أكد المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني، أن «التعامل بأسلوب المغالبة من قبل الأطراف المختلفة التي يملك كل منها جانباً من القوة والنفوذ والإمكانات، ومحاولة كل منهم فرض رؤيته على الباقين سيؤدي إلى استحكام الأزمة واستعصائها على الحل، وبالتالي ربما يخرج الجميع منها خاسرين».
وأضاف المرجع الأعلى خلال خطبة الجمعة في كربلاء التي ألقاها نيابة عنه ممثله أحمد الصافي، أن الخسارة تكون أكبر «من نصيب البلد وعامة الناس الذين ليس لهم دخل في الصراعات الداخلية والخارجية الجارية، ولا يعنيهم أمرها بمقدار ما يهمهم أمن بلدهم واستقراره والمحافظة على استقلاله وسيادته وتوفير حياة حرة كريمة لهم ولأولادهم». وأوضح السيستاني، أن «ما وقع في الأيام الأخيرة من اعتداءات خطيرة وانتهاكات متكررة للسيادة العراقية مع ضعف ظاهر للسلطات المعنية في حماية البلد وأهله من تلك الاعتداءات والانتهاكات هو جزء من تداعيات الأزمة الراهنة»، مؤكداً أن «المطلوب من الجميع أن يفكروا ملياً فيما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع إذا لم يتم وضع حد لها بسبب الإصرار على بعض المواقف ورفض التزحزح عنها»، محذراً من المخاطر الناجمة عن ذلك والتي من شأنها «فسح المجال للآخرين بمزيد من التدخل في شؤون البلد وانتهاز الفرصة لتحقيق مطامعهم فيه».
ودعا السيستاني الجميع إلى «الشعور بالمسؤولية الوطنية وترجمة هذا الشعور إلى مواقف مؤثرة في وضع حل للأزمة الحالية بالاستجابة لمتطلبات الإصلاح وفق الخريطة التي تكرر الحديث بشأنها يشكّل المخرج الصحيح من هذه الأزمة لو أريد إنهاؤها بنتيجة مقبولة، بعد كل التضحيات الجسيمة التي قدمها أبناء هذا البلد في مختلف الجبهات والساحات». وشدد السيستاني على أنه بعد ما عاناه الشعب من حروب ومحن وشدائد على مختلف الصعد طوال عقود من الزمن في ظل الأنظمة السابقة وحتى النظام الراهن، فإنه ينبغي أن «يكون العراق سيد نفسه يحكمه أبناؤه ولا دور للغرباء في قراراته، يستند الحكم فيه إلى إرادة الشعب ويكون حكماً رشيداً يعمل لخدمة جميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية».
في هذا السياق، أكد عضو البرلمان العراقي، حسين عرب، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم كل ما يصدر من تأكيدات ودعوات من قبل المرجعية الدينية كل جمعة من أجل التنازل عن المصالح الضيقة للكتل والأحزاب والأطراف السياسية، فإنها سوف تكتفي فقط ببيانات التأييد، لكنها ليست مستعدة للتنازل والالتزام بمخرجاتها». وأضاف، أن «جميع الأطراف تنتظر خطبة المرجعية، لكنها تبدأ بتفسيرها وفق ما تشتهي وليس طبقاً لمضمونها». وحول ما إذا كان ما عبرت عنه المرجعية بشأن ما عبرت عنه بطريقة المغالبة والنفوذ وفرض الإرادات يمكن أن ينعكس على تفكير القوى المتنفذة على صعيد البحث عن مخرجات سليمة للأزمة، يقول عرب إن «هذه القوى ليست مستعدة للتنازل عن عود ثقاب وليس مناصب ومواقع عليا مثل رئاسة الوزراء، رغم أن المرجعية أعلنت بشكل واضح رفضها التزمت واعتماد رأي مكون واحد على حساب باقي المكونات»، مبيناً أنهم «خبراء في تحريف كلام المرجعية حسب ما يراه هو وليس طبقاً لمضمون ما صدر عنها».
وحول الخطوات الجارية بشأن مصير المرشح لمنصب رئيس الوزراء، يقول عرب إن «هناك اتفاقاً مبدئياً بشأن ذلك، وقد تشهد الأيام المقبلة تحركاً باتجاه تسمية شخصية لهذا الموقع».
وعلى صعيد تأويل خطبة المرجعية، عدّ المستشار الإعلامي في مكتب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، كفاح محمود كريم، أن ما صدر عن المرجعية بعدم فرض الإملاءات والرأي الواحد على الآخرين ينسجم مع ما عبرت عنه حكومة إقليم كردستان. وقال كريم، إن «قول المرجعية فرض رأي على حساب المكونات سيؤدي إلى خسارة الجميع تتطابق مع رؤية حكومة إقليم كردستان»، عادّاً أنها «إشارة إلى قرار سحب القوات الأجنبية بمعزل عن قبول بقية الأطراف، فضلاً عن انتقاد التمسك بترشيح رئاسة الوزراء من قبل طرف سياسي».
أما نعيم العبودي، عضو البرلمان العراقي عن تحالف الفتح، فقد أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «المخرج الوحيد والحقيقي هو تطبيق خريطة الطريق التي دعت إليها المرجعية، علماً بأن هناك قضايا أساسية كانت طالبت بها المرجعية وقد تحققت إلى حد بعيد مثل قانون الانتخابات الذي جرى التصويت عليه، وكذلك قانون مفوضية الانتخابات». وأضاف أن «المسألة المهمة الآن هي الحكومة الجديدة، حيث إنه بعد استقالة الحكومة الحالية لا بد أن تكون هناك استجابة لما تطالب به المرجعية على صعيد تشكيل الحكومة المقبلة بهدف إنقاذ البلد من الوضع السياسي المرتبك وما نمر به من انسداد سياسي». وأشار إلى أن «المرجعية أكدت في هذه الخطبة على أنه يجب أن تكون هناك جدية في العمل من قبل الجميع لاختيار الحكومة المقبلة مع التأكيد على أهمية التنازل عن القضايا والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة».
من جهته، أكد زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، أن الحل يتمثل في العودة إلى خريطة الطريق الذي كانت المرجعية قد اقترحته لحل الأزمة في البلاد. وقال الحكيم في بيان أمس، إنه ليس هناك «أوضح من التحذير الذي أطلقته المرجعية الدينية العليا من مغبة تمسك بعض الأطراف السياسية بالتعامل بأسلوب المغالبة، ولا سيما تلك التي يملك كل منها جانباً من القوة والنفوذ والإمكانات ومحاولة كل منهم فرض رؤيته على الباقين». وأضاف: «وهل هناك خطاب تحذيري أوضح من أن هذا النمط سيؤدي إلى استحكام الأزمة واستعصائها على الحل، وربما يخرج الجميع منها خاسرين، وتكون الخسارة الأكبر من نصيب العراق وشعبه؟». وحث الحكيم «الأطراف المعنية على التحلي بالمسؤولية الوطنية ووضع حل للأزمة الحالية بالعودة إلى خريطة الطريق التي رسمتها المرجعية الدينية العليا».
السيستاني يحذّر الأطراف العراقية من التعامل بـ«أسلوب المغالبة»
رفض تدخل {الغرباء} في القرار العراقي
السيستاني يحذّر الأطراف العراقية من التعامل بـ«أسلوب المغالبة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة