مخيم «واشوكاني» بالحسكة... شتاء قاس وغياب للمساعدات

مديرة المخيم تحذر من كارثة إنسانيّة وانتشار أمراض وبائية معدية

لاجئة هربت من معارك «نبع السلام» التركية إلى مخيم «واشوكاني» بالحسكة (الشرق الأوسط)
لاجئة هربت من معارك «نبع السلام» التركية إلى مخيم «واشوكاني» بالحسكة (الشرق الأوسط)
TT

مخيم «واشوكاني» بالحسكة... شتاء قاس وغياب للمساعدات

لاجئة هربت من معارك «نبع السلام» التركية إلى مخيم «واشوكاني» بالحسكة (الشرق الأوسط)
لاجئة هربت من معارك «نبع السلام» التركية إلى مخيم «واشوكاني» بالحسكة (الشرق الأوسط)

لم تستطع شمسة السيدة التي تبلغ من العمر أربعين عاماً، أن تحبس قهرها؛ فانهمرت دموعها وهي تقف أمام إدارة مخيم «واشوكاني»، الذي يبعد 12 كيلومترا غرب مدينة الحسكة الواقعة شمال شرقي سوريا.
شمسة عربية تتحدر من قرية العامرية بريف بلدة تل تمر الشمالي التي تتعرض لهجمات عسكرية من قبل «الجيش السوري الوطني» الموالي لتركيا. وبعد اقتراب الاشتباكات من القرية وتحليق الطيران العسكري في السماء بشكل يومي ووصول نيران المعارك إلى مسقط رأسها، أجبرت وزوجها وأطفالها الصغار على النزوح إلى المخيم بداية ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي.
تقول شمسة: «مضى أسبوعان وأنا أوجد هنا تحت صيوان جماعي، أنتظر إعطاءنا خيمة لإيوائنا. لقد مرض أطفالي من شدة البرد». لكن وبعد انتظار دام لأكثر من ساعتين تعذر تسلم خيمة نظراً لغياب منظمات دولية إنسانية تقدم المساعدات، وإيواء النازحين الفارين من المناطق التي تتعرض لهجمات عسكرية من الجيش التركي وفصائل سورية موالية، عادت إلى مكانها المخصص في خيمة جماعية كبيرة تبلغ مساحتها مائة متر تضم قرابة 15 عائلة بصحبة أطفالهم، بينما يضطر الرجال للنوم في مكان منعزل عن النساء. تقول شمسة: «من شهر لم يستحم أطفالي وأنا وزوجي نفس الحالة، لا نزال بنفس الملابس التي هربنا بها من منزلنا قبل شهر». تشير إلى شيء معلق على قاعدة الصيوان فيبدو كيسا كبيرا وضعت فيه ملابس قديمة وبعض الحاجات الشخصية. وتضيف: «هذا المكان تحول إلى مسكننا الجديد، تمنيت لو أخذني الموت على أن أجد أطفالي بهذه الحالة من برد ومرض وجوع».
على مقربة من شمسة، كانت تجلس غزالة المتحدرة من رأس العين وتبلغ من العمر (31 سنة) تطعم أطفالها أحدهم كان رضيعاً. فوجبة الطعام عبارة عن علبة من المرتديلا وخبز ومعلبات تحتوي على بقوليات وحمص، لكنها اشتكت من غياب المساعدات وعدم وجود منظمات داعمة تتضامن مع حالهم: «هربنا بملابس النوم ومنذ قرابة شهر ونحن ننتظر، الدنيا ضاقت علينا وما يزيد مأساتنا غياب المنظمات».
وشن الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هجوماً عسكرياً واسعاً سمي بعملية «نبع السلام»، وتم السيطرة على مدينتي رأس العين بالحسكة وتل أبيض بالرقة وشريط حدودي بطول 120 كيلومتراً متاخم للحدود التركية، حيث أجبر أكثر من 300 ألف سوري الفرار من مناطقهم، قاصدين الريف والمدن المجاورة، لكن 4 آلاف نازح منهم وصلوا إلى مخيم «واشوكاني».
تقول سلوى صالح مديرة المخيم إنّ العدد الإجمالي لقاطني المخيم بلغ نحو 5 آلاف نازح، بتعداد 950 عائلة «يسكنون 850 خيمة. والمخيم شيد 150 خيمة جديدة ليصل عددها إلى ألف خيمة، ورغم ذلك هناك العشرات يومياً يفرون من ديارهم قاصدين المخيم». وأشارت إلى وجود ثلاثة مخيمات كبيرة تستقبل النازحين الجدد، ينتظرون لقرابة 15 يوما حتى يتسنى لهم تسلم خيمهم. وحذرت مديرة المخيم من كارثة إنسانيّة وانتشار أمراض وبائية معدية خاصة مع اشتداد موجات البرد والأمطار الشتوية، ولفتت قائلة: «تنقصنا أجهزة التدفئة والوقود والمواد الأساسية والأغطية والمساعدات الطبية، لسد الفجوة الصحية التي اتسعت مع زيادة أعداد النازحين».
ونقل نازحو المخيم أنهم يواجهون أوضاعاً إنسانية صعبة في ظل غياب دعم الأمم المتحدة وخروج غالبية المنظمات الإنسانية الدولية من المنطقة، وانقطاع التيار الكهربائي ولا تغطي قلة وقود التدفئة حاجات النازحين. ويبقى الدعم الذي تقدمه «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا ومؤسساتها، محدودا.
ويُعد المشفى الميداني التابع لـ«الهلال الأحمر الكردي» في المخيم، واحداً من المرافق الطبية الأكثر استقبالاً لمواجهة الأمراض ويوفر خدمات الرعاية الصحية. وتقول الممرضة المتطوعة لورين زيادة، إن أعداد المخيم تزايدت بسرعة فائقة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الطبية خصوصا في الاستجابة للخدمات الإسعافية، فقد «أصيب الكثير من الأشخاص أثناء العمليات القتالية أو في طريقهم إلى المخيم وما زالوا ينتظرون تلقي العلاج».
وتحت خيمة صغيرة لا تقي برودة طقس الشتاء مساحتها 20 متراً مربعاً، كانت تجلس هنود ذات الخمسين عاماً بلباسها المحلي وغطاء رأسها الملون. بدت متقدمة في السنّ بسبب كثرة التجاعيد في وجهها الشاحب. قالت إن الجيران نقلوا لها أن منزلها الكائن بقرية أم العصافير بريف رأس العين الجنوبي، تعرض لقصف الطيران التركي وسوي بالأرض. «لم يتبق لي شيء من هذه الحياة، ما بنيته طوال ثلاثين عاماً ذهب بصاروخ».
أما حامد الذي يبلغ من العمر ثمانين عاماً ويتحدر من قرية الطويلة بريف بلدة تل تمر، فكان يدخن سيجارة تلو الأخرى، هربا من قساوة الحياة في المخيم، فذكر أن ممتلكاته سرقت بالكامل من قبل الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، مضيفا، أن 300 كيس شعير كان في المستودع سرقت مع عبوات الغاز وشاشة التلفاز المسطحة الحديثة وكل الأجهزة الكهربائية. «تمنيت لو مت ولم أسمع بهذه السرقات. حياتنا ضاعت ومصيرنا مجهول».



تخوف يمني من سيناريو غزة وسط تهديدات حوثية بالتصعيد

حريق ضخم عقب استهداف إسرائيل مستودعات الوقود في الحديدة (أ.ف.ب)
حريق ضخم عقب استهداف إسرائيل مستودعات الوقود في الحديدة (أ.ف.ب)
TT

تخوف يمني من سيناريو غزة وسط تهديدات حوثية بالتصعيد

حريق ضخم عقب استهداف إسرائيل مستودعات الوقود في الحديدة (أ.ف.ب)
حريق ضخم عقب استهداف إسرائيل مستودعات الوقود في الحديدة (أ.ف.ب)

أثارت الضربات والتهديدات اللاحقة التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون، وإعلان الحوثيين استمرار الهجمات مخاوف اليمنيين من تكرار سيناريو الدمار الذي أحدثته في قطاع غزة داخل بلدهم.

ولا يخفي محمد عبد الله، وهو موظف حكومي وأحد سكان مدينة الحديدة، هذه المخاوف ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل دولة قوية ومحمية من الغرب، وقد أنهت مظاهر الحياة في قطاع غزة، ويمكن أن تكرر ذلك في اليمن، ويأمل ألا تتطور الأحداث وتصل إلى هذا المستوى.

سحب من الدخان واللهب جراء احتراق مستودعات الوقود في الحديدة اليمنية إثر غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

يضيف عبد الله أن «أصوات انفجارات الضربات الإسرائيلية مرعبة، وليست كما الضربات الأميركية التي لا يسمع أصواتها إلا جزء من سكان المدينة».

هذه المخاوف يشاركه فيها يحيى وهو موظف لدى شركة تجارية اكتفى بذكر اسمه الأول، ويقول إن الحياة بدأت تعود تدريجياً والحركة التجارية في ظل التهدئة بين الحكومة اليمنية والحوثيين، ولكن التصعيد مع إسرائيل مخيف؛ لأنها دولة تبطش، ولا تعمل حساباً لأي هدف كان مدنياً أو عسكرياً. ورأى أن استهداف مخازن الوقود دليل على ذلك؛ لأنها ظلت بعيدة عن الاستهداف طوال سنوات الحرب.

وفي حين يتحفظ الحوثيون على إعلان عدد الضحايا، يذكر أيمن جرمش وهو مسؤول محلي في الحديدة أن زميله المهندس أحمد موسى هو أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية، وقد قُتل إلى جانب آخرين منهم نبيل ناشر، وأحمد عبد الباري يوسف، وصلاح الصراري، وأبو بكر الفقيه وإدريس الوصابي.

إضافة إلى ذلك، أفادت مصادر حكومية بأن عدد جرحى الغارات الإسرائيلية وصل إلى 90 شخصاً، وأن الضربات دمرت خزانات الديزل والمازوت والبنزين، بينما أكد سكان الحديدة انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من المدينة.

أجندة خارجية

يؤكد العقيد وضاح الدبيش المتحدث باسم القوات الحكومية اليمنية في الساحل الغربي لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين دفعوا اليمن المثقل بالفقر والأزمات إلى قلب المواجهة، خدمةً لأجندة خارجية، في حين أنهم (الحوثيين) من دون قدرة حقيقية على الردع.

واتهم المتحدث العسكري الجماعة الموالية لإيران بالتسبب في تدمير منشآت ميناء الحديدة، وعبَّر عن خشيته من استمرار الحوثيين في استدعاء إسرائيل، ومن ثم ضرب وتدمير مزيد من المنشآت والبنى التحتية مقابل بيانات تدعي البطولات.

وجزم الدبيش أن الخاسر الحقيقي في كل هذه اللعبة هو الشعب اليمني، وأن الحوثي لن يهدأ له بال إلا عندما يتحول اليمن إلى غزة أخرى تفوح منها رائحة الدم من كل مدينة وقرية.

دخان كثيف يتصاعد جراء قصف إسرائيل مدينة الحديدة اليمنية الخاضعة للحوثيين (رويترز)

في غضون ذلك، أدان «الحراك التهامي» وهو مكون سياسي يمني الضربات الإسرائيلية على مدينة الحديدة ومينائها والمنشآت المدنية وفي مقدمتها خزانات النفط ومحطة الكهرباء وغيرها من المقدرات.

وقال في بيان له إن «هذا الاعتداء والقصف وما أسفر عنه من ضحايا أبرياء، وتدمير بالغ يمثل كارثة سيتضرر منها أبناء تهامة والمواطن لا غير، سواء ما يتعلق بنقص الوقود، وانقطاع الكهرباء، وتوقُّف المستشفيات والمرافق الخدمية، وما يترتب عليها من تداعيات إنسانية».

وحمَّل البيان إسرائيل والحوثيين مسؤولية هذا العدوان وما نتج عنه من ضحايا وتدمير للمقدرات، وقال إن كل هذه الممارسات التي يجلبها الحوثي ما كانت لتحدث لولا حالة التراخي والتذليل من المجتمع الدولي له، ومن ذلك اتفاقية استوكهولم، مؤكداً أن الحوثيين يتحملون مسؤولية وصول البلاد إلى هذه الحال المأساوية والكارثية.

ووصف البيان مواقف الحوثيين بأنها «استغلال مفضوح» تحت مسمى نصرة فلسطين، وقال إنها «مزاعم كاذبة تبث زيفها، ولا صلة لها بفلسطين أو معاناة أبناء غزة».