محادثات بين إردوغان والسراج في إسطنبول

اتصالات مع روسيا وإيطاليا... والجزائر تدعو إلى «عودة سريعة» للحوار

TT

محادثات بين إردوغان والسراج في إسطنبول

التقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إسطنبول، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج، أمس، بعد ساعات من سريان وقف لإطلاق النار في ليبيا.
وأعلن كل من الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق قبولهما وقف إطلاق النار الذي دعا إليه الرئيسان التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما في إسطنبول الأربعاء الماضي، ودخل حيز التنفيذ منذ الساعات الأولى من يوم أمس.
وقبل وصوله إلى إسطنبول أمس، أعلن السراج تمسك حكومة الوفاق بعقد مؤتمر وطني جامع يفضي إلى انتخابات كحل للأزمة في ليبيا. وقال السراج، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بالعاصمة الإيطالية روما، أول من أمس: «نرحب بالمبادرة الروسية - التركية وكل المبادرات التي تهدف إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، وما زلنا نطالب بمؤتمر وطني جامع يضم جميع الأطراف ويفضي إلى انتخابات»، لكنه أشار إلى أن حكومته «لم تعد تثق في حفتر بعد تجربتها السياسية معه». وتسعى ألمانيا إلى جمع الدول المعنية بالشأن الليبي في مؤتمر ببرلين، في محاولة للتوصل إلى حل سياسي للنزاع. ولم يحدد تاريخ انعقاد المؤتمر، إلا أن تقارير إعلامية تحدثت في وقت سابق، أنه سيعقد في يناير (كانون الثاني) الحالي، بعد أن تأجل أكثر من مرة بسبب خلافات بين الدول العشر المدعوة له؛ وهي مصر، والإمارات، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا وتركيا.
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا حيز التنفيذ أمس، بعد أشهر من المعارك عند أبواب طرابلس، إثر مبادرة من أنقرة وموسكو ومباحثات دبلوماسية مكثفة من أطراف كثيرة فرضتها الخشية من تدويل إضافي للنزاع. ورحبت بعثة الأمم المتحدة بإعلان الطرفين المتنازعين في ليبيا قبول وقف إطلاق النار، وحثت الأطراف على إفساح المجال أمام الجهود السلمية لمعالجة جميع الخلافات عبر حوار ليبي - ليبي. كما رحبت الجامعة العربية بالاتفاق.
ولم يتم الإعلان عن أي آليات لمراقبة وقف إطلاق النار، إلا أن وزارة الدفاع التركية قالت في بيان، أمس، إنه من الملاحظ، حتى الآن، التزام أطراف الصراع في ليبيا بوقف إطلاق النار. وأضاف البيان أنه «من الملاحظ أن الأطراف تعمل على الالتزام بوقف إطلاق النار منذ إعلانه في ليبيا، ويبدو الوضع هادئاً باستثناء حادث أو اثنين فرديين، والوزارة تتابع عن كثب».
وبحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الوضع في ليبيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي مساء أول من أمس، في حين يتوجه وفد تركي مؤلف من وزيري الخارجية والدفاع مولود جاويش أوغلو وخلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان إلى موسكو اليوم (الاثنين)، لإجراء مباحثات مع المسؤولين في روسيا حول التطورات في ليبيا وسوريا والوضع في العراق والتوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
وجاء لقاء إردوغان والسراج، بعد ساعات من لقاء الرئيس التركي رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في إسطنبول، مساء أول من أمس، بشكل مفاجئ. وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» في أنقرة، إن إردوغان بحث مع الغنوشي الوضع السياسي في تونس في ظل رفض أعضاء البرلمان التونسي منح الثقة للحكومة التي اقترحها الحبيب الجملي، بعد ما يقارب الشهرين من تكليف الرئيس قيس سعيّد للجملي المقترح من طرف حركة النهضة الفائزة في الانتخابات التشريعية، بتشكيل الحكومة، إلى جانب التطورات في ليبيا. وزار إردوغان تونس الأسبوع قبل الماضي، والتقى الرئيس التونسي وأعلنت الرئاسة التونسية عقب اللقاء، أن إردوغان لم يطلب من نظيره التونسي مساعدة تركيا في إرسال قوات إلى ليبيا واستخدام أجوائها أو موانئها في هذا الأمر.
