غصن: هربت من اليابان للحصول على العدالة

قال إنه تعرض للتهديد وتعهد «تبرئة» ساحته

غصن خلال مؤتمر الصحافي في بيروت أمس (أ.ف.ب)
غصن خلال مؤتمر الصحافي في بيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

غصن: هربت من اليابان للحصول على العدالة

غصن خلال مؤتمر الصحافي في بيروت أمس (أ.ف.ب)
غصن خلال مؤتمر الصحافي في بيروت أمس (أ.ف.ب)

ندد كارلوس غصن في أول إطلالة علنية من بيروت منذ فراره من طوكيو، بما وصفه بـ«تواطؤ» ضده بين شركة «نيسان» والادعاء العام الياباني، مؤكداً أنه سينصرف في الفترة المقبلة إلى «تبرئة» ساحته من الاتهامات التي وُجّهت إليه كاشفا أنه تعرض للتهديد.
وقال غصن في مؤتمر صحافي عقده في مقر نقابة الصحافة إنه كان رهينة دولة، وكان أمامه خياران إما الموت في اليابان وإما الخروج منها، واصفا القانون الياباني بأنه ينتهك أدنى معايير حقوق الإنسان، وأكد أنه هرب من اليابان للحصول على العدالة، رافضا التحدث عمن ساعدوه في الهروب كي لا يعرضهم للخطر. وقال غصن إنه فخور بكونه لبنانيا وإن لبنان هو البلد الوحيد الذي وقف معه في الصعوبات. وأضاف «لا أعتبر نفسي سجيناً في لبنان وأنا سعيد لوجودي هنا»، نافياً وجود أي «خطر» عليه في لبنان.
وأكد أن التهم ضده لا أساس لها وتوقيفه كان «نتيجة خطة وضعها مسؤولون في شركة نيسان، وأنا لم أهرب من العدالة، وإنما هربت من اللاعدالة». وأوضح «ما حصل معي هو نتيجة لعمل أشخاص يريدون الانتقام مني في شركة (نيسان)، وبدعم من المدعي العام في طوكيو. أنا لم أهرب من القضاء الياباني، بل هربت من الاضطهاد السياسي»، مضيفا «قرار الرحيل كان القرار الأصعب الذي اتخذته في حياتي».
وأضاف أن «الطريقة الوحيدة التي كنت أتواصل فيها مع عائلتي عبر الزجاج ومن قبل المحامي. لقد كانت مدة استجوابي تطول لمدة ثماني ساعات يوميا ومن دون أن أفهم التهم الموجهة إلي».
وأوضح «هناك سببان أساسيان وراء ما حصل معي، كون أداء نيسان بات يتدهور في بداية عام 2016، ووقعت اتفاقية مع شركة ميتسوبيشي وأصبحت أملك 44 في المائة من الشركة. وتمت تسمية مدير جديد لشركة نيسان بعدما حققت عشرين مليار دولار لشركة باتت مزدهرة بعد أن كانت مجهولة ولا أحد يعرف بها، لقد تركت إرثا للمدير الجديد. والبقاء في هذه الشركة كمدير تنفيذي لمدة سبعة عشر عاما يعني أنني كنت ناجحا».
وأضاف «غادرت اليابان لأني أردت الحصول على العدالة، وإذا كانت العدالة في اليابان غير موجودة فسأنالها في مكان آخر. لقد صورتني بعض وسائل الإعلام في اليابان بأني ديكتاتور وبارد وجشع، ويقولون لا أحب اليابان وهذا غير صحيح، فأنا أحب اليابان والشعب الياباني». وقال ردا على سؤال عن طريقة خروجه من اليابان: «لن أتحدث عن ذلك لأنني لا أريد توريط من ساعدوني على مغادرة اليابان في أي مشاكل».
وفي رد على سؤال عن إمكانية أن يلعب دورا سياسيا في لبنان قال: «أنا لست سياسيا ولا أطمح لذلك، وإذا طلب مني وضع خبرتي غير السياسية في خدمة البلد، فأنا مستعد من دون أي رتبة».
وعن زيارته إلى إسرائيل وهي القضية التي كان تقدم ثلاثة محامين بأخبار بشأنها لدى النيابة العامة التمييزية، أوضح غصن أنه لم يقم بالزيارة كمواطن لبناني بل كرئيس لشركة «رينو»، وقال إنه عاد إلى لبنان عدة مرات منذ زيارة إسرائيل ولم يحدث أي شيء، سائلا: «من له مصلحة في فتح هذا الملف الآن؟».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.