الأزمة المالية تجبر اللصوص في لبنان على تغيير أساليبهم

يفضلون سرقة الدراجات النارية بدلاً من السيارات... وحقائب السيدات صيد سهل

TT

الأزمة المالية تجبر اللصوص في لبنان على تغيير أساليبهم

قلّما يخلو منزل لبناني من خزنة حديدة يودع فيها أمواله وأغراضه الثمينة، وتحديداً هذه الأيام، بعد ارتفاع نسبة السرقات، إلا أن الخزائن لا تمنح الشعور بالأمان، كما تقول إحدى السيدات لـ«الشرق الأوسط»، مضيفة أن «اللص إذا كان مسلحاً، فسيرغمنا على فتحها وسلب ما فيها. لذا نفتش عن وسيلة آمنة نخفي فيها أموالنا داخل المنزل».
ومع تردي الوضع الاقتصادي، ارتفع الإقبال على شراء الخزانات لحماية الأموال التي يكدسها اللبنانيون في المنازل. إذ من المتوقع أن يشهد المجتمع اللبناني مزيداً من حوادث السرقة، لا سيما بعد الحديث عن أن نحو 50 في المائة من الشعب اللبناني يعيشون تحت خط الفقر، ومع ارتفاع معدل البطالة إلى 40 في المائة، مقابل وجود أموال مكدسة تتجاوز الملياري دولار في خزائن اللبنانيين الموجودة في منازلهم، بعدما فقدوا الثقة بالمصارف، وفقدوا القدرة على سحب أموالهم عندما يحتاجون إليها مع الإجراءات التي اتخذتها تلك المصارف، حتى قبل اندلاع الانتفاضة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وبين الحاجة والفوضى، تنتشر أخبار السرقات، التي لم تعد توفر حتى المؤسسات الرسمية أو دور العبادة؛ فقد أقدم مجهولون على سرقة محتويات خزانة مكتب لـ«مؤسسة كهرباء لبنان»، قبل نحو شهرين. كما تسلل لصوص إلى إحدى الكنائس، وسرقوا صندوق التبرعات.
وأطرف السرقات، حصلت قبل نحو أسبوعين، عندما نشل أحد اللبنانيين «سيخ شاورما» من أحد مطاعم بيروت، وفر به هارباً، إلا أن صاحب المطعم منع العمال من مطاردته، معتبراً أنه سرق ليأكل ويطعم عائلته.
لكن بعض السرقات يتم التخطيط لها، لا سيما إذا كانت «العملية دسمة»، كما حصل في إحدى قرى الجنوب، فقد تعرض أحد المواطنين إلى سرقة مبلغ يفوق المائة ألف دولار، وذلك في منزله المجهّز بكاميرات للمراقبة، ومن دون اقتحام أو خلع أو كسر، ما يعني أنه على صلة بالسارقين الذين دخلوا المنزل بطريقة طبيعية، عندما كان بمفرده بعد ذهاب عائلته إلى بيروت، ثم عطلوا الكاميرات وسلبوه أمواله.
ويتم تداول شريط صوتي يحذر السيدات تحديداً من سرقة سياراتهن وحقائبهن، لأن اللصوص يعتبرونهن صيداً سهلاً. كما ينصح النساء بعدم التزيّن بالمجوهرات والذهب تجنباً لجذب اللصوص.
تجدر الإشارة إلى أن سرقة السيارات تراجعت بنسبة ملحوظة بحسب الإحصاءات الأمنية الرسمية. والسبب هو العجز عن بيعها أو فرض مبالغ مالية مرتفعة على أصحابها ليستعيدوها، كما كانت العادة مع هذا النوع من العصابات المتمركزة في البقاع اللبناني.
فنقص السيولة، إثر أيضاً على هذه العصابات، التي حوّلت نشاطها إلى سرقة الدراجات النارية لسهولة بيعها، من جهة، ولحاجتهم إليها للتحرك بسرعة من جهة ثانية. إضافة إلى أنها توفر في استهلاك الوقود.
كذلك تفاقمت سرقة أكثر من عشرين صيدلية مع تهديد بالسلاح، الأمر الذي استدعى تأمين بعض الحماية الذاتية، كما يقول صيدلي لـ«الشرق الأوسط»، ويوضح أنه «اضطرّ إلى وضع باب حديدي عند مدخل الصيدلية وفتح نافذة فيه، يعمد ليلاً إلى إقفاله وفتح النافذة ليزود الزبائن بأدويتهم عبرها، هذا عدا احتفاظه بمسدس يتمنى ألا يستخدمه».
وتفيد أرقام قوى الأمن الداخلي عن حصول 1573 سرقة سنة 2019، إضافة إلى 240 عملية سلب و668 عملية نشل، بزيادة تصل إلى 13.1 في المائة عن العام الماضي. إلا أن هذا الوضع لا يزال أفضل منه مما كان عليه بين الأعوام 2014 و2017.. فمعدل السرقات بلغ 131 شهرياً، خلال عام 2019. في حين وصل إلى 190 سرقة شهرياً عام 2014.
وترى الجهات الأمنية أن «نسبة السرقة مقبولة جداً في ظل الظروف التي يعيشها اللبنانيون، ولا داعي للهلع. وليس صحيحاً أن الفقر هو سبب السرقة، وإن بقي أحد المؤشرات المهمة».
وتشير إلى أن «ما يحد من هذه الظاهرة هو سرعة تحرك القوى الأمنية وإلقاء القبض على المرتكبين، فقد تم توقيف العصابات المسؤولة عن سرقة الصيدليات. وكذلك بعض عصابات سرقة السيارات. ولبنان لا يشهد فوضى أمنية، لأن الردع سريع للجم أي عمل إجرامي».
وتشدد الجهات الأمنية إلى «أنها تبذل جهداً كبيراً لمنع الفوضى، وتحديداً في محيط المصارف، سواء لحماية الموظفين أو لتسهيل شؤون المواطنين، والحؤول دون أن يستغل أي كان الأزمة الحالية. كما تحدد أولوياتها من خلال الملاحقات والمتابعات التي تقوم بها قوى تملك الحرفية والوسائل المتطورة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.