في السياق ذاته، بحث المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، مساء أول من أمس، مع مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين، قضايا تتعلق بالوضع الأمني في ليبيا. وذكر بيان للرئاسة التركية أن كالين شدد خلال اتصال هاتفي مع أوبراين على أهمية تقديم واشنطن الدعم لمبادرات تركيا الرامية لتحقيق الهدنة في ليبيا. وتباحث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، هاتفياً أمس، مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو، حول الوضع في ليبيا في ظل سريان وقف إطلاق النار، والخطوات التي يمكن اتخاذها مستقبلاً لتحقيق الحل السياسي للأزمة. وكان دي مايو قال، أول من أمس، إن تركيا وروسيا وإيطاليا اتفقت على الجلوس حول الطاولة والعمل من أجل ليبيا. وأضاف: «قبل بضعة أيام، التقيت في إسطنبول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو؛ حيث اتفقنا على جلوس كل من إيطاليا وتركيا وروسيا حول الطاولة والعمل من أجل ليبيا، وطالبنا بإشراك دول جوار ليبيا في مؤتمر برلين، ونحن سعداء لمشاركة الجزائر».
بدورها، أعلنت الجزائر أمس «ترحيبها بوقف إطلاق النار في ليبيا»، ودعت «جميع المكونات الليبية إلى الالتزام به والعودة سريعاً إلى مسار الحوار الوطني الشامل». وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان، أنها تشجع على «التوصل إلى حل سياسي سلمي يراعي المصلحة العليا لليبيا وشعبها الشقيق»، مضيفة أن «الجزائر تذكر بموقفها الثابت، الداعي إلى إيجاد تسوية سياسية سلمية عبر حوار ليبي - ليبي. كما جددت دعوتها جميع الأطراف لتغليب الحكمة ولغة الحوار، من أجل إخراج هذا البلد الشقيق والجار من الأزمة التي يعاني منها، والتي ما فتئت تهدد الاستقرار في دول الجوار وفي المنطقة برمتها». وتابع البيان أن الجزائر «ستواصل جهودها للوصول إلى حل سياسي سلمي، يضمن وحدة الشعب الليبي وسيادته، في كنف الأمن والاستقرار بعيداً عن أي تدخل أجنبي، والذي لم يزد الوضع إلا تأزماً، بل صعّب البحث عن فرص للتسوية عن طريق الحوار».
في غضون ذلك، تواترت أنباء عن وصول 40 تركياً على متن رحلة مدنية مقبلة من إسطنبول إلى مطار مصراتة الليبي فجر الجمعة. ونقلت تقارير صحافية عن مصدر استخباراتي ليبي أن الرحلة تابعة لطيران الأجنحة الذي يمتلكه القائد السابق للمجلس العسكري في طرابلس والمقيم في إسطنبول حالياً عبد الحكيم بلحاج، ووصلت مطار مصراتة قادمة من إسطنبول.
ولفت المصدر إلى أن الرحلة كانت مجدولة وغادرت في موعدها المقرر، إلا أنه كانت هناك مخالفة في الحمولة التي يفترض أن تكون 12 راكباً ليبياً، لكن تم إدراج 40 تركياً لم يكونوا على قائمة الرحلة، ولم تتم مشاهدتهم في صالة انتظار المطار لينضموا للرحلة قبل إقلاعها بدقائق. ورجح المصدر أن يكون هؤلاء الأتراك عسكريين تم تجهيزهم وإرسالهم في رحلة مدنية إلى ليبيا للانضمام إلى صفوف الميليشيات التي تقاتل ضد الجيش الوطني الليبي.
وكان إردوغان أعلن الأسبوع الماضي، إرسال 35 جندياً إلى ليبيا دعماً لحكومة السراج، قائلاً إنهم لن يشاركوا في المعارك، وذكرت تقارير إعلامية أن 3 جنود أتراك قتلوا وأصيب 6 آخرون تم نقلهم بطائرة من مطار مصراتة إلى تركيا.
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 6 عناصر من الفصائل الموالية لتركيا الذين أرسلت أنقرة بضع مئات منهم إلى ليبيا، بينهم 3 عناصر من «لواء المعتصم» و3 عناصر من لواء «السلطان مراد»، في حين وصلت جثة مقاتل من فرقة المعتصم الموالية لتركيا إلى شمال سوريا، وتم دفنها في مدينة الباب بريف حلب الشمالي.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.