لم تمر ثورة «لبنان ينتفض» مرور الكرام بالنسبة للإعلامي زافين قيومجيان. فهي ألهمته لإصدار الطبعة الرابعة من كتابه «لبنان فلبنان» (Lebanon shot twice) ، ليستذكر معها، وبالصور الفوتوغرافية، وجوهاً وأماكن علّقت في ذاكرته منذ حرب السبعينات في لبنان. وإذ به يتصفحها من منظار فني وتقني وشعبي في آن ليجددها في مجلد من نحو 370 صفحة. وقد طرحه مؤخراً في الأسواق والمكتبات ليكون بمثابة شاهد حي على أحداث ماضية وأخرى حالية، يمكن أن يعاينها جيل اليوم بعينه الطامحة إلى مشاهد تغييرية دائمة. هكذا يجدّد ذاكرته ويحييها بصور تحاكي اللحظة وتوثقها من أجل مستقبل يحلم به.
«تقع أهمية هذا الكتاب بروايته لمشاهد تجمدت حركتها، وأحياناً انقلبت رأساً على عقب منذ اندلاع الحرب اللبنانية. ويطال من ناحية أخرى وجوهاً وأماكن تطورت مع الوقت، وأبت الاستسلام لماض نخرها حتى العظم»، يقول زافين قيومجيان، في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «في هذه الطبعة المتجددة، التي ربطتها بحاضر شباب يثور ويطالب بالتغيير، قللت من النصوص المكتوبة لتحتل الصورة الفوتوغرافية المساحة الأكبر. ألغيت عبارات كانت تواكب فترات الحرب كجمل (سالكة وآمنة) و(الشرقية والغربية) و(سيارات مفخخة) و(قتلى وضحايا) وغيرها من عبارات الحرب، لأن شباب اليوم بات يستذكرها من جديد مع انطلاق المظاهرات في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت».
ويلتقط زافين في هذا الكتاب روح اللحظة ضمن صور لسياسيين وعمارات وأحياء وفنادق وجوامع وغيرها، ما أظهر تطورها بين الأمس واليوم. «في الطبعة الماضية استعنت بالمصورة حياة قرانوح، وفي النسخة الجديدة لهذا العام تعاونت مع المصور علي شحادة. فالصورة الفوتوغرافية تعني لي الكثير وكانت الوحيدة التي أطل من خلالها على أخبار الحرب في بداياتي عندما كنت لا أزال يافعاً أعايش الحرب الدائرة في بلادي. كما أني من هواة التصوير ومن المعجبين به لأنه يوثق اللحظة التي في استطاعتنا العودة إليها في أي زمان». ولماذا لم تعتمد على نفسك في التقاط صور كتابك «لبنان فلبنان»؟ يرد: «لأنّني خفت من عدم استطاعتي تأمين المستوى الرفيع المطلوب في صور الكتاب. ولكنّي أخطط لأقوم بهذه المهمة في الطبعة الجديدة».
و{لبنان فلبنان» الذي صدرت الطبعة الأولى منه في عام 2003، يصوّر كيف يتغير لبنان من مرحلة إلى أخرى من خلال أشهر صور الحرب توازيها صور أكثر حداثة التقطت للمكان نفسه أو الشخص من الزاوية نفسها، وفي الإطار نفسه، ولكن في الزمن الحالي. واستقطب هذا الكتاب السياح العرب والأجانب واللبنانيين المغتربين، إذ اعتبروه وثيقة تاريخية يحتفظون بها في مكتباتهم في كل مرة رغبوا في العودة إلى الوراء وفي استكشاف الحاضر المحيط بلبنان. ويعد الكتاب من بين الأكثر مبيعاً في لبنان، وصنفّته اليونيسكو بين أهم 10 كتب في العالم التي تعاطت بالذاكرة الجماعية المرتبطة بالمجتمعات الخارجة من مرحلة الحرب. أمّا مجلة «نيويورك تايمز» الأميركية فأدرجته في عام 2018، ضمن لائحة أهم 5 كتب وأفلام سينمائية يجب الاطلاع عليها لاستيعاب المراحل التي مر بها لبنان الحديث، لا سيما وأنّه مكتوب بالعربية والإنجليزية.
يقول زافين لـ«الشرق الأوسط»، «لقد ركزت في الكتاب على الثقافة الشعبية خلال الحرب اللبنانية بعيداً عن مفهوم المحاسبة، ولتكون الصور فيه بمثابة دروس وعبر نستخلصها في ظل غياب طرف ثالث يمكن أن يلعب دور الحكم، ويحاسب هذا الفريق أو ذاك. ومن هذا المنطلق أنا مقتنع أن أحداً لا يحق له محاسبة آخر على هذه الحرب، بل عليه العمل على عدم تكرارها».
صور لسياسيين أمثال وليد جنبلاط وأمين الجميل والعلامة الراحل محمد حسين فضل الله وغيرهم، إضافة إلى رموز حرب مشهورين في لبنان أمثال جوسلين خويري يتلقفها «لبنان فلبنان»، مبرزاً التغيير الذي لامس أصحابها من حقبة إلى أخرى. وفي موضوع الثورة يلتقط صوراً لأماكن اشتهرت أيام الحرب والسلم، وبالتالي في أيام الثورة، ليعالجها بأسلوب ثلاثي الأبعاد. «فنشاهد جسر الرينغ وفندق فينيسيا وساحة الشهداء وجامع محمد الأمين وسط بيروت وصالات السينما في شارع الحمرا وساحة ساسين في الأشرفية وغيرها. نستعرضها جميعها بين البارحة واليوم عندما أعادتها المظاهرات إلى الحياة من منظار آخر». وفي مجال الأزياء اختار الإعلامي زافين صورة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمصمم العالمي إيلي صعب؛ نشر صورة قديمة يظهر فيها أحد المسلحين أيام الحرب يزين «مانيكان» على طريقته لنعود ونرى من الزاوية والشارع نفسه دار إيلي صعب للأزياء و«مانيكان» ترتدي واحدة من تصاميمه.
«إنّه عمل فني أكثر مما هو توثيقي يزود الصورة بلحظات غرائبية تعبق بنفحة فنية خارجة عن المألوف وتزود ناظرها ببعد ثالث ومن منظار جديد»، يوضح زافين في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويختم الإعلامي اللبناني قائلاً: إنّ «الثقافة الشعبية اليوم هي أسلوب جديد لرصد حضارة الشّعوب، بينما كانت في الماضي ترتكز على الأدب والشعر. وفي عالمنا العربي يغمرنا شعور بالخوف من التجديد يواكبه الشّعور بالخجل من الحاضر. وأنا شخصياً ضد نظرية أن الأجداد كانوا يتمتعون بحياة هادئة وبأسلوب معيشي أفضل يطال حتى الموضة والأغاني. فرأيي لكل جيل مزاجه، ولذلك أشعر بمسؤولية ربط الأجيال ببعضها. ولا يمكن أن نلغي من سبقونا، بل أن نظهر تراكم هذه الثقافات الشعبية، ونتأملها، لنحافظ على ذاكرة سليمة سلسة ومرنة».
كتاب «لبنان فلبنان» لزافين... وجوه وأماكن بالصور
في طبعته الرابعة يستذكر الإعلامي اللبناني الحرب مقارنة بالثورة
كتاب «لبنان فلبنان» لزافين... وجوه وأماكن بالصور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة