تبادل اتهامات بين وزارتي الخارجية والمالية

بعد حرمان لبنان من حق التصويت في الأمم المتحدة

TT

تبادل اتهامات بين وزارتي الخارجية والمالية

تبادلت وزارتا الخارجية والمالية الاتهامات بالمسؤولية عن فقدان لبنان حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لعدم تسديده الاشتراكات الواجبة عليه لسنتين.
وفي بيان لها، أعربت الخارجية عن «أسفها» لخسارة لبنان حق التصويت، آملة أن «تتم معالجة المسألة في أسرع وقت ممكن»، وعدت أنه «بغض النظر عمّن هي الجهة المسؤولة، فإن لبنان هو المتضرر بمصالحه، وبهيبة الدولة وسمعتها».
وعادة ترفع الوزارات طلباتها المالية لوزارة المالية لتحرير المبالغ المطلوبة وتسديدها، إلا أن وزارة المالية أعلنت من جهتها أنها «لم تتلقَ أي مراجعة أو مطالبة بتسديد أي من المستحقات الواجبة لأي جهة».
وبعد بيان الخارجية، أصدرت المالية بياناً، أكدت فيه أنها لم تتلقَ أي مراجعة أو مطالبة بتسديد أي من المستحقات الواجبة لأي جهة، علماً بأن كل المساهمات يتم جدولتها بشكل مستقل سنوياً لتسديدها وفق طلب الجهة المعنية.
وأشارت إلى أن التواصل دائم مع الإدارات المختلفة بخصوص مستحقاتها، والمراجعة الوحيدة تمت صباح اليوم، وأوعز الوزير بدفع المبلغ الواجب صباح الاثنين.
وعادت الخارجية ونشرت نسخة عن مراسلتين تعودان لعامي 2018 و2019، توجه فيهما الوزير جبران باسيل إلى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، يطلب فيهما تسديد مساهمات لبنان في المجالس الإقليمية والهيئات الدولية.
ولاحقاً ردت وزارة المالية، معتبرة أن «البعض أوقع ربما وزير الخارجية في خطأ، فتم توزيع كتاب موجه لوزير المالية عن مطالبات بدفع مستحقات بتاريخ 18-7-2018، وهي حوالات مدفوعة بالكامل في وقتها، والمراسلة نفسها تجيب على الجزء الآخر، حيث كيف تبرر المطالبة عن إحالة في شهر 12-2019 في شهر 7-2018، وذلك تماماً كما القرار الأول الموزع، حيث لا صلة أو علاقة لوزارة المالية بالموضوع المطروح. والجدول المرفق يبين الحوالات المنجزة والمدفوعة في وزارة المالية لجميع المساهمات دون استثناء».
وبعد البيانات الرسمية، استكملت حرب المصادر بين الطرفين. وردت مصادر الخارجية على بيان الماليّة، مؤكدة أن «المشكلة أن وزارة المالية تعتبر أن المراجعات كي تسير بشكل طبيعي هي بحاجة لمطالبة ومراجعة لتسير، علماً بأن المراجعات والمطالبات تتم رغم أنه لا حاجة لها، وكأنها استجداء، وأن مئات المعاملات متوقفة عن 2018 و2019 وما قبل، وعلى وزارة المالية أن تقوم بدورها من دون مراجعة وبشكل تلقائي لمعاملات دورية من هذا النوع. والخطأ الوحيد هو أن وزارة المالية تتأخر دائماً بالتسديد، وكل موظفي ودبلوماسيي ومورّدي الوزارة يشهدون على ذلك لأنهم مصابون مباشرة».
وهنا، عادت مصادر «المالية» وردّت بالقول: «لتقرأ مصادر وزارة الخارجية بيان وزارة المالية والجداول المرفقة، ولتعترف بخطئها وتتحمل المسؤولية، ولتبادر إلى معالجتها فوراً يوم الاثنين. ولتحاسب من نشر المراسلة الداخلية التي لا معنى ولا علاقة لها بالموضوع».
وأثارت هذه القضية استياءً لبنانياً في أوساط السياسيين والمواطنين، حيث عبّر أكثر من طرف عن أسفه لما حصل. وكتب النائب شامل روكز، عبر «تويتر»، قائلاً: «خسر لبنان حقّ التصويت بالجمعية العمومية للأمم المتحدة بسبب تخلّفه لأول مرة بتاريخه عن دفع متوجباته المالية لسنتين. من عضو مؤسس إلى عضو متخلف عن دفع مستحقاته! نطلب الدعم الخارجي، بينما يتباهى كل سياسي بعقاراته وممتلكاته في الدول الخارجية»، وأضاف «نتخلف عن دفع المستحقات، بينما تهدر الأموال بكل اتّجاه وتسرق! بئس الزمن الذي تشوّهت فيه صورة لبنان المجد والسيادة والريادة».
وقال النائب الوزير السابق بطرس حرب: «لم يشهد لبنان في تاريخه مثل هذه الإنجازات. فبفضل أهل السلطة لا حكومة، ولا كهرباء، ولا حل لمشكلة النفايات، والفساد مستشرٍ، والقضاء مسيّس، والمصارف لا تدفع للناس أموالهم، والجوع على الأبواب، وقرار الدولة بيد أهل السلاح غير الشرعي؛ كان ينقصنا فقدان لبنان لصوته في الأمم المتحدة».
وسأل رئيس «حزب القوات اللبنانية»، سمير جعجع، في بيان له: «ماذا بقي بعد من صورة لبنان ودوره إثر فقدان الدولة اللبنانية حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة؟»، وأضاف: «المؤسف واللافت للنظر أنه في كل مرة أوقعوا مصيبة على رأس الشعب اللبناني، تبدأ قوى الأكثرية النيابية برمي الاتهامات بعضها على بعض، لكن ما همّ المواطن اللبناني إذا كان التأخير في تسديد المبالغ المترتبة على لبنان من مسؤولية وزارة الخارجية أم وزارة المالية، ما دام أن دولته أظهرته بأنه يعيش في دولة فاشلة لا حول ولا قوة لها ولا قدرة على إدارة نفسها؟».
وأضاف: «فقدان لبنان حق التصويت في الجمعية العامة ممكن أن يبدو للبعض وكأنه مجرد أمر إداري روتيني، لكنه يحمل في طياته معاني سلبية كثيرة، أهمها أن المجموعة الحاكمة في الوقت الحاضر ينتابها قصور كبير جداً، وفساد ولا مبالاة إلى حد تدمير ممنهج لصورة لبنان التاريخ في رؤوس مواطنينا وأجيالنا الصاعدة».
وعد جعجع أن «الأمر لم يعد يقتصر على سقطة من هنا، وخطأ من هناك، وتقصير من هنالك، بل أصبح واضحاً أن الأكثرية الحاكمة أعجز من تحمّل مسؤولية شعب وإدارة بلد».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.