أنقرة تعلن عن 300 ألف نازح من إدلب خلال شهر واحد

زعيمة معارضة تطالب إردوغان بالحوار مع الأسد

TT

أنقرة تعلن عن 300 ألف نازح من إدلب خلال شهر واحد

كشف وزير الداخلية التركي سليمان صويلو عن نزوح أكثر من 300 ألف من سكان محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، خلال شهر واحد إلى أماكن أكثر أمناً قرب الحدود التركية هروباً من قصف النظام السوري وداعميه.
وقال صويلو، في تصريح أمس (الثلاثاء)، إن مؤسساتنا الحكومية ومنظماتنا المدنية وبلدياتنا تسعى جاهدة لتأمين ظروف معيشية جيدة للنازحين وتوفير الكساء وحمايتهم من برد الشتاء. وأضاف أن تركيا لم تهمل السوريين وقدمت لهم احتياجاتهم واستضافتهم على أراضيها، لكن بعض الدول تنتظر تعثرها، معتبراً أن «استقرار وأمن المنطقة مرتبط بأمن واستقرار تركيا». وتابع: «نحن لسنا من أوروبا والغرب، وتاريخنا لا يسمح لنا بترك السوريين تحت وابل النيران، والفرق بيننا وبين الغرب، أننا لا نبيع ضميرنا ووجداننا بالمال».
في السياق ذاته، ذكرت جمعية «منسقي الاستجابة المدنية في الشمال السوري»، المعنية بجمع البيانات عن النازحين، أن أكثر من 31 ألفاً من سكان محافظة إدلب السورية اضطروا للنزوح باتجاه الحدود التركية، خلال الأيام الأربعة الأخيرة، جراء قصف النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة له.
وقالت الجمعية إن عدداً كبيراً من سكان مدينة معرة النعمان والقرى المحيطة بها نزحوا باتجاه المناطق القريبة من الحدود التركية، مشيرة إلى أن إجمالي عدد النازحين من إدلب منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وصل إلى 359 ألفا و418 نازحا، بحاجة إلى المأوى والمساعدات.
وأرسلت الأمم المتحدة 68 شاحنة مساعدات إنسانية إلى إدلب عن طريق معبر «جيلفا جوزو» الحدودي، بولاية هطاي، جنوب تركيا أمس، سيجري توزيعها على المحتاجين في مدينة إدلب وريفها.
ويعاني النازحون من غياب أبسط الخدمات الأساسية للعيش، من قبيل التغذية، والخدمات الصحية، وغيرها، كما تزيد ظروف الشتاء القاسية من معاناتهم. وتواصل الأمم المتحدة إرسال المساعدات إلى المحتاجين في محافظة إدلب والنازحين بالتزامن مع تواصل قصف قوات النظام وروسيا على ريف إدلب الجنوبي والشرقي.
في السياق ذاته، بحث رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو التطورات في سوريا والوضع في إدلب إلى جانب التطورات الخاصة بليبيا والشرق الأوسط. وناقش المسؤولان التركي والروسي، في اتصال هاتفي مساء أول من أمس، الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها من أجل حل الأزمات في المنطقة، وخفض التوتر فيها.
وكانت تركيا وروسيا وإيران أعلنت في مايو (أيار) 2017 توصلها إلى اتفاق «منطقة خفض التصعيد» في إدلب، في إطار اجتماعات آستانة، وأنشأت تركيا بموجب ذلك 12 نقطة مراقبة عسكرية في المنطقة، ثم وقعت تركيا وروسيا في سوتشي في 17 سبتمبر (أيلول) 2018، اتفاقاً لتثبيت خفض التصعيد وإنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح للفصل بين قوات النظام والمعارضة في إدلب.
وجرت اتصالات عدة بين مسؤولين أتراك وروس خلال الأسابيع الأخيرة في محاولة للتوصل إلى هدنة ووقف هجوم النظام على إدلب، وسيبحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في إسطنبول اليوم (الأربعاء) الوضع في إدلب وإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
في سياق متصل، انتقدت رئيس حزب «الجيد» التركي المعارض، ميرال أكشينار، سياسة حكومة بلادها في التعامل مع المسألة السورية منذ بدايتها في 2011 وحتى الآن داعية إردوغان إلى التعقل ومراجعة سياسات حكومته بشأن سوريا والتواصل مع حكومة بشار الأسد للتوصل إلى حل لمشاكل اللاجئين وتهدئة الوضع في البلاد.
وقالت أكشينار، خلال مؤتمر لحزبها في أنقرة: «يا سيد إردوغان، إذا لم تكن عقلانياً، فأنا مستعدة للذهاب إلى سوريا ومقابلة الأسد لحل هذه المشكلة... على ماذا حصلنا نحن بعد التجربة السورية؟ لقد أنفقنا نحو 40 مليار دولار على ملايين اللاجئين».
ولفتت أكشينار إلى أن إردوغان كان يثني من قبل على نظيره السوري قائلاً إن حركة التجارة زادت بسبب «أخي الأسد»، بينما أصبحت السياسة التركية الخارجية قائمة على الكراهية.
وأضافت: «عندما ننظر إلى كل هذا نرى طموح إردوغان أن يصبح قائداً للشرق الأوسط، ونرى الكثير من الكراهية من جيراننا على الحدود».
ووجهت حديثها إلى إردوغان قائلة: «يا سيد إردوغان، إذا لم تكن عقلانياً؛ فأنا مستعدة للذهاب إلى سوريا ومقابلة الأسد لحل هذه المشكلة، سنستمر في الاعتراض على تلك اللهجات التي لا حصر لها حيال السياسات الخارجية. وسنحمي حقوق الأبرياء عن طريق تغيير تلك اللغة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.