أميركا وإيران... 7 عقود من المواجهات والهدنات الهشة

أرشيف «الشرق الأوسط»: صفحات أولى عكست تهديدات طهران وتوعدات واشنطن

أميركا وإيران... 7 عقود من المواجهات والهدنات الهشة
TT

أميركا وإيران... 7 عقود من المواجهات والهدنات الهشة

أميركا وإيران... 7 عقود من المواجهات والهدنات الهشة

في أغسطس (آب) 2013، أفرجت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عن وثائق اعترفت فيها رسمياً، وللمرة الأولى، بدورها الرئيسي في الانقلاب الذي وقع في إيران عام 1953 وأطاح برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً آنذاك محمد مصدق بعدما أعلن نيته تأميم قطاع النفط. علاقة واشنطن وطهران سكنها التوتر على مدار نحو 70 عاماً. أزمات متتالية واختلافات رؤى ومواجهات حادة بين الطرفين وثّقها أرشيف «الشرق الأوسط»، ونعيش تداعياتها اليوم.
أُرغم الشاه في 16 يناير (كانون الثاني) 1979 على مغادرة إيران في أعقاب الثورة الخمينية. وحاول اللجوء إلى بلدان مختلفة ليستقبله الرئيس المصري الراحل أنور السادات في مصر. وفي 19 أكتوبر (تشرين الأول) من العام ذاته، وافقت واشنطن على أن يدخل الولايات المتحدة لتلقي العناية الطبية بعد تردي حالته الصحية. تخوفت الإدارة الأميركية من ردة فعل عكسية تبدر من إيران، الأمر الذي حدث بالفعل. من هنا انطلقت أزمة الرهائن عندما اقتحمت مجموعة من الطلاب الإيرانيين السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا 52 أميركياً في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني). الصفحة الأولى من عدد «الشرق الأوسط» الصادر في 6 نوفمبر تابعت المستجدات وغطت احتلال السفارة البريطانية في طهران أيضاً.

وفي الداخل، خبر بعنوان «إطلاق الرهائن الأميركيين مشروط بتسليم الشاه». ونقل الخبر بيان الطلبة الإيرانيين وتأييد الخميني للعملية.

محاولة فاشلة للتفاوض بادرت بها الولايات المتحدة، تبعتها عملية عسكرية لإنقاذهم في 24 أبريل (نيسان) 1980، العملية فشلت أيضاً وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل ثمانية جنود أميركيين وإيراني مدني. عدد 26 أبريل الأرشيفي تربع على صفحته الأولى عنوان: «شبح الحرب خيّم ساعات ثم تضاءل... كارتر يتحمل عواقب العملية الأميركية الفاشلة ضد إيران».

وفي الداخل نقلت «الشرق الأوسط» تفاصيل العملية العسكرية، وقالت: «خطأ فني» أفشل «المهمة الإنسانية» الأميركية. وصاحب الخبر لقطة للرئيس الأميركي جيمي كارتر ودلائل الغمّ سطت على وجهه خلال لحظة إعلان الأنباء للأميركيين عبر التلفزيون.

انتهت الأزمة التي امتدت 444 يوماً بالتوقيع على اتفاقية في الجزائر في 19 يناير 1981، الأمر الذي وثّقته «الشرق الأوسط» في صفحتها الأولى ذلك اليوم، وقالت: «أوضح وزير الشؤون التنفيذية الإيراني أن الحكومة الإيرانية تلقت رداً من الولايات المتحدة عن طريق الجزائر... وسلمت طهران ردها إلى الجزائر فجراً».

صفحة الشؤون الدولية من عدد 20 يناير غطت تفاصيل الساعات الأخيرة قبل الاتفاق، وولادة منظمة «فلاغ» الأميركية، مهمتها رعاية رهائن أميركا في العالم، إلى جانب سقوط وزراء كارتر ضحايا المشكلات السياسية الداخلية في الوقت الذي تسلم فيه رونالد ريغان مفاتيح البيت الأبيض من كارتر. ويعتقد البعض أن الأزمة كانت سبباً في هزيمة الأخير. وكرّست الصحيفة صفحة كاملة لتنقل آخر فصل من مسرحية الرهائن... بالصور.


ريغان دخل البيت الأبيض داعياً لسلام مبنيٍّ على القوة. تصريحات الرئيس الأميركي الصريحة عن نية تغيير واشنطن سياساتها وجدت لنفسها حيزاً على الصفحة الأولى من عدد 21 يناير إلى جانب خبر إتمام عملية الإفراج، كأنها تبشّر بانتهاء عهد، وولادة آخر. عهد يحاصر طهران اقتصادياً لتأديبها، ويفرض عليها عقوبات لمنع تدخلاتها.

السياسة الصارمة لم تستمر، وحمل عهد ريغان فضيحة تعد من أشهر الفضائح السياسية التي شهدتها الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي. الفضيحة تمثلت بصفقة سرية ظهرت ملامحها في أواخر عام 1986. وفي عدد «الشرق الأوسط» الصادر يوم 7 نوفمبر حينذاك عنوان على الصفحة الأولى: «خفايا خطيرة للصفقة الأميركية - الإيرانية! أسلحة أميركية وصينية وإسرائيلية لإيران!». وقال الخبر: «أصبحت الاتصالات والمفاوضات التي بدأت منذ وقت طويل وما زالت مستمرة بطرق سرية بين المسؤولين في طهران والحكومة الأميركية حقيقة مؤكدة رغم اعتصام المسؤولين الأميركيين بعدم التعليق على الأنباء المتزايدة بأن مفاوضات جرت وتجري بين البلدين، وأن مسؤولين أميركيين قاموا بزيارات سرية إلى طهران من أجل تحسين العلاقات بين واشنطن وطهران من جهة، والإفراج عن الرهائن الأميركيين في لبنان من جهة أخرى».

واكبت الصحيفة آخر مستجدات الصفقة وكان الموضوع الرئيسي لصفحتها الأولى في عدد اليوم التالي بعنوان: «إسرائيل الطرف الخبيث المستفيد والأسلحة وصلت لإيران من عدة جهات! الصفقة تقسم إدارة ريغان... والنظام الإيراني». وقال: «يزداد الشك في مصداقية السياسة الأميركية مع الحلفاء والخصوم على السواء».

«إيران غيت»، الاسم الذي باتت هذه الفضيحة معروفة به،  كان عنوان الصفحة الأولى لعدد الجريدة الصادر في 10 نوفمبر، بينما تعاظمت الأسئلة الموجهة إلى ريغان وإدارته بشكل يستحيل معه الاستمرار في التزام الصمت.

انكسر الصمت أخيراً باعتراف من ريغان نشرته الصحيفة على صفحتها الأولى بعدد 14 نوفمبر. قال: «نعم... نزوّد إيران بالأسلحة وهدفنا مد الجسور مع المعتدلين بها»، نافياً أن الصفقة كانت مقابل الإفراج عن الرهائن الذين احتجزهم «حزب الله» اللبناني.

معلومات جديدة زادت اشتعال «إيران غيت» أو «إيران كونترا» مثل أن الرئيس الأميركي كان على علم عام 1983 بأن مقر قوات مشاة الأسطول «المارينز» والسفارة الأميركية في بيروت سيتعرضان للهجوم، لكنه لم يأخذ بهذه المعلومات، ووقع الانفجاران بالفعل. كما تبين أن نص الاتفاق السري بين أميركا وإيران -التي كانت تخوض آنذاك حرباً ضد العراق- على تزويد طهران بأسلحة متطورة مقابل إطلاق سراح الرهائن في لبنان بالفعل.

الكونغرس أصدر تقريره الكامل في 18 نوفمبر من عام 1987، وكشف أن صفقة «إيران غيت» تمت باتفاق بين جورج بوش الأب، نائب ريغان، ورئيس وزراء إيران أبو الحسن بني صدر في باريس، بحضور آري بن ميناشيا مندوب المخابرات الإسرائيلية «الموساد». وتبين أن واشنطن وظّفت أرباح الصفقة في تمويل حركة معارضة الثورة المعروفة بـ«الكونترا» للإطاحة بحكومة نيكاراغوا المدعومة من الاتحاد السوفياتي وكوبا. وحمّل الكونغرس ريغان المسؤولية كاملة، متهماً إدارته بازدراء القانون.

إخفاق أميركي ثانٍ في آخر ثمانينات القرن الماضي تَمثل في إسقاطها طائرة ركاب إيرانية في 3 يوليو (تموز) 1988 كان على متنها 289 شخصاً بالخطأ. الصفحة الأولى لعدد «الشرق الأوسط» اليوم التالي كان عنوانها الرئيسي: «أزمة سقوط الطائرة الإيرانية في مياه الخليج... إيران تحمّل أميركا المسؤولية وواشنطن تستعد لمواجهة أعمال عنف انتقامية».

لم تختلف سياسة طهران المناهضة لواشنطن بعد وفاة الخميني عام 1989، وتسلم المرشد الحالي علي خامنئي. وبدورها، استمرت الولايات المتحدة في التسعينات في محاولات لإضعاف النفوذ الإيراني ومشروع التدفق في المنطقة عن طريق العقوبات الاقتصادية في منتصف التسعينات خلال فترة رئاسة بيل كلينتون. تسلم محمد خاتمي الرئاسة في إيران عام 1997 ودعا إلى «حوار مع الأميركيين» إلا أنه لم تبدر خلال ولايته مبادرات حقيقية.
سياسة إيران دفعت الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، في خطابه الشهير في يناير 2002 إلى إدراج إيران في «محور الشر» مع العراق وكوريا الشمالية، معلناً عن بداية مرحلة جديدة من العقوبات بحق النظام الإيراني، الأمر الذي أثار الغضب في طهران التي بدأت تعمل على تطوير منشآت نووية لتخصيب اليورانيوم.
سلسلة من العقوبات فُرضت على إيران من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سطرت الألفية الثانية واكبتها «الشرق الأوسط»، وفي صفحة الوضع الإيراني ضمن عدد 24 يونيو (حزيران) 2007، نشرت مسودة عقوبات فرضتها واشنطن على طهران من ضمنها تفتيش الطائرات وحظر الأسلحة الدفاعية.

العلاقة بين البلدين في عهد أوباما وأحمدي نجاد كانت ظاهرياً شائكة أيضاً. وفي الصفحة الأولى من عدد 25 يونيو 2010 خبر عن إعلان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أن بلاده ستعلن شروطها لاحتمال استئناف المفاوضات حول برنامجها النووي ولكن بشروطها. وأضاف الخبر، في الوقت الذي كانت تمر إيران فيه بحزمة رابعة من العقوبات، إنهم سيتفاوضون «في شكل يأسفون له بحيث لا يجرؤون بعد اليوم على ارتكاب خطأ مماثل».

الحرب الكلامية استمرت. وفي عدد يوم 3 يوليو من العام ذاته، تصريح لأوباما توعد فيه إيران لدى توقيعه على قانون العقوبات الأميركي الجديد، وقال: «بهذه العقوبات نضرب قلب قدرة الحكومة الإيرانية على تمويل وتطوير برنامجها النووي... أفعالها تؤدي إلى نتائج وإذا استمرت (في تحديها) فإن الضغوط ستتصاعد وعزلتها ستزيد عمقاً».

مرحلة جديدة دخلتها العلاقات الأميركية - الإيرانية، وصفها البعض بـ«شهر عسل قصير» بعدما تسلم حسن روحاني رئاسة إيران. عدد 16 سبتمبر (أيلول) 2013 كشف تبادل رسائل بين أوباما وروحاني، ما يعد أول تواصل مباشر بين رئيسي البلدين منذ أكثر من 30 عاماً.

خطاب أوباما الخامس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أبدى عزم بلاده السعي إلى تبني دبلوماسية إيجابية مع إيران لتخطي «التاريخ الصعب» بين البلدين. إلا أن روحاني رفض لقاءً عابراً ولم يحضر.

وبقيادة أوباما، بدأت محاولات التهدئة مع طهران، حتى جلست مجموعة «5+1» مع إيران على طاولة واحدة في مارس (آذار) 2015، بحثاً عن صيغة لاتفاق نووي إيراني. الأمر الذي وثّقته صفحة داخلية لعدد «الشرق الأوسط» الصادر في 28 مارس. وضمت الصفحة أيضاً تقريراً لمحللين سياسيين وخبراء يقول إن «على الولايات المتحدة إدراك أن تهديدات إيران لأمن المنطقة تساوي مخاطر طموحاتها النووية».

صيغة لاتفاق يمنع «إيران نووية» رأى النور ونقلت تفاصيله الصحيفة في عددها الصادر في 3 أبريل 2015. الخبر وثّق أيضاً تطمينات أوباما لقادة الخليج في قمة بكامب ديفيد.

«بعد عقد من المراوغة... إيران توقّع»، هكذا كان عنوان الصفحة الأولى لعدد 15 يوليو من العام ذاته توثيقاً لتوقيع الاتفاق النووي أخيراً ورفع العقوبات عن 800 مؤسسة وشخصية في طهران.

لم تكبح الاتفاقية سياسات إيران التدخلية في منطقة الشرق الأوسط، واتضح أن الهدنة بين طهران وواشنطن كانت هشة وتلاشت بمجرد تولي دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة. وعادت العزلة بين الطرفين رسمية في 8 مايو (أيار) 2018 عندما أعلن الرئيس الأميركي انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، وتصعيد العقوبات المفروضة على إيران.

وبينما اختارت إيران المناورة عبر تنصلها من الالتزام بجزء من الاتفاق النووي، قرر ترمب توسيع العقوبات عليها لتطال قطاع صناعات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس في مايو 2019. الخبر احتل حيزاً على الصفحة الأولى من عدد 9 مايو. وقال: «وجاءت هذه الإجراءات تزامناً مع خفض طهران التزامها بالاتفاق النووي. ونددت دول أوروبية بالقرار الإيراني... ولوحت فرنسا بإعادة العقوبات».

إيران ردت في يونيو 2019 باعتداء على ممرات الطاقة في بحر عمان استهدف ناقلتي نفط. وعن ذلك قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إن «أميركا ستدافع عن قواتها ومصالحها وتقف مع حلفائها وشركائها لحماية التجارة العالمية والاستقرار الإقليمي».

وفي الشهر ذاته، دخلت المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران مرحلة جديدة إثر إسقاط «الحرس الثوري» الإيراني طائرة «درون» أميركية في مياه الخليج، وهو ما عدّه ترمب «خطأً جسيماً»، وفق ما نقلت عنه «الشرق الأوسط» في تغطيتها بعدد 21 يونيو على الصفحة الأولى. وقالت واشنطن إنها تبلور رداً مناسباً على تمادي طهران.

في الشهور الماضية، اعتقد المعظم أن تهديد الرئيس الأميركي بالرد كان مجرد حرب كلامية، إلا أن ذلك تبدد يوم الجمعة الماضي بعدما أودت غارة جوية أميركية، أمر بها ترمب، بحياة قاسم سليماني القائد بـ«الحرس الثوري» الإيراني في العراق. إيران ردت بإعلانها عدم الالتزام بالاتفاق النووي. العراق تحول إلى «مسرح» للمواجهات بين الطرفين. لكن المعروف أن هذه ليست المرة الأولى التي يقتربان فيها من مواجهة حقيقية.



إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
TT

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

تقدم أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع بحق زعماء إسرائيل و«حماس»، بسبب الجرائم التي تتهمهم بارتكابها في غزة، رؤى مهمة حول مدى اختصاص المحكمة وحدود سلطتها.

وقدم تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت؛ ورئيس الجناح العسكري لـ«حماس» محمد الضيف، الذي قد يكون ما زال على قيد الحياة.

لماذا تدعي المحكمة الاختصاص في هذه القضية؟

لقد انضمت أكثر من 120 دولة إلى معاهدة دولية، وهي نظام روما الأساسي، وهي أعضاء في المحكمة. تأسست المحكمة، التي يقع مقرها في لاهاي في هولندا، منذ أكثر من عقدين من الزمان لمقاضاة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجريمة العدوان.

واتهمت المحكمة نتنياهو وغالانت باستخدام التجويع كسلاح حرب، من بين تهم أخرى، في الصراع مع «حماس» في غزة.

واتهمت المحكمة محمد الضيف، أحد المخططين الرئيسيين لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والتعذيب والعنف الجنسي واحتجاز الرهائن.

لا تعترف الدول القوية، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة والصين، بسلطة المحكمة. ولم تصادق على نظام روما الأساسي، ولا تحترم المذكرات الدولية الصادرة عن المحكمة ولن تسلم مواطنيها للمحاكمة.

لا إسرائيل ولا فلسطين عضوان في المحكمة. ولكن في حين لا تعترف العديد من الدول بدولة فلسطين، فقد فعلت المحكمة ذلك منذ عام 2015، عندما وقع قادة السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على جزء كبير من الضفة الغربية.

وعلى الرغم من سيطرة «حماس» على غزة منذ عام 2007 ولا تعترف الجماعة المسلحة بخضوعها لدولة فلسطينية، فقد قضت المحكمة بأن لها ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

وقال ديفيد شيفر، السفير الأميركي السابق والمفاوض الرئيسي في النظام الأساسي الذي أنشأ المحكمة: «أود أن أزعم أن هذا يجعل تصرفات (حماس) أكثر عرضة للمحكمة الجنائية الدولية. إن السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لا تقتصر على (حماس) فقط، بل إن (حماس) أثبتت دورها كسلطة حاكمة لذلك الجزء من دولة فلسطين، وبالتالي فإن هذه السلطة تحمل المسؤولية، بما في ذلك ارتكاب جرائم فظيعة».

ومن الأهمية بمكان بالنسبة لسلطة المحكمة أن اختصاصها يمكن أن يمتد إلى ما هو أبعد من الدول الأعضاء. ويمنح نظام روما الأساسي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، سلطة إحالة جرائم الفظائع المرتكبة في أي دولة -عضو في المحكمة الدولية أم لا- إلى الهيئة القانونية للتحقيق.

وقد أحال مجلس الأمن السودان إلى المحكمة في عام 2005 بشأن الوضع الإنساني في دارفور، وأحال ليبيا في عام 2011 رغم أن كلتا الدولتين ليست عضواً في المحكمة.

وقال الخبراء إنه نظراً للتوترات الحالية بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة)، فمن غير المرجح أن يحيل المجلس بالإجماع فرداً إلى المحكمة للمحاكمة في أي وقت قريب.

وأشار شفير إلى أنه «نظراً للطبيعة غير الوظيفية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، فمن غير المرجح أن تنجو أي إحالة مقترحة لأي حالة معينة في العالم من الفيتو».

هل سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء؟

بالفعل، سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء، فروسيا ليست عضواً في المحكمة، ولكن في عام 2023 أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن غزو موسكو الكامل لأوكرانيا، التي لم تصبح عضواً بعد ولكنها منحت المحكمة الاختصاص ودعتها للتحقيق.

كما أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق عمر حسن البشير، الرئيس السابق للسودان، والعقيد معمر القذافي، الزعيم السابق لليبيا. ولا تتمتع أي من الدولتين بعضوية المحكمة.

في عام 2017، بدأ المدعي العام للمحكمة التحقيق في مزاعم جرائم الحرب في أفغانستان، بما في ذلك أي جرائم ربما ارتكبها الأميركيون. ورداً على ذلك، فرضت واشنطن عقوبات على فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة في ذلك الوقت، وألغت تأشيرة دخولها. وأسقطت المحكمة تحقيقاتها في وقت لاحق.

هل يمكن للمحكمة إنفاذ أوامر الاعتقال؟

في حين أن نطاق المحكمة قد يكون عالمياً تقريباً من الناحية النظرية، فإن قوتها في نهاية المطاف في أيدي أعضائها.

لا يمكن للمحكمة محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم غيابياً وليس لديها آلية لمحاكمة المتهمين. إنها تعتمد على الدول الأعضاء للعمل كجهات منفذة واحتجاز المشتبه بهم قبل أن يتمكنوا من المثول للمحاكمة في لاهاي. ومع ذلك، لا تلتزم جميع الدول الأعضاء بالاتفاق.

قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الجمعة، إنه دعا نتنياهو لزيارة بلاده، وهي عضو في المحكمة، وأنه سيتجاهل التزامه الرسمي بالتصرف بناءً على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة.

في سبتمبر (أيلول)، زار بوتين منغوليا، وهي عضو آخر، من دون أن يتم القبض عليه.

وزار البشير جنوب أفريقيا، وهي أيضاً عضو، لحضور قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2015.