ترجمة الرواية العربية ومآزقها الأخلاقية الأدبية

بعد مأساة الحادي عشر من سبتمبر حدثت اندفاعة غربية للتعرّف على العالم العربي

فاروق مردم بيك  -  شهد الراوي  -  أحلام مستغانمي  -  رجاء الصانع
فاروق مردم بيك - شهد الراوي - أحلام مستغانمي - رجاء الصانع
TT

ترجمة الرواية العربية ومآزقها الأخلاقية الأدبية

فاروق مردم بيك  -  شهد الراوي  -  أحلام مستغانمي  -  رجاء الصانع
فاروق مردم بيك - شهد الراوي - أحلام مستغانمي - رجاء الصانع

يهجس معظم الروائيين العرب بترجمة رواياتهم إلى لغات الآخر، لتوسيع دائرة قرائهم، ورفع منسوب احتمالية فوزهم بجائزة عالمية، وهو حق لكل روائي مهما كان موقعه في خريطة الكتابة الروائية العربية. ولكن هذا التدافع الفردي غير المدروس للدخول في نادي الروائيين المترجمين ألا يخل بصورة الرواية العربية لدى الآخر، خصوصاً أن جُل تلك الترجمات إما مدفوعة الثمن أو مؤداة بمقتضى حفلة علاقات عامة مدبّرة؟ وكذلك هل يحق لأي روائي أن يلجأ إلى أي وسيلة، وبأي ثمن مادي أو أخلاقي، ليرى روايته مترجمة إلى لغة أخرى، بمعزل عن أي حيثية إبداعية؟ وما الذي يمكن أن تضيفه تلك الرواية المترجمة، المهملة على مستوى القراءة والنقد من قبل الآخر، إلى سيرة ورمزية الروائي العربي الذي يضع نفسه ومنجزه في موقع المتسوّل؟
الروايات العربية أيضاً المترجمة برعاية مؤسسات ثقافية هل وصلت فعلاً إلى الآخر؟ وهل أحدثت أي صدى يُذكر لدى قراء العالم؟ وأينه ذلك المؤشر القرائي الذي يمكن أن نحتكم إليه لنتعرف على المسافة التي قطعتها الرواية العربية المترجمة في ثقافات الآخرين؟ إذ لا تعليقات إعلامية ولا مراجعات أدبية ولا منصات ثقافية تؤكد الاحتفاء بقيمة تلك المتوالية من الروايات المكدسة في المخازن. وإذ لم يتمكن أي روائي عربي من نادي الروائيين المترجمين من اختراق المشهد الأدبي العالمي، والتحوّل إلى رمز روائي تطارده المحافل الأدبية العالمية، رغم كثافة الترجمات وتنوعها لعدد من الأسماء المتبناة مؤسساتياً، وهو ما يعني وجود خلل إبداعي إما في المنجز الروائي ذاته أو في النص المترجم.
واقع الترجمة للروايات العربية يتحرك بهرم مقلوب، فعوضاً عن سعي الآخر إلى ترجمة جانب من المنجز الروائي العربي بعد الاقتناع بكفاءته الإبداعية، يحدث العكس، حيث يهرول الروائي العربي ومؤسساته الثقافية إلى ترجمة بعض منجزه والتلويح به للآخر، فيما يبدو عرضاً سابقاً للطلب، خلافاً لما تقتضيه قوانين السوق الأدبية. وهنا، يمكن التغاضي عن هنات مثل هذه المبادرات التي تحاول اختراق ذائقة الآخر، وتعريفه بمنتجات أدبية يتفنن في تجاهلها، وعدم الاعتراف بقيمتها الأدبية. إلا أن السؤال ينبثق من زاوية أخرى حول المعيارية المتبعة لترشيح هذه الرواية أو تلك، وعن ميزان العدالة المفقود في التعامل الإبداعي العادل مع مجمل المنجز، الأمر الذي قد يغيّب رواية مستحقة لصالح رواية محمولة على رافعة المصالح والمحسوبيات اللاأدبية.
بعد مأساة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، حدثت اندفاعة غربية في المقام الأول للتعرّف على العالم العربي من خلال مروياته، ولذلك نشطت الترجمة لعينات روائية معنية بموضوع الإرهاب، ولمتوالية من الروايات المتعلقة بنشأة الأفكار الجهادية، فيما يشبه التقصي الأنثربولوجي والسوسيولوجي والسيكولوجي لشروط إنتاج الفرد العربي الكاره للغرب، المتأهب لتدمير الحضارة الغربية ومنظومتها القيمية. وبالفعل، وجد الآخر ضالته في روايات ذات خطاب مباشر في هذا الحقل، بمعزل عن حرفية الأداء الروائي، أو هذا هو ما أراده الغربي في طور ما يمكن أن يُسمى «الترجمة الاستعمالية». وهو منحى ليس جديداً بالكامل، إذ تُرجمت روايات فلسطينية في مرحلة من المراحل لتفكيك شخصية المناضل الفلسطيني، كما قرئت من منطلقات سياسية واجتماعية، لا من منازعها الفنية. وبالمقابل، أسهمت بعض دور النشر والمؤسسات الأوروبية في الترجمة الانتقائية الغرضية لبعض الأعمال التي شكلت وقوداً لما عُرف بالربيع العربي، ليعود السؤال من منطلق آخر حول الترجمة كفعل ثقافي أخلاقي.
