخارجية جبران باسيل والرئيس المكلف حسان دياب، بلغ مرحلة جديدة «أكثر تعقيداً من مرحلة ما قبل تكليف دياب بتأليف الحكومة»، لافتة إلى أن الاتجاهات تسير نحو تصريف الأعمال الذي اتسم بالتراجع، خلافاً لتجارب تصريف الأعمال في الحكومات السابقة، وإلى الاتجاه لإقرار موازنة المالية العامة.
ويأتي ذلك في ظل دخول البلاد مرحلة جديدة من التأزم السياسي أكثر تعقيداً من المرات السابقة، ما عرقل إقرار الحكومة برئاسة حسان دياب وأعاد مباحثاتها إلى المربع الأول. وقالت مصادر مطلعة على مسار التأليف لـ«الشرق الأوسط» إن هناك اشتباكاً مفتوحاً بين دياب وباسيل، إضافة إلى اشتباك غير مباشر بين دياب والرئيس اللبناني ميشال عون عبرت عنه تصريحات وبيانات وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي حول الصلاحيات وغيرها، وهو ما تنظر إليه المصادر على أنه «يخوض معركة الرئيس عون إدارياً، بينما يخوض معركة باسيل سياسيا». إضافة إلى ذلك، هناك تباين يجري العمل على تذليله بين دياب وبري، فضلاً عن ممانعة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية عن المشاركة، إذا كانت حصته أقل من وزيرين.
وأوضحت المصادر أن الاشتباك مع باسيل «يعود إلى أن التيار الوطني الحر يتحدث بمقاربات متضاربة حول الحكومة، بينما يعتبر فرنجية أن باسيل يريد السيطرة على الحكومة بأسماء مقنعة»، لافتة إلى أن فرنجية وبري «يتصديان لمحاولات باسيل السيطرة على الحكومة». وقالت المصادر: «يحاول باسيل التصرف على أن الحكومة هي حكومته برئاسة دياب، وهو ما يرفضه الرئيس المكلف».
واستدلت المصادر إلى موقف دياب الذي عبّر فيه عن رفضه لأن يكون مكسر عصا، وهو بذلك «يخاطب السنة بأنه ليس ضعيفاً أمام شروط باسيل، ويحافظ على موقع رئاسة الحكومة وصلاحيات رئيسها ولا يتنازل ولا يخضع للابتزاز»، علما بأن اتصالاته بدار الفتوى مقطوعة، ولم يُسجّل أي لقاء له مع مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، في وقت تتحدث معلومات عن جهود واتصالات تُبذل لتصحيح العلاقة بين الطرفين.
وفي المقابل، رأت المصادر أن دياب يحاول تصحيح علاقته مع بري بعد تصعيد الأخير لجهة التهديد بالإحجام عن المشاركة في الحكومة كردّ على شروط تُرفع بوجهه، قائلة إن تصريحات دياب الأخيرة توحي بعزمه على تصحيح العلاقة، علما بأن الاتصالات مقطوعة بين الطرفين ولم يُسجل أي لقاء بينهما بعد اللقاء البروتوكولي في مجلس النواب إثر تكليف دياب. وقالت المصادر إن دياب يحاول تصحيح علاقته مع بري، في وقت يعمل «حزب الله» على تجنب اتخاذ موقف مواجهة مع أي طرف، مع أنه مؤيد لبري وطروحاته. وأضافت المصادر «إذا كان بري وفرنجية وطبعاً (حزب الله) سينضمون إلى موقف بري، ويمانعون المشاركة في الحكومة، فكيف ستتشكل؟» وأمام هذه التعقيدات التي تنسحب على اختيار الأسماء، وخصوصاً الوزراء السنة واسم وزير الخارجية المقبل، لم يتحقق أي خرق، وهو ما يدفع متابعة تصريف الأعمال بعد إجازة الحريري الخارجية، وإقرار الموازنة.
وأشارت المصادر إلى أن الاتصالات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري قائمة، وأفضى ذلك التواصل إلى تعهد الحريري بالعودة إلى بيروت والمشاركة في جلسة إقرار موازنة المالية لعام 2020 التي يُرجح انعقادها في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، بهدف منع الإنفاق في المال العام وفق القاعدة الاثني عشرية، التي يُقصد بها الإنفاق خارج الموازنة العامة بناء على أرقام الموازنة السابقة، ويسمح القانون بالإنفاق وفق هذه القاعدة في الشهر الأول من السنة فقط، ريثما يقر البرلمان الموازنة الجديدة التي تحيلها إليه الحكومة، وذلك قبل نهاية الشهر الأول من السنة.
وكانت الحكومة المستقيلة قد أقرت الموازنة وأحالتها إلى البرلمان الذي درست لجنة المال والموازنة فيه مشروع الموازنة تمهيداً لإرسال ذلك إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لإقرار الموازنة. وقالت المصادر إن إقرار الموازنة «يعد ضرورة بالغة في ظل هذه الظروف» بالنظر إلى أن موازنة 2020 تتضمن عصراً كبيراً للنفقات وتتسم بأنها موازنة تقشف، وذلك في ظل تراجع موارد الدولة ووارداتها إثر الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاحتجاجات في الشارع. وعليه، لا يمكن الاستمرار بالصرف وفق موازنة 2019، وقالت المصادر إن الإنفاق يجب أن يتقلص ويوضع سقف له، بحسب ما تقتضي موازنة 2020، وتلتزم البلاد بالإنفاق تحت سقف مقررات مؤتمر سيدر وتخفيض العجز المتنامي في ظل تراجع الواردات المالية للدولة.
من جهته اعتبر رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان أن «معركة الرئيس المكلف أو أي حكومة جديدة هي أن تنال ثقة الناس، فيما لا نستطيع بالعقلية السائدة وبنفس الأشخاص أن نصل إلى نتائج مختلفة»، مضيفاً أن «التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة غير مفهوم في ظل الظروف الحاصلة في البلاد»، مشيراً إلى أنه «يدل على تخبط للعودة إلى الواقع الذي كنا عليه سابقاً». وقال عدوان في حديث تلفزيوني: «كقوات لبنانية لا نريد أن نحكم على النوايا، وحكمنا على الرئيس المكلف سيكون عند إعلان تشكيلة حكومته»، لافتاً إلى «أننا كنا نحاول قبل 17 تشرين أن نأخذ الآخرين إلى التوجه الصحيح لإنقاذ الوطن».



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.