«رسائل» زيارة بوتين إلى «سوريا الروسية»

«رسائل» زيارة بوتين إلى «سوريا الروسية»
TT

«رسائل» زيارة بوتين إلى «سوريا الروسية»

«رسائل» زيارة بوتين إلى «سوريا الروسية»

تختلف «رسائل» أول زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق الثلاثاء الماضي منذ 2011، عن مضامين زيارته إلى القاعدة الروسية في حميميم في اللاذقية نهاية 2017. ذلك أن نتائجها بدأت تتراكم بمجرد مغادرته العاصمة السورية.
هي، جاءت بعد أيام من اغتيال أميركا قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، وقبل ساعات من لقائه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وقبل أيام من توجهه إلى إسرائيل في «زيارة تاريخية». وحسب مسؤولين غربيين، يمكن الحديث عن أربع «رسائل»:
1 - «سوريا الروسية»: كان يُفترض أن يحط الرئيس الروسي في القاعدة الروسية في اللاذقية لمعايدة جنوده في الساحل السوري، لكن غياب «المهندس الإيراني» أتاح فرصة لبوتين لم يتردد في اغتنامها كعادته. استعجل الانتقال إلى دمشق للتجول في معالمها التاريخية والدينية للقاء الرئيس بشار الأسد في مركز العمليات الروسية للاستماع إلى تقارير عن سير العمليات العسكرية بحضور مسؤولين في الجيش من الطرفين وغياب أي مسؤول سياسي.
أراد بوتين، حسب مسؤولين غربيين، إرسال «رسالة» إلى أطراف مختلفة بأن سوريا باتت تحت النفوذ الروسي أكثر مع احتمالات تراجع النفوذ الإيراني بغياب سليماني: «مهندس» دور تنظيمات طهران بعد 2012. يجوز القول إن طهران لم تكن مرتاحة لـ«رسائل» بوتين؛ الأمر الذي عبّر عنه النائب الإيراني علي مطهري؛ إذ قال: «سلوك الرئيس بوتين في زيارته إلى سوريا كان مهيناً مثل سلوك (الرئيس دونالد) ترمب في زيارتيه إلى أفغانستان والعراق. بوتين بدلاً من زيارة الأسد في مقر الإقامة (الرئاسة)، جلس في القاعدة العسكرية الروسية في سوريا، كي يلتقيه. قدم الآخرون الشهداء، وروسيا المستفيدة».
2 - «خط الفرات»: أراد بوتين، حسب المسؤولين، التأكد من الرئيس السوري بعدم الانخراط بأي خطة إيرانية للانتقام عبر ميليشياتها شرق سوريا من قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا شرق الفرات، واحترام التفاهمات بين واشنطن وموسكو التي تعود إلى مايو (أيار) 2017، ونصت على أن شرق الفرات لأميركا وحلفائها، وغرب الفرات لروسيا وحلفائها.
جرت ترجمة ذلك في شكل فوري، بأمرين: الأول، اتفاق عسكريين روس وأميركيين على فتح معبر الصالحية في محافظة دير الزور، شمال سوريا، الذي كان مغلقاً لبضعة أشهر لتأكيد التفاهمات الكبرى واتفاق «منع الصدام» بين الجيشين. الآخر، استئناف إسرائيل غاراتها على «مواقع إيرانية» في دير الزور وسط صمت روسي وسوري. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس بأن «طائرات مجهولة» يُعتقد أنها إسرائيلية، استهدفت مستودعات وآليات لـ«الحشد الشعبي» في منطقة البوكمال بمحافظة دير الزور، أسفرت عن مقتل «ثمانية مقاتلين عراقيين على الأقل». كان هذا القصف أول اختبار، بعد اغتيال سليماني، الذي كان «مهندس» فتح معبر البوكمال بين سوريا والعراق لتأمين خط الإمداد الإيراني البديل من ذاك الذي قطعته القاعدة الأميركية في التنف.
3 - «فك الاشتباك»: في 6 يناير (كانون الثاني)، تحدث علي شمخاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، عن 13 مسرحاً للثأر الإيراني بعد اغتيال سليماني، أحدها كان عبر هضبة الجولان السورية المحتلة. وقال مسؤولون غربيون، إن «رسالة» بوتين إلى دمشق، كانت بعدم القيام بأي «تحركات مفاجئة أو إجراءات غير مرغوب فيها عبر الانخراط في خطط الثأر الإيرانية، ما دامت إسرائيل لا تستهدف القوات السورية».
كانت إسرائيل تجنبت استهداف القوات السورية، لكنها أعلنت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أنها «استهدفت القوات السورية ومواقع إيرانية رداً على قصف من سوريا باتجاه الجولان»، حسب المسؤولين. وأوضح أحدهم أن بوتين «أراد تثبيت التفاهمات السابقة بعدم التدخل الروسي في العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا، ما دامت العمليات العسكرية بعيدة كل البعد عن القوات السورية».
وليست صدفة تزامن قصف «مواقع إيرانية» في البوكمال مع إعلان تل أبيب إطلاق سراح سجينين، أحدهما مسجون بتهمة التجسس لصالح سوريا. وأعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنه وافق على إطلاق سراح الأسيرين صدقي المقت وأمل أبو صالح كـ«بادرة حسن نية بعد استعادة جثمان الجندي زخاريا باومل من سوريا إلى إسرائيل» بوساطة روسية.
4 - «شرايين إدلب»: كانت إحدى النتائج المباشرة، للقاء بوتين بالأسد في دمشق ثم بإردوغان في إسطنبول، إعلان هدنة هشة في إدلب بتفاهم بين موسكو وأنقرة. وكان لافتاً أن البيان الروسي - التركي لم يتضمن الكثير من الأمور الجديدة وغابت عنه الأمور السياسية والحديث عن القرار 2254، كما كان الحال في البيان الرسمية السورية - الروسية.
وكان واضحاً، تركيز الطرفين على إدلب. ورغم إعلان موسكو مساء أول من أمس، بدء وقف النار، فإن «المرصد» تحدث أمس عن استهداف طائرات مدينة معرة النعمان وطريق دمشق - حلب الدولي ضمن التركيز على الطرق الرئيسية أو «شرايين الاقتصاد» التي بدت في خرائط عسكرية استعرضت أمام بوتين والأسد في دمشق. ويقوم وفد تركي سياسي وعسكري بزيارة موسكو غداً للتأكد من «رسائل» بوتين إلى الأسد وإردوغان.
في طريقه إلى إسطنبول وقبل زيارته القريبة إلى إسرائيل بعد أيام، أراد بوتين الحصول من الأسد على تأكيدات وأجوبة إزاء توجهات سوريا في هذا المنعطف، بعد أول مواجهة مباشرة بين أميركا وإيران لتحييد سوريا عنها ورغبة موسكو في الإفادة جيوسياسياً من الفرص الممكنة لتعزيز نفوذها من بوابة «سوريا الروسية».



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.