موجات ترجمة الرواية العربية لم تتوقف منذ جيل التأصيل الذي أعقب جيل التأسيس، حيث تُرجمت بعض روايات عبد الرحمن منيف وغسان كنفاني والطيب صالح وصنع الله إبراهيم وغيرهم، إلى جانب مجمل أعمال نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل، وصولاً إلى الجيل الحالي بارتداداته المتشظية في السوشيال ميديا، حيث تكاثرت الترجمات بموجب دوافع مختلفة تماماً عن شروط التماس التي حكمت المشهد ضمن اعتبارات أدبية، خصوصاً مع دخول الرواية العربية لعبة الأكثر مبيعاً (البيست سيلر) التي شكلت رافعة تجارية لروايات لا تمثل رحيق التجربة الإبداعية، بقدر ما بدت كحيلٍ تسويقية تدفع بالرواية إلى واجهة سوق الرواية المترجمة، وهو الأمر الذي ارتد بسلبية على مكانة وقيمة الرواية العربية في المشهد العالمي، هذا بالإضافة إلى وجود عدد من الروائيين في عواصم غربية مكنتهم مواقعهم وصداقاتهم من فرض رواياتهم ضمن مشاريع ومختبرات الترجمة، وهو ما تسبب في إعطاء صورة مزيفة عن رمزيتهم الأدبية وعن واقع الرواية العربية.
عندما تُترجم (أيام) طه حسين، بتقديم أندريه جيد، يكون للنص صداه الثقافي ورنينه الأدبي لدى الآخر، أما ترجمة منتجات البيست سيلر لأحلام مستغانمي وشهد الراوي ورجاء الصانع، وغيرهن من روائيي وروائيات اللحظة، فلها اعتبارات ثقافية مغايرة تماماً. ولذلك يصعب التفاوض مع أي روائي على استحقاق أو عدم استحقاق روايته للترجمة، كما لا يمكن إقناع أي مؤسسة بعدم كفاءة بعض رواياتها للترجمة، لأنها لا تعكس الصورة الحقيقية للإنسان العربي المسلم المتدنية في الغرب. وبالتالي، لا تحقق شيئاً من وظائف الترجمة، المتمثلة في إطلاع الآخر على أفضل المنتجات الروائية التي من خلالها سيحكم على عافية الرواية العربية، ومدى تماسها على مستوى الموضوع مع القضايا الإنسانية، واستجابتها من الوجهة الفنية لتقنيات الكتابة الحداثية وما بعد الحداثية، بما يترتب على ذلك من الانفتاح على الآخر، ومنازلته في معركة الهامش والمركز الثقافي، على اعتبار أن الترجمة فعل ثقافي نضالي معاند لهيمنة المركز، وليس مجرد محاولة استجدائية لنيل رضاه، وذلك في ظل النجاحات التي باتت تسجلها الأطراف من مختلف الثقافات في الفعل الروائي.
وبموجب هذا التصور الثقافي، تتأكد أهمية نشوء مشاريع نقد الترجمة لمحايثة تيار ترجمة الروايات الآخذ في التعاظم، سواء تلك المتبناة بواسطة مؤسسات ثقافية أو المعتمدة على جهود فردية. وذلك في ظل ظهور جيل من المترجمين الذين يفتقدون إلى الخبرة والرصيد، وربما الأمانة. وهذا المنحى النقدي يجب عليه مساءلة المنتج في مرحلة ما قبل الترجمة، إذ من الطبيعي أن ترشح المؤسسة الروايات الفائزة بالجوائز للترجمة، وإعطاء الأولوية للروايات الأكثر مبيعاً، وهذه مظاهر لا تعكس بالضرورة حيوية المشهد الروائي، لأنها في معظم الأحيان نتاج لعبة ترويجية تواطأ على تأدية فروضها الناشر ولجان التحكيم وقدرات الروائي على تسويق روايته في فضاء السوشيال ميديا. وفي المقابل، لا بد من إيجاد آلية لرصد كفاءة المترجمين، وتحديد مراتبهم في سوق الترجمة، إلى جانب ضرورة تأسيس راصد لقياس أثر الروايات المترجمة في الصحافة والمنابر الثقافية، كما يتوفر ذلك على المستوى الشخصي عند فاروق مردم بيك، المشرف على سلسلة (سندباد) المعنية بترجمة الآداب العربية إلى الفرنسية في دار النشر الفرنسية الشهيرة (آكت سود).
هكذا، تحول سؤال الترجمة من مخرج للانفتاح على العالم، واكتساب الاعتراف بالرواية العربية، إلى مأزق أدبي أخلاقي، إذ لا حوار حول متانة النص الروائي العربي وخصوصيته الثقافية، مقابل لهاث نحو معامل الترجمة. الأمر الذي ينذر بإنتاج روائي يعزز النظرة الإكزوتيكية التي يمتهنها الغربي إزاء المنجز الروائي العربي، وبتسلل الخطاب الاستشراقي إلى عمق الاشتغال الروائي العربي، وتحوله إلى مستعمرات أدبية، بالنظر إلى ما يستشعره الروائي العربي من أهمية القيم المركزية عند الآخر على مستوي الموضوع وتقنيات الكتابة. وكذلك تكريس المفهوم النيئ للمحلية كممرٍ للعالمية، وتضييق هذا المصب -أي العالمية- في حيز الترجمة، لا في الإنتاج الروائي المتسم بالاتساع والحيوية، والقدرة الفنية الذاتية على أن يتشكل كجزء من الذاكرة الإنسانية، أو كقطعة أدبية من النسيج الثقافي العالمي في مرحلة ما قبل الترجمة.

- ناقد سعودي



مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
TT

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

بعيداً عن التكلس السياسي الذي تعانيه ليبيا، انطلق في العاصمة طرابلس مهرجان للفيلم الأوروبي تحت إشراف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، بالتعاون مع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، في خطوة تستهدف توسيع الشراكة الثقافية وكسر حاجز الانقسام، من خلال تجميع الليبيين بالثقافة والفن.

وتشارك في النسخة الأولى من المهرجان، التي انطلق الأحد، 5 سفارات أوروبية عاملة في ليبيا، بأعمال يتم عرضها للجمهور مجاناً لمدة 5 أيام، تنتهي الخميس المقبل. وعبّر سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن سعادته لافتتاح أول مهرجان سينمائي ليبي - أوروبي في طرابلس، إلى جانب الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، وسفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا وإسبانيا. وعدّ هذا الحدث «علامة فارقة في الشراكة الثقافية بين ليبيا والاتحاد».

ويعرض مساء اليوم (الاثنين) فيلم «راعي البقر من الحجر الجيري» المقدم من سفارة مالطا، بقاعة الهيئة العامة للسينما والمسرح في شارع الزاوية بطرابلس، التي دعت الجمهور للاستمتاع بمشاهدته.

البوستر الترويجي لفيلم «فتاة عادت» الإيطالي (إدارة المرجان)

وبجانب الفيلم المالطي، فإن العروض المفتوحة للجمهور تتضمن، وفق ما أعلنت إدارة المهرجان، ورئيس بعثة الاتحاد، «طفلة عادت» من إيطاليا، و«قصر الحمراء على المحك»، إسباني، ويعرض الثلاثاء، ثم «كليو» (ألمانيا) الذي يعرض للجمهور الأربعاء، على أن يختتم المهرجان بفيلم «عاصفة» الفرنسي.

ولوحظ أن الدول المشاركة في المهرجان حرصت على تروّج الأعمال المشاركة، من هذا المنطلق دعا المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في ليبيا الجمهور الليبي لحضور الفيلم الفرنسي الذي أخرجه كريستيان دوغواي، وقالا في رسالة للجمهور الليبي: «نحن في انتظاركم لتشاركونا هذه اللحظة السينمائية الاستثنائية».

جانب من افتتاح مهرجان الفيلم الأوروبي في طرابلس (البعثة الأوروبية إلى ليبيا)

وكان رئيس هيئة السينما والمسرح والفنون، عبد الباسط بوقندة، عدّ مبادرة الاتحاد لإقامة المهرجان «خطوة إيجابية في مسار الشراكة بين ليبيا، متمثلة في هيئة السينما والمسرح والفنون، والاتحاد الأوروبي والدول الخمس المشاركة».

وأضاف بوقندة، في كلمة الافتتاح، الذي بدأ الأحد بعرض الأفلام، أن المناسبة «تفتح آفاقاً واسعة في مجالات السينما كواحدة من أهم أنواع التواصل بين الشعوب ومرآة عاكسة لكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تسهم بفاعلية في توعية الناس، وتدفع بهم تجاه الارتقاء والإحساس بالمسؤولية».

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

وخلال مراسم الافتتاح، عُرض فيلم «شظية» الليبي الذي أنتج في الثمانينات، من تأليف الأديب الليبي المعروف إبراهيم الكوني، ويحكي قصة معاناة الليبيين مع الألغام التي زرعت في صحراء ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها كثير من المواطنين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد.

وبجانب العروض السينمائية في ليبيا، تُجمّع الفنون في ليبيا عادةً من فرقت بينهم السياسة، ويحشد المسرح على خشبته ممثلين من أنحاء البلاد، كانت قد باعدت بينهم الآيديولوجيات في زمن ما، يحكون جميعاً أوجاعهم عبر نصوص ولوحات إبداعية، ويفتحون نوافذ جديدة للتلاقي والحوار بعيداً عن النزاع والانقسام السياسي.

وسبق أن تعطلت الحركة الفنية المسرحية في ليبيا، مُتأثرة بالفوضى الأمنية التي شهدتها ليبيا عقب اندلاع ثورة «17 فبراير» التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. لكن مع الاستقرار النسبي الذي تشهده ليبيا يظل الرهان على الفن في اختبار الانقسام السياسي، الذي ضرب البلاد، لتوحيد الليبيين.