التاريخ يعيد نفسه مع بالوتيلي... وصورة الدوري الإيطالي لا تبعث على التفاؤل

فيما يخص كرة القدم الإيطالية، بدأ العقد الجديد بمشهد ينطبق عليه إلى حد ما مقولة «التاريخ يعيد نفسه». كان ماريو بالوتيلي هو من سجل أول أهداف بطولة الدوري الإيطالي الممتاز في العقد الثاني من القرن الـ21، وخلال المباراة التي خاضها الأحد الماضي، دخل التاريخ من جديد باعتباره صاحب الهدف الأول في العقد الثالث من القرن الحالي أيضاً، وذلك عندما نجح في الإفلات من اللاعب المكلف بمراقبته في الدقيقة 18 من مباراة بريشيا على أرضه أمام لاتسيو، قبل أن يستلم تمريرة طويلة من ستيفانو سابيلي بلمسة بارعة من المرة الأولى بساقه اليسرى ويصوبها باتجاه المرمى لتسكن الشباك.
والآن، لماذا دائماً بالوتيلي؟ الحقيقة، لم يعد هذا السؤال يبدو مناسباً اليوم، فقد نجح بالوتيلي في إبهارنا على نحو متقطع فحسب. أما لحظات ذروة تألقه خلال مشاركته في الفوز ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز ونهائي بطولة أمم أوروبا عام 2012، فقد خيمت عليها ظلال الكثير من المواسم اللاحقة التي قدم خلالها بالوتيلي أداءً باهتاً.
ورغم أنه مر بفترات قدم خلالها أداءً جيداً ـ في ميلان ونيس على وجه التحديد ـ فإنه لم يقدم أي أداء قريب من ذلك الذي تخيلناه له في 6 يناير (كانون الثاني) 2010، آنذاك كان بالوتيلي لا يزال مراهقاً، وكان قد شارك بالفعل في 50 مباراة مع الفريق الأول للإنتر قبل أن يفتتح العام بتسجيل الهدف الوحيد في الفوز على كييفو فيرونا، وأنجز بالوتيلي ذلك الموسم مشاركاً ناديه في الفوز بثلاث بطولات.
اليوم، يبدو الإطار شديد الاختلاف فيما يتعلق ببالوتيلي، ذلك أن بريشيا، نادي مسقط رأسه، سيكون سعيداً بمجرد تجنبه الهبوط. ومع ذلك، تبقى هناك بعض الجوانب المتشابهة على نحو مخيف بين اللعب في إيطاليا منذ عقد مضى واليوم. كان بالوتيلي ادعى تعرضه لإساءات عنصرية أثناء مباراة الإنتر وكييفو فيرونا، وعانى الأحد الماضي من إساءات مشابهة من جانب جماهير لاتسيو.
على الأقل، هذه المرة جرى الاعتراف بالمشكلة ـ من جانب حكم المباراة الذي أوقف المباراة لفترة وجيزة بعدما مر تحذير جرى بثه عبر الإذاعة الداخلية في الاستاد دونما جدوى. كما أصدر لاتسيو بياناً هدد فيه باتخاذ إجراءات قانونية ضد الجماهير التي «تخون حماسها الرياضي وتلحق ضرراً بالغاً بصورة النادي».
وأعلنت رابطة الدوري الإيطالي تغريم نادي لاتسيو 20 ألف يورو (22 ألفا و230 دولارا) لتوجيه مشجعيه هتافات عنصرية ضد بالوتيلي الذي كان قد توجه برسالة عبر حسابه إنستغرام قال فيها: «مشجعو لاتسيو الذين كانوا موجودين في الاستاد، عار عليكم».
في المقابل، نجد أنه في عام 2010 رفض رئيس نادي كييفو فيرونا، لوكا كامبيديلي، بشكل قاطع اتهامات العنصرية، قائلاً إنه: «يجب على بالوتيلي ألا يجرؤ على إهانة أبناء فيرونا».
ومع ذلك، تعتبر هذه بداية مثيرة للإحباط للعام الجديد. والملاحظ أن المباراة نفسها كانت مثيرة، فقد نجح لاتسيو من التعافي من الهدف الذي اخترق شباكه، وإحراز الفوز في الوقت بدل الضائع من الشوط الثاني. وسجل تشيرو إيموبيلي هدفي الفوز لصالح الفريق الزائر، ليرتفع بذلك إجمالي رصيد اللاعب من الأهداف إلى 19 في إطار موسم لبطولة دوري لم يبلغ نقطة المنتصف بعد. جدير بالذكر أن إيموبيلي مولود في ذات العام مع بالوتيلي، وكان له نصيبه هو الآخر من المواسم الباهتة، لكن من الواضح للعيان نجم أيهما يتألق أكثر مع اقترابهما من عيد ميلادهما الـ30.
وبفضل هذا الفوز، انتقل لاتسيو ـ الذي بدأ مباراة عطلة نهاية الأسبوع ومعه مباراة مؤجلة ـ على بعد ثلاث نقاط من يوفنتوس والإنتر في القمة. ورد كل من الناديين بتحقيق فوز قوي. كان كريستيانو رونالدو قد نجح في دك حصون كالياري بأول «هاتريك» له في بطولة الدوري الإيطالي، قبل أن يقود روميلو لوكاكو الإنتر نحو الفوز أمام نابولي.
المؤكد أن كلا اللاعبين استفاد كثيراً من سعة صدر الخصوم. من جهته، قدم كالياري أداءً متخشباً خلال الشوط الأول على أرض استاد أليانز، انتهى إلى وقوع راغنار كلافان في خطأ أحمق بتمريره الكرة دونما مبالاة عبر منطقة مرمى فريقه بداية الشوط الثاني.
هنا، جاء رد فعل رونالدو أسرع عن سباستيان فلاكييوتش، البالغ 19 عاماً والذي كان يخوض أول مباراة له لصالح النادي المنتمي لسردينيا في منتصف الملعب. وبالفعل، استحوذ رونالدو على الكرة وتغلب على روبين أولسن لتسكن الشباك في النهاية.
بعد ذلك، انهار كالياري، لكن النادي المتوج لم يظهر أي رحمة. أما رونالدو، فقد جاء أداؤه قوياً مثلما كان طوال الموسم، ودعم الأهداف الثلاثة التي سجلها بمعاونته غونزالو هيغواين في تسجيل هدف له. وتعتبر هذه المباراة الخامسة على التوالي للاعب البرتغالي التي يحرز خلالها هدفاً واحداً على الأقل، ما يضفي مصداقية على ادعاء ماوريسيو ساري بأنه تعافى أخيراً من الإصابة التي تعرض لها في الركبة.
في الواقع، الفوز على كالياري كان أمراً متوقعاً، حتى وإن جاء ذلك في موسم نجح خلاله الأخير تحت قيادة المدرب رولاندو ماران من تقديم مستوى أداء يفوق المعتاد منه. أما الفوز الأهم فجاء من جانب الإنتر أمام نابولي، بالنظر إلى أن الإنتر حصد ثلاث نقاط فقط من المواجهات التي خاضها على ملعب استاديو سان باولو منذ عام 1997.
من جانبه، قدم نابولي الكثير من العون للإنتر لإنهاء هذا «النحس». على سبيل المثال، خسر جيوفاني دي لورنزو الاستحواذ على الكرة في الدقيقة 14، تاركاً بذلك مساحة أمام لوكاكو لاعتراض تمريرة ماريو روي قبل أن يطلقها من مسافة 50 ياردة لينتهي الحال بها داخل الشباك. بعد ذلك، أتاح حارس مرمى نابولي، أليكس ميريت، الفرصة أمام كرة أطلقها اللاعب البلجيكي لتمر أمامه مباشرة لتسجل الهدف الثاني للإنتر.
حتى ذلك اللحظة، لم يكن الفريق المضيف قد انهار تماماً بعد، وإنما نجح في لم شتات نفسه وتسجيل هدف على يد أركاديوش ميليك قبل نهاية الشوط الأول، إلا أن مزيداً من الأخطاء من جانب كوستاس مانولاس كبدت الفريق المباراة بارتكابه خطأ فادحا سارع لوتارو مارتينيز لاستغلاله ليسجل الهدف الثالث وتنتهي المباراة بنتيجة 3 - 1.
وقد عكست هذه المباراة بدقة الحالة التي يعايشها كل فريق، فنابولي فريق يمر بفترة انتقالية ويعمل حالياً على إيجاد هوية جديدة له بعد الاستعانة بغينارو غاتوسو بدلاً عن كارلو أنشيلوتي. وكوفئ قرار إعادة خوسيه كاليخون إلى مركز متقدم إلى اليمين من تشكيل 4 - 3 - 3 بهدف عاون اللاعب الإسباني في إحرازه.
في تلك الأثناء، يبدو الإنتر فريقاً فاعلاً، لكن على نحو غير متناسب، ذلك أن خط الوسط الواهن يعوضه ذكاء لاعبي الهجوم، لوكاكو ولوتارو اللذين سجلا فيما بينهما بالفعل 30 هدفاً هذا الموسم. ومع شق كل من ستيفانو سينسي ونيكولو باريلا طريقه من التعافي من الإصابة، واحتمالات انتقال أرتورو فيدال قريباً إلى النادي، ثمة أسباب وجيهة تدعو للاعتقاد بأن بإمكان الفريق تقديم أداء أفضل، لكنه في تلك الأثناء يبدو قادراً على أي حال على الفوز بالمباريات.
ومع هذا، يظل التحدي القائم، مثلما كان دوماً، الحفاظ على هذه الوتيرة القوية على مدار الموسم بأكمله. تجدر الإشارة هنا إلى أن الإنتر كان متربعاً على قمة بطولة الدوري الإيطالي الممتاز بداية يناير 2016 في ظل قيادة روبرتو مانسيني، لكنه أنجز ذلك الموسم في المركز الرابع. وبعد موسمين، تكرر سيناريو مشابه تحت قيادة لوسيانو سباليتي، عندما بدأ انهيار الفريق في منتصف ديسمبر (كانون الأول).
من جهته، مزح أنطونيو كونتي، من أن البعض حذره من سحابة مطيرة تتكرر كل شتاء تغرق الإنتر، ثم كرر عبارة يرددها منذ بداية الموسم، قائلاً: «طلبت من فريقي أن يتوقف عن الجنون».
عطلة هذا الأسبوع، أعاد التاريخ نفسه أمام بالوتيلي. أما كونتي، فيبذل كل ما في وسعه كي يمنع النادي السابق لبالوتيلي من الاتجاه نحو طريقه المألوف.