«حوار المساحات» والبحث عن القارئ الآخر

أمل جمال تقرأ في مراياه قصصاً مصرية وعراقية ويمنية

«حوار المساحات» والبحث عن القارئ الآخر
TT

«حوار المساحات» والبحث عن القارئ الآخر

«حوار المساحات» والبحث عن القارئ الآخر

يتضمن كتاب «حوار المساحات» الذي صدر حديثاً للشاعرة المصرية أمل جمال مجموعة من القراءات النقدية، عدداً من الروايات والمجموعات القصصية.
في مقدمة الكتاب، أوضحت جمال 3 ملاحظات، تشير الأولى إلى ما يمكن أن يكون في الكتاب من تجاوز للمفهوم النمطي الضيق لحركة الأجيال الأدبية، الذي يحصرها في إطار زمني متعاقب، لافتة إلى أن الفاصلة التي تشير إلى التجاوز الضمني الذي سعت للعمل عليه للمفهوم الزمني للجيل، ترتبط بتجاوز آخر للمفهوم المغلق للشكل، أو ما يسمى نقدياً نظرية الأنواع الأدبية، وذلك لأنها ترى أن الشكل يتكون عبر حوارٍ متصلٍ واستخدامات متنوعة للأشكال والأدوات والعلامات. وقد قامت باستقصاء تفصيلي بدرجة ما، لحضور أشكال الفنون الأخرى مثل تقنيات السرد السينمائي والتشكيل البصري، والقوالب الموسيقية. وحاولت أن تستكشف بنية السرد عبر آلياتها المتمثلة في تحولات الراوي، وتعدد المنظور، وحركة الذات في النص.
وتضمن الكتاب دراسات عن كتاب مصريين، منهم الأديب الراحل صبري موسى، ومجموعته «السيدة التي والرجل الذي لم»، مشيرة إلى أن موسى ترك الحرية للشخصيات لتعبر عن نفسها بلغتها الخاصة ووجهة نظرها التي قد لا تتفق مع وجهة نظره هو كمؤلف. بل إن حواراتها تتسم بسمات لهجتها هي لتضفي نوعاً من المصداقية التي يجب توافرها في العمل الفني، وهو ما يبدو واضحاً في حوار الصحافي مع والدته وحواره مع زوجة صديق والده، وهما بالطبع يختلفان عن لغة صفية في قصة «السيدة التي»، كما أن حوار الأستاذ صفي مع الفلاح يختلف في بنيته عن لغة الفلاح أو الصحافي في قصة «التباس».
وفي مجموعة الكاتب شريف عبد المجيد «مقطع جديد لأسطورة قديمة»، رصدت جمال خلال النصوص نوعاً من الاغتراب، رأته في معظم قصص المجموعة، ويتخذ أشكالاً مختلفة قد يكون بالانسحاب من المجتمع والهروب إلى أحلام اليقظة أو الجنون أو الانتحار أو الرضوخ له ظاهرياً، والنفور منه ضمنياً، أو قد يكون تمرداً أو ثورة عليه. وقطعاً سيرتبط بهذه الخطوة وسيليها «عقوبة نتيجة لهذا التمرد والاجتراء على خرق قانون السيطرة، عبر شخصيات مأزومة في معظم حالاتها لكل منها مأساة ما، لا يخبرنا بها الكاتب بشكل مباشر، إنما يترك لنا قراءة ما خلف السطور والكلمات، وعلى القارئ أن يسهم في استنتاج ذلك وربط السبب بالنتيجة. وهو ما يتجلى واضحاً في فعل الانسحاب والهروب إلى أحلام اليقظة بحثاً عن حالة الاتزان النفسي للتخلص من ضغط الواقع والشعور بالعجز، كما في قصة «أشياء مختلطة» حيث الحلم بفتاة اصطدمت به فجأة واعتذرت ومضت، وظل هو يحلم بها كسندريلا إمعاناً في صعوبة الوصول إليها، وفي قصة «رائحة الموت»، حيث حالة العجز الناتجة عن الواقع المحبط لشابين فقيرين يسكنان غرفتين بأحد أسطح عمارات ميدان رمسيس. وهناك مقالات نقدية أخرى حول عوالم كتاب من بلدان عربية مثل الكاتبة اليمينية هدى العطاس ومجموعتها «لأنها». وأشارت جمال إلى أنه عند القراءة الأولى لقصص المجموعة، تنساب النصوص إلى قارئها ناعمة لا تخلو من التمرد، أو مهزومة لا تخلو من المقاومة. لكنها أبداً تأبى إلا أن تتركه وهو في حالة تماس معها ليكتمل التفاعل بآليات التلقي المعروفة. وقالت إنه منذ اللحظة الأولى نصطدم بشخصيات كثيرة تحتل فيها علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة المرأة بالمجتمع حيزاً كبيراً، وتدور في فلكه معظم القصص. فنجد من هذه الشخصيات مَنْ تسبر أغوار نفسها، فترصد حركة مشاعرها وتتأمل جراحها بطريقتها الخاصة، أو تترك نفسها مكشوفة مفتوحة على الداخل، ليترجم المتلقي بفطنته الرسالة من زاوية لا يبتعد عنها الجميع، بل يشاركون في صنعها في ملمح واحد مميز هو الاغتراب.
أما العراقي جبار ياسين، ومجموعته القصصية «وداعاً أيها الطفل» فقد ركزت جمال وهي تقدم مقاربتها للنصوص على لغة السارد، مشيرة إلى أن القاص اعتمد الاستبطان، واللغة الجارحة لتأطير الأحداث الدامية لمسيرة بغداد مايو (أيار) 1959، مركزاً على بؤرة الجرح والفزع الطولي من خلال استقراء وجه أمه، الذي تحول إلى مرآة ينعكس عليها نوع من الفزع المزدوج: إنساني في مواجهة المظاهرات والمدرعات، وأمومي ناتج عن خوفها على أطفالها الثلاثة من القتل.
ولفتت جمال إلى أن جبار اعتمد نوعاً من «جماليات القبح» التي تجعل المتلقي ينفعل ليرفض ما يراه، دون أن يفرض عليه وجهة نظره كسارد. أما تكنيك الكتابة فقد اعتمد على المفارقة التي تصيبنا بالأسى حيناً كما في «قصة العسل، بيت ناصر» وبالدعابة غير المقحمة على الحدث كما في «سبب وقوع الطفل في حمام التميمي».
وفي تعاملها مع النصوص، استخدمت «جمال» اقتباسات متعددة، للاستدلال على ما رأته متصلاً ببناء النص، ومرتبطاً برؤيته الكلية، لم ترصدها عبر استشهادات مطولة، إنما اهتمت فقط بوظيفة الاقتباس ومدى دلالته، على عالم الكاتب، وقدرته على استكشاف البنية والتحولات، ليحاور القارئ في ضوئها النصوص، بنظرته الخاصة، ما يعكس، جدلية شفيفة بين حوار المساحات وتنوعها وفق معطيات المكان والزمان.


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول جائزة تمثيل خلال مسيرتها

مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
TT

ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول جائزة تمثيل خلال مسيرتها

مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)

حصلت الممثلة ديمي مور على جائزة «غولدن غلوب» أفضل ممثلة في فئة الأفلام الغنائية والكوميدية عن دورها في فيلم «ذا سابستانس» الذي يدور حول ممثلة يخفت نجمها تسعى إلى تجديد شبابها.

وقالت مور وهي تحمل الجائزة على المسرح: «أنا في حالة صدمة الآن. لقد كنت أفعل هذا (ممارسة التمثيل) لفترة طويلة، أكثر من 45 عاماً. هذه هي المرة الأولى التي أفوز فيها بأي شيء بصفتي ممثلة»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

الممثلة ديمي مور في مشهد من فيلم «ذا سابستانس» (أ.ب)

تغلبت الممثلة البالغة من العمر 62 عاماً على إيمي آدمز، وسينثيا إيريفو، ومايكي ماديسون، وكارلا صوفيا جاسكون وزندايا لتفوز بجائزة أفضل ممثلة في فيلم موسيقي أو كوميدي، وهي الفئة التي كانت تعدّ تنافسية للغاية.

وقالت مور في خطاب قبولها للجائزة: «أنا في حالة صدمة الآن. لقد كنت أفعل هذا لفترة طويلة، أكثر من 45 عاماً. هذه هي المرة الأولى التي أفوز فيها بأي شيء بصفتي ممثلة وأنا متواضعة للغاية وممتنة للغاية».

اشتهرت مور، التي بدأت مسيرتها المهنية في التمثيل في أوائل الثمانينات، بأفلام مثل «نار القديس إلمو»، و«الشبح»، و«عرض غير لائق» و«التعري».

وبدت مور مندهشة بشكل واضح من فوزها، وقالت إن أحد المنتجين أخبرها ذات مرة قبل 30 عاماً أنها «ممثلة فشار» أي «تسلية».

ديمي مور تحضر حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب» الـ82 في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا (رويترز)

وأضافت مور: «في ذلك الوقت، كنت أقصد بذلك أن هذا ليس شيئاً مسموحاً لي به، وأنني أستطيع تقديم أفلام ناجحة، وتحقق الكثير من المال، لكن لا يمكن الاعتراف بي».

«لقد صدقت ذلك؛ وقد أدى ذلك إلى تآكلي بمرور الوقت إلى الحد الذي جعلني أعتقد قبل بضع سنوات أن هذا ربما كان هو الحال، أو ربما كنت مكتملة، أو ربما فعلت ما كان من المفترض أن أفعله».

وقالت مور، التي رُشّحت مرتين لجائزة «غولدن غلوب» في التسعينات، إنها تلقت سيناريو فيلم «المادة» عندما كانت في «نقطة منخفضة».

وأضافت: «لقد أخبرني الكون أنك لم تنته بعد»، موجهة شكرها إلى الكاتبة والمخرجة كورالي فارغيت والممثلة المشاركة مارغريت كوالي. وفي الفيلم، تلعب مور دور مدربة لياقة بدنية متقدمة في السن على شاشة التلفزيون تلتحق بنظام طبي غامض يعدها بخلق نسخة مثالية من نفسها.