الرد الإيراني «المحدود» جاء حفظاً «لماء وجه» النظام

الضربات لم تؤدِّ إلى أي إصابات بشرية وأضرارها لا تذكَر

الرد الإيراني «المحدود» جاء حفظاً «لماء وجه» النظام
TT

الرد الإيراني «المحدود» جاء حفظاً «لماء وجه» النظام

الرد الإيراني «المحدود» جاء حفظاً «لماء وجه» النظام

عكست كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، غداة القصف الإيراني «المحدود» على قاعدتين عراقيتين تأويان جنوداً أميركيين ودوليين، ارتياح إدارته للنتائج التي أسفرت عنها رسائل الضغط والتهديدات الموجهة إلى طهران والتي أطلقها كبار المسؤولين الأميركيين طيلة الأيام الماضية.
وخلافاً للظهور المكثّف لكبار المسؤولين الأميركيين يوم الثلاثاء، مع تناوب وزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الدفاع مارك إسبر، والرئيس ترمب، تباعاً على توجيه رسائل صارمة إلى الإيرانيين عن مغبّة الوقوع في الخطأ لدى ردّهم على مقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، فضلاً عن تحركات القوات الأميركية في المنطقة في استعراض واضح للقوة، حملت التصريحات الأميركية أمس، دعوات إلى السلام والتفاوض.
مساء الثلاثاء، وبُعيد سقوط الصواريخ الإيرانية، تولّى مساعد وزير الدفاع الأميركي للشؤون العامة جوناثان هوفمان، الإعلان في بيان مقتضب شرح الهجوم الذي استهدف القاعدتين، قائلاً إن «القوات الموجودة فيهما كانت في حالة تأهب قصوى نظراً إلى وجود مؤشّرات تفيد بأنّ النظام الإيراني يخطّط لمهاجمة قواتنا ومصالحنا في المنطقة»، مضيفاً أن إيران أطلقت أكثر من 12 صاروخاً باليستياً. وأن الوزارة تعمل على تقييم الأضرار التي نتجت عن هذا القصف، ليتبيّن لاحقاً أنها لم يؤدِّ إلى أي إصابة أميركية أو غربية أو عراقية، وأن الأضرار محدودة جداً.
وكشفت مصادر عسكرية أن القوات الأميركية كانت لديها تحذيرات مبكّرة تكفي لاتّخاذ الاحتياطات اللازمة من أي هجوم صاروخي على القواعد العسكرية في العراق. وقالت تلك المصادر إن التحذير كان مبكّرا بما يكفي لتشغيل صافرات الإنذار، وابتعاد العناصر، والاحتماء في الملاجئ المحصنة.
ونقلت وسائل إعلام أميركية عدة عن مسؤولين أميركيين القول إن الضربات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت قاعدة «عين الأسد» العراقية، فجر الأربعاء، لم تُصب مناطق كان يوجد بها عسكريون أميركيون. وأصاب صاروخان باليستيان على الأقل مناطق في أربيل، وسقط واحد منهما داخل محيط مطار أربيل الدولي دون أن ينفجر، فيما أصاب الثاني منطقة تبعد نحو 30 كيلومتراً غرب أربيل، دون أن يتسبب في وقوع إصابات، وتداول ناشطون عراقيون صوره على الأرض.
وقالت شبكة «سي إن إن» إن جنوداً أميركيين وعراقيين قاموا بدوريات خارج قواعدهم العسكرية في الساعات التي تلت الضربات، وفقاً لمسؤول عسكري أشار أيضاً إلى أن مروحيات كانت تحلّق حول تلك القواعد. وقالت الشبكة إن طائرة حربية حلّقت بعد فترة وجيزة من الهجمات فوق وسط بغداد، بالقرب من المنطقة الخضراء شديدة التحصين التي تضم السفارة الأميركية في بغداد.
وكان مسؤولان قد أبلغا الشبكة بأنه تم وضع القوات الأميركية وبطاريات الدفاع الصاروخية في جميع أنحاء الشرق الأوسط في حالة تأهب قصوى خلال ليل الاثنين الماضي، مع ورود معلومات استخباراتية حول تهديدات بشن هجوم وشيك ضد أهداف أميركية. وقالت الشبكة إن الاستخبارات الأميركية رصدت قيام إيران بنقل معدات عسكرية، منها طائرات من دون طيار وصواريخ باليستية، خلال الأيام القليلة الماضية.
وفسّر مسؤولون أميركيون هذه التحركات العسكرية الإيرانية بأنها محاولة من جانب طهران لحماية أسلحتها من ضربة أميركية محتملة، أو وضع هذه الأسلحة في مواقع من أجل شن هجمات.
غير أن الرّد الإيراني الذي بدا أنه كان مصمَّماً لتفادي عدم سقوط أي إصابة بشرية، عدّه البعض إما أن يكون عائداً إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي لا يعلم بقدرات جيشه، وبالتالي لا يعلم ما الذي حققته تلك الضربات التي انتهت إلى الفشل، وهو أمر مستبعَد نظراً إلى تدخله المباشر في الشؤون العسكرية، وإما أن يكون الهدف من الضربة تفادي الوقوع في حسابات خاطئة من الطرفين اللذين لا يرغبان في التورط بحرب طويلة ومفتوحة وغير مربحة لأي منهما. أما النظرية الثالثة، فهي أن الرد هو محاولة من طهران للإيهام بأنها اكتفت والتزمت بالخطوط الحمر الأميركية بشكل زائف وأنها ضعيفة عسكرياً، فيما هي تؤجل توجيه ضربة موجعة إلى وقت لاحق وغير منتظر.
غير أن كشف إيران أنها أبلغت رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، شفوياً عن استعدادها لتنفيذ تلك الضربات، قد يكون الرسالة التي وصلت رسمياً إلى الأميركيين لاتخاذ الاحتياطات اللازمة تفادياً لسقوط قتلى أميركيين، خصوصاً بعدما حذّر ترمب بشكل واضح من أن ذلك قد يؤدي إلى رد غير متوقع وغير متناسب.
وأجمع العديد من المراقبين على أن الرد كان «حفظاً لماء وجه النظام»، وبموافقة أميركية لتهدئة الأجواء عبر إظهار تمسك طهران بأنها «ثأرت» لمقتل قاسم سليماني، لكنها لا تريد ولا ترغب في التورط بأي حرب مع الولايات المتحدة.
وفيما تمسكت السفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، بقولها إن الديمقراطيين وحدهم هم الذين ينعون سليماني، مانحة تأييدها لسياسات ترمب، بدا بعض وسائل الإعلام الأميركية المعارضة له، كأنها تتحدث باسم إيران في المواجهة التي يخوضها البلدان في هذه الفترة.
وفيما حاولت بروباغندا النظام الإيراني تضخيم «الرد الساحق»، واصلت تلك الوسائل حملتها لشيطنة سياسات ترمب في التعامل مع ملف إيران، والإصرار على التحذير من أن إيران لم تنتهِ بعد من ثأرها. في المقابل، واصل الديمقراطيون خصوصاً المرشحين الرئاسيين، انتقادهم لترمب، مشككين بامتلاكه استراتيجية واضحة في الشرق الأوسط.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.