توتر وحالة استقطاب شعبية غير مسبوقة بين صفوف العراقيين

انقسام حاد في الشارع بين مؤيد لاستهداف سليماني ومعارض له

TT

توتر وحالة استقطاب شعبية غير مسبوقة بين صفوف العراقيين

شهد العراق خلال اليومين الأخيرين، حالة من الاستقطاب غير المسبوق على خلفية الضربة الأميركية التي استهدفت قائد فيلق «القدس» الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس وأدت إلى مقتلهما وعدد من المرافقين بالقرب من مطار بغداد الدولي.
وصحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة كانت الساحة الأبرز في حالة الاستقطاب الشديدة نتيجة التقاطع الحاد بين المؤيدين للضربة الأميركية والمعترضين عليها، لكن ذلك لم يمنع من امتدادها إلى عموم المواطنين وحتى ساحات الاحتجاجات في بغداد وبقية المحافظات.
ففيما قرأ بعض الجهات في ساحة التحرير بياناً أدانت فيه عملية العملية الأميركية في مطار بغداد، رفضت مجاميع أخرى ذلك، ورأت أنه «لا يمثل 5% من الموجودين في الساحة». وانسحبت حالة الاستقطاب إلى الشارع، حيث تنقد قطاعات منه السلوك الأميركي وتعده انتهاكاً صريحاً لسيادة البلاد وتهديداً لأمنها.
في مقابل ذلك رحّبت قطاعات أخرى بالضربة ورأت أن «الحديث عن السيادة في بلد منتهَك لا معنى له». كما تتهم تلك الاتجاهات المهندس وسليماني بالضلوع والتورط في عمليات القمع والقتل الذي طالت آلاف الشباب في المظاهرات والاحتجاجات التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتحمل أيضاً السلطة وأحزابها وفصائلها المسلحة مسؤولية ما يحدث في البلاد والانتهاكات المتكررة لسيادتها من قبل الجميع. ولفت الانتباه، عزوف شخصيات اجتماعية وثقافية كثيرة عن التعليق والتزام جانب الصمت، نظراً إلى ما قد يتعرضون له من تهديد وتجريح إن قاموا بإعلان رأيهم بصراحة من حادث المطار، بسبب حالة التوتر الشديدة ومشاعر العداء المتبادلة بين جبهتي القبول والرفض لمقتل سليماني وأبو مهدي المهندس.
الصحافي ورئيس التحرير السابق لجريدة «الصباح» شبه الرسمية فلاح المشعل، كتب عبر «فيسبوك» قائلاً: «انقسام عراقي حاد إزاء ما يحدث من قضايا مهمة ومصيرية تخص الوطن، ظاهرة جاءت بها المحاصصة الطائفية السياسية وغذّتها الاحتلالات المتنوعة في ظل غياب الرموز الوطنية التي يجتمع حولها الشعب».
أما النائب المثير للجدل عن ائتلاف «دولة القانون» كاظم الصيادي، فقد دعا السلطات صراحةً عبر «تويتر» إلى إصدار أوامر قبض بحق جميع من سمّاهم «الشامتين بدماء الشهداء على مواقع التواصل الاجتماعي» وأضاف أن «هؤلاء أزلام (الكيبورد)، لا يجب اعتبارهم عراقيين، لأنهم يسيئون للبلد».
وأوصى النائب المدني فائق الشيخ علي «أبناءه وبناته من المتظاهرين» في تغريدة عبرة «تويتر» قائلاً: «لا تُبدوا أي مظاهر فرح أو احتفال باستهداف السيدين سليماني والمهندس، لأنكم ستُذبحون». ثم وجه الشيخ علي كلماته إلى من سمّاهم «الميليشيات» قائلاً: «لا تنفعلوا وتستعرضوا عضلاتكم على العراقيين. أخرجوا أسلحتكم من مناطق سكن الفقراء إلى الصحراء، أميركا ستقتلكم واحداً واحداً، أبعدوا بلدي عن الحرب».
من جهته كتب الأستاذ الأكاديمي حمزة عليوي، عبر «فيسبوك» تعليقاً على حالة التوتر والاستقطاب بين المدونين والنشطاء في مواقع التواصل: «دراما مضحكة يتبناها طرفا هذه (اللطمية) المستمرة منذ أيام: تفتح الـ(فيس) فتجد بين منشور ومنشور من يهدد ويطلب من الذيول (في إشارة إلى الموالين لإيران وأميركا على حد سواء) الخروج من صفحته. هذا يصف أصدقاء صفحته بالذيول، وذاك يفعل الأمر ذاته». ونصح عليوي المتخاصمين بالتالي: «يمكنك أن تحظر من لا تنسجم معه، دون أن تمارس عدوانيتك علناً. الأمر في غاية البساطة: ادخل إلى خانة أصدقاء الصفحة واحذف من لا تريد قراءة منشوراته».
أما القاصة والأكاديمية رغد السهيل، فقد خاطبت الطرفين قائلة: «ضعوا الله في عينكم اليمنى والعراق في اليسرى، كفّوا عن الخلاف والتصارع والشتائم وتبادل الاتهامات، كل إنسان حر بما يعتقد، وحدتنا وسلميتنا كشعب تصنع الفارق. تذكّروا، كلنا سنرحل، فلا تتركوا العراق ممزقاً!».